هناك اشخاص لم يخلقوا ليكون لهم بديل، هم إستثناء خاص لا يعوضهم أحد، نُحبّهم نشتاق الى روحهم، تركوا في داخلنا بصمتهم بامتياز و رحلوا فرحل معهم جزء من الامان. اشخاص ظهروا في حياة الاوطان واستشهدوا فداءً لها تأثرنا بهم لقوة فكرهم و أفكارهم، اعطوا الاوطان الكثير واستفادوا منها القليل. هؤلاء كانت لهم الحياة فكانوا للحياة، أسعدوا كل من كان محيطاً بهم، وجوههم بشوشة يألفون و يؤلفون، أشخاص احتضنوا الفقراء والضعفاء قبل الاغنياء وأصحاب النفوذ.
ترددت كثيرا قبل ان اكتب عن رفيق الحريري هذا العام، فمع مرور الزمن تفقد الكلمات ثقلها في وصف من نحب ونحترم فلا هي تنصفهم ولا هي تشفي وجعنا.
احداث كثيرة تسارعت منذ ان وقعت الواقعة الكبرى، تغيرت المنطقة بل تغير لبنان. نعم تغير لدرجة ان ظواهر موجعة طرأت على المجتمع اللبناني نتيجة التدهور الذي طال ولا يزال كل المستويات وكل الفئات من دون استثناء. كان لافتا قبل اسبوع تقريبا من حلول ذكرى الاستشهاد الرابعة عشرة، احراق المواطن جورج زريق نفسه في ملعب مدرسة ثانوية "سيدة بكفتين" بعد عجزه عن تسديد الأقساط المدرسية المتراكمة لابنته، في واقعة تظهر دقة الأوضاع المعيشية وتداعياتها خصوصا التربوية على اللبنانيين.
اكتفى جورج ببضع قطرات من مادة البنزين ليضرم النار في جسده احتجاجا، فيما استعان قاتلو رفيق بعبوة تفوق زنتها الألف كيلوغرام من مادة الـ"تي أن تي" لتفجيره والقضاء على مسيرته وتدمير انجازاته. في المحصلة نهاية الرجلان متشابهة كلاهما مات حرقا ووجعا وألما. جورج رحل عن عائلته وخلّف وراءه حسرة. ونقش في قلب طفلته الما ووجعا سيرافقانها طيلة حياتها. اما رفيق فبقدر ما يشكل رحيله خسارة كبيرة لعائلته، بقدر ما يشكل رحيله خسارة لكل اللبنانيين ومنهم جورج زريق. اجل ببساطة لو بقي رفيق الحريري على قيد الحياة لكان جورج حيا يرزق ايضا. إذ من المستبعد ان يحرق الاخير نفسه بوجود رجل آمن أنّ لا خلاص للبنان إلاّ بالعلم والمعرفة وان التعليم هو المنطلق الاساسي في عملية النهوض الوطني. رجل انشأ العديد من المدارس الرسمية ودعم مناهجها، وساهم في دعم المدارس والجامعات المتعثرة ماديا.
الان مع مرور الوقت بتنا قادرين على استيعاب معنى ان ينفق رفيق الحريري مئات ملايين الدولارات من جيبه الخاص على تعليم ما يزيد عن اربعين الف شاب وشابة في احسن وأهم جامعات العالم، الآن ايضا بتنا قادرين على استيعاب وفهم معنى المساعدات التي قدمها رفيق الحريري للمؤسسات التربوية والثقافية كي تظل واقفة على رجليها وراسخة. هو رفيق الذي كان يمتلك القدرة والعزم والتصميم على تحمل الكل وحمل كل القضايا على كتفيه.
بهية سكافي
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.