كتب زياد ضاهر (*)
لعل الحديث عن الطوائف وادوارها في النظام السياسي اللبناني لا يلقى ذات انتباه في هذه الأيام! و ربما لن تجد له آذان مصغية في أجواء صاخبه تنادي بالدولة المدنية و الانتهاء من الطائفية و مكافحة الفساد و غيرها من شعارات الحراك الذي مضى على ولادته أكثر من 60 يوما.
لكن حقيقه ما يحدث في الشأن الحكومي اليوم، يعيدنا الى ما قبل 17 تشرين 2019، ربما يعود الأمر الى تاريخ دخول القوات الروسية الى سوريا، التي قدمت الغطاء لمفهوم حلف الأقليات في الشرق وأصبح مشروعا يحظى بقوة دولية راعية له وبالتالي امتلك مقومات الحياة والاستمرارية بوجود قوى سياسية من "الأقوياء" تسيطر على قرار الاغلبية الساحقة من أبناء طائفتها.
في سوريا سيطر الأسد على كل الطوائف و ما زال يمثل الحكم العلوي الحامي للوجود المسيحي و الضابط لأي مشروع سياسي سني في سوريا و ربما في لبنان تاريخيا.
في لبنان منذ دخول التيار العوني للسلطة و هو ينادي لتولي "الاقوياء في طوائفهم" لتمثيل تلك الطوائف، وشكل الوصول للرئاسة دافعا كبيرا لهذا المشروع الذي كان خطوة اساسية في اطار ما دعا اليه جبران باسيل بحماية الوجود المسيحي في الشرق.
في العراق احرز الايرانيون هيمنة بشكل كبير على قرار العراق يخوض في وجهه العراقيون ثورة سلمية منذ شهور، قدَمت للآن أكثر من 500 شهيد وما زالت مستمرة.
هذه الدول الأساسية على خط "طهران – البحر المتوسط " تشكل أهمية كبرى في مجال الأمن القومي "الايراني" و "الروسي" اللذين يتعارضان في أمور و يتقاطعان في غيرها ، لكن النقاش أصبح ضمن أعضاء التحالف المشترك في المنطقة وله ضوابطه.
حلف الأقليات الذي حافظ على الحكم العلوي في سوريا، و رعى مسار استعادة الشيعة الحكم في العراق و صولا الى اليمن والمسعى الحوثي للسيطرة على الحكم ونعود الى لبنان حيث فسيفساء الطوائف، وحيث أعلن جبران باسيل الانتساب رسميا لهذا الحلف ، بل وزاد عليه ليضع هدفا استراتيجيا يحقق "حماية الوجود المسيحي في الشرق" !
مؤخراً، تم اختيار حسان دياب رئيسا مكلفا لتشكيل حكومة، وهو الموقع السني الأول في النظام السياسي اللبناني، هذا الحلف لا يتحمل وجود سنة ذات تمثيل شعبي وازن، فالاكثرية السنية في العالم العربي تتعرض منذ سنوات للتدمير والقتل والتهجير كما حصل في سوريا من عمليات "ترانسفير" لصالح اعادة تنظيم التوزيع الديمغرافي خدمة للأقليات و تأمين مناطق الحكم المركزي في سوريا من أي مفاجئات في المستقبل.
في لبنان يتعرض السنه لما تعرض له الموارنه بعد اتفاق الطائف حيث قررت الوصاية السورية بعد التفويض الأمريكي لحافظ الأسد بادارة الملف اللبناني، يتم الآن اختيار سنة "مكتومي القيد السياسي" لتمثيلهم في الدولة وادارة الحكم، وفي مجال اختيار الاشخاص المولجين بتأدية المهمة لا حاجة لان يكون هنالك شروط مسبقه أو توقيعهم استقالات مسبقه كما فعل جبران باسيل مع وزرائه ولا وجود لنظرية التواطؤ، ففي حالة السنة يكفي أن تختار أحد الهامشيين لتكون قد حققت الهدف بتهميش السنة عن صناعة القرار وادارة الدولة، وبدون أن يدري هؤلاء ماذا هم فاعلون!
الآن... السنة بكل مكوناتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أمام هذه الحقيقة الصارخة، انهم يتعرضون لعملية "ترانسفير سياسي" و اقصاء، هذه الحقيقة يجب أن توضع أمام العالم العربي وقياداته أولاً، ولا خيارات كثيرة سوى التضامن والتنبه لخطورة ما يحاك و لا بد من مواجهة مهما كانت أثمانها و عنوانها "الشرعية"، ولا مواجهة من دون سعد الحريري بما يمثل من وزن سني ووطني حافظ على خيارات السنة منسجمة مع تاريخها المعتدل و الرافض للتطرف، والمنفتح على تحويل قضيته الى قضية وطنية وهو الضامن لمنع انجرارها الى التمذهب الخطير والمرفوض، أما اذا ذهبنا الى استبدال الصالح بالطالح فالنتائج ستكون خارج ارادة القوى المعتدلة.
اما أن يتعظون من تجربة الموارنه فيما تعرضوا له خلال التسعينيات و اما أننا ذاهبون الى سنوات من الاقصاء والتنكيل و ستكون الوصاية الايرانية هي المهيمنة بفض من ساهم بنقل حلف الأقليات الى الحكم في لبنان و الباقي تفصيل.
حمى الله لبنان من الفاسدين والطائفيين.
(*) عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل"
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.