حين فقدت إيران قائدها العسكري البارز، قاسم سليماني، في ضربة جوية أميركية، قرب مطار بغداد، في الثالث من يناير الجاري، توعدت بأن يكون ردها "مزلزلا"، لكن الحرس الثوري الإيراني اكتفى بانتقام محدود، دون إيقاع أي ضحايا في الجانب الأميركي، وهو ما أثار أسئلة حول السبب الذي جعل نظام الملالي يجنح إلى التهدئة عوض الثأر بـ"قسوة".
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فإن الوضع الاقتصادي الداخلي المتدهور هو الذي جعل إيران تفضل عدم "الاندفاع"، لأن الدخول في أي مغامرة عسكرية مباشرة مع واشنطن، ستزيد الطين بلة، لاسيما أن طهران تضررت كثيرا من العقوبات الاقتصادية الشديدة التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو 2018.
وأدت العقوبات التي فرضها ترامب عقب الانسحاب من الاتفاق النووي، إلى انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 9.5 في المئة، خلال العام الماضي، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي، أما صادرات النفط فهوت إلى الصفر، في ديسمبر 2019، رغم الكميات التي نقلها المهربون إلى الخارج، والمعروف هو أن من يشترون النفط المهرب يدفعون ثمنا أقل.
وفيما كان بعض المتابعون يرجحون أن تستثمر إيران مقتل سليماني لأجل توحيد الصف الداخلي، إلا أن ذلك لم يحصل، لاسيما بعدما اعترفت السلطات بإسقاط الطائرة الأوكراني عن طريق الخطأ، ومصرع 176 شخصا كانوا على متنها، ومن بينهم عشرات الإيرانيين.
وخرجت حشود من المحتجين ضد السلطات التي حاولت الإنكار، طيلة ثلاثة أيام، لولا أن المخابرات والدول الغربية كشفت تورط الحرس الثوري الإيراني في الكارثة الجوية التي وصفها الرئيس حسن روحاني بالخطأ "الذي لا يغتفر"، ولم يقف غضب الشارع عند هذا الحد، بل أحيى الناس مطالب بشأن المعيشة المتردية، وسط مطالبات بتنحي المرشد الأعلى، علي خامنئي.
السيناريو الأسوأ
ويقترب مستوى التضخم في إيران من 40 في المئة، وهو ما يعني التهاب أسعار الغذاء والمواد الأساسية، أما أرقام البطالة بمقلقة بحسب خبراء الاقتصاد، لأن واحدا من بين كل أربعة شبان إيرانيين لا يجد عملا.
ووسط هذه الأزمة، حرصت إيران على أن يكون الرد محدودا، حتى لا تدفع ترامب إلى الرد بشكل قاس، لأن أي نزاع عسكري مع قوة عالمية عظمى سيزيد الوضع سوءًا، وهو ما لا يطيقه الداخل الهش.
وفي حال نشوب نزاع عسكري مع الولايات المتحدة، فذلك يعني زيادة متاعب الشركات المحلية، كما أن العملة ستهبط بشكل أكبر فيما سيزيد التضخم، أي أن في الأمر تهديدا لما تبقى من الصناعة الوطنية والوظائف، وهذه التبعات، ستزيد من الضغط على القيادة التي تحكم البلاد.
ويقول نائب المدير السابق لصندوق النقد الدولي، عدنان مزاري، إن الحكومة الإيرانية تمسك بزمام 70 في المئة من أصول البنوك في البلاد، وإذا كانت بعض الشركات قد نجت من الانهيار الكامل حتى الآن فلأنها حصلت على قروض سخية. وتشير بيانات اقتصادية صادرة عن البرلمان الإيراني إلى أن نصف قروض البنوك لا يجري سدادها في الوقت المفترض.
وأوردت الصحيفة أنه في حال نشوب نزاع مع واشنطن، فإن أثرياء إيران سينقلون أموالهم إلى الخارج، وهو ما سيزيد متاعب الاقتصاد المحلي، فيما تسعى الحكومة إلى إبقاء الوضع تحت السيطرة من خلال تقديم القروض للشركات المتعثرة.
ويقول اقتصاديون إن إيران قدمت دعما كبيرا للشركات المحلية حتى تتفادى الاستيراد قدر الإمكان، لكن النتيجة كانت محدودة، لأن هذا الخيار "الترقيعي" يثقل ميزانية الدولة ويضيف الكثير من الأعباء إلى كاهل البنوك.
استثمار الأزمة
وفي الوقت نفسه، ثمة من يرى أن السلطات الإيرانية تقتات أيضا على الأزمات، لأنها تصور الوضع الاقتصادي المتري بمثابة نتيجة لما تصفها بـ"الحرب الاقتصادية" التي يشنها الأميركيون، ولهذا السبب، بحثت إيران عن مغامرات عسكرية خلال العاميين الأخيرين حتى تصرف الناس عن الناس إلى المشاكل الاقتصادية الداخلية.
ورغم هذه الظروف الصعبة، يستبعد المحللون أن يكون الاقتصاد موجها وحيدا لسياسة إيران في المرحلة المقبلة، لأن المهم بالنسبة للنظام هو البقاء، وفي حال بدا أن المواجهة مع الخارج ستؤدي إلى تشديد القبضة، فإن طهران لن تتردد وستقبل بـ"الفاتورة الاقتصادية" على مضض، والسبب هو أن البلاد لا ترسم سياستها وفق ما يراعي وضع الناس ورفاهيتهم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.