*زياد سامي عيتاني
الطربوش الذي هو لباس الرأس الذي كان في الماضي يرمز إلى الوجاهة والهيبة والأناقة، وكان أيضاً ضرورة رمزية لآستكمال المظهر الذكوري.
كذلك إكتسب الطربوش دلالة قومية في الماضي البعيد في مواجهة القبعة الأوروبية، إلى أن إنتهى إستخدامه، وبقي مقتصراً في المناسبات والإحتفالات التراثية.
وقد ظل الطربوش مستخدماً في عدد من الدول العربية مثل مصر والعراق وسوريا ولبنان والمغرب. وكان ضرورياً لإستكمال المظهر الرسمي. وأصبح مع مرور الوقت رمزاً سياسياً، له هيبة في الشارع العربي حتى لُقّب من يرتديه بالباشا أو البيك أو الأفندي.
•أصل الطربوش:
تباينت الروايات حول الموطن الأصلي للطربوش، فالبعض يؤكد أنه ظهر في النمسا ثم دخل تركيا فيما بعد. وقد أُطلق عليه إسم "فيز Fez" نسبة إلى مكان صناعته وهي "فيينا" عاصمة النمسا وكان شكله أسطوانياً ولونه أحمر أو أبيض ثم حُوّل الإسم إلى "فاس" وزعموا أنه يدل على مدينة "فاس" المغربية كي يُموّه عن المسلمين منشؤه الأصلي ويرضي مشاعرهم الدينية بأنهم لا يستعملون بضائع الأوربيين.
وهناك من يقول إنه بدأ بالظهور منذ بداية القرن الثامن عشر في تركيا نفسها. وقال مؤرخون آخرون إن النساء الألبانيات واليونانيات هن أول من لبس الطربوش ثم نقلته إلى العثمانيين بسبب الإحتكاك والعمل في القصور السلطانية.
• التسمية:
كلمة طربوش محرفة عن الفارسية "سربوش" وتعني زينة رأس الأمير ثم حُرّفت إلي "شربوش" فأصبح شبه عمامة تلتف حول طاقية حمراء من الجوخ سطحها يتراوح بين "10 14" سم، وتعلق في وسطها شرابة غليظة زرقاء أو سوداء تتدلي حتي العنق وحل محل الطربوش الكبير الطربوش النمساوي. بعد ذلك إستبدلت كلمة "شربوش" بالطربوش.
•إنتشار الطربوش في الدول العربية:
وقد إزدهر الطربوش بصورة خاصة في البلاد العربية مع دخول الجيوش العثمانية، حيث صار لباس الرأس الرئيسي، بعدما أصدرت الدولة العثمانية فرماناً بتعميم إرتداء الطربوش بالنسبة للرسميين، ثم إنتشر بعد ذلك بين عامة الناس.
وعاش "الطربوش" فترة إزدهار وأصبح شعاراً قومياً بُعيد إنتهاء الحرب العالمية الأولى بل احتل مركز الصدارة بين أغطية الرأس وأصبح لبسه ردة فعل على بعض المحاولات بإدخال القبعة الأوروبية بإعتبارها لباس المستعمرين.
فقد غزا الطربوش لبنان والعالم العربي كرمز من رموز الوجاهة والهيبة والأناقة، وضرورة تفرض نفسها لاستكمال أناقة الرجال أو الزعماء في لبنان أمثال الرئيس الراحل رياض الصلح أو الرئيس الراحل تقي الدين الصلح مثلاً. وامتدت وجاهة الطربوش الى الملك فاروق في مصر وصولاً الى موسيقار الأجيال الكبير عبد الوهاب والرئيس المصري جمال عبد الناصر.
•الطربوش رمز للعلم والمعرفة:
إرتبط لبس "الطربوش" بالعلم وسعة المعرفة، ونظر إليه العامة بإحترام وإجلال. وهذا ما ذكره الشاعر حافظ إبراهيم حين قابله رجل أمّي وأعطاه رسالة ليقرأها له، فأجابه إبراهيم بأنه لا يعرف القراءة، فقال الرجل الأمّي متعجباً: كيف وأنت ترتدي "الطربوش"، فخلع إبراهيم "الطربوش" ووضعه فوق رأس الرجل وقال له: "الطربوش" فوق رأسك تفضل إقرأ أنت.
•إلغاء رسمي للبس الطربوش:
إتخذ العثمانيون الطربوش زياً رسمياً ليحل محل العمامة، في وقت متأخر من حياة امبراطوريتهم، كزي بروتوكولي، ليصبح زياً شعبياً فيها، إلى أن إتخذ كمال أتاتورك سنة 1925 قراراً يمنع فيه لبس الطربوش.
كذلك قررت ثورة 23 يوليو في مصر إلغاء الطربوش لأنه يرمز لعهد الإقطاع، علماً أن مصر كانت في عهد محمد علي باشا تستورد الطربوش من الخارج، إلى أن أنشأ له مصنعا في إطار برنامجه الاقتصادي للبلاد، وعندما حطم الغرب دولة محمد علي كان حريصا على تفكيك مصانعه بما في ذلك مصنع الطرابيش.
أما في سوريا فقد جاء المستعمر بالقبّعة، فتشبّث الناس بالطربوش، باعتباره يمثّل هوية الشاميين، ولكنّ اللغط الذي أثاره عدد من الباحثين باعتبار الطربوش رمزاً للتسلّط العثماني على العرب، أجبر البعض على العودة إلى الغترة والعقال العربي للتعبير عن الهوية العربية.
•رمزية الطربوش:
كان الطربوش يميز من يشغل وظيفة رسمية عالية، فرؤساء الوزارات والوزراء وكبار الموظفين أياً كانت اعتقاداتهم اعتمدوا الطربوش زياً وحرصوا على وضعه على رؤوسهم.
فقد غزا الطربوش لبنان والعالم العربي كرمز من رموز الوجاهة والهيبة والأناقة، وضرورة تفرض نفسها لاستكمال أناقة الرجال أو الزعماء في لبنان أمثال الرئيس الراحل رياض الصلح أو الرئيس الراحل تقي الدين الصلح مثلاً. وامتدت وجاهة الطربوش الى الملك فاروق في مصر وصولاً الى موسيقار الأجيال الكبير عبد الوهاب والرئيس المصري جمال عبد الناصر.
في المقابل لم يقتصر الطربوش على ذوي الوظائف الرسمية الكبيرة وحدهم، فكثيرون كانوا يعتمرون الطرابيش للدلالة على الموقع الاجتماعي وللتعبير عن أهميتهم ومكانتهم الاجتماعية".
يذكر أنه كانت طرابيش المسؤولين داكنة قليلاً في الغالب ووازنة على الرأس لا تتحرك إلا بمقدار، والشراشيب فيها دائماً إلى الخلف".
•إنقراض الطربوش:
إنقرضت صناعة الطرابيش ولم تعد موجودة بشكلها السابق، إلا ما ندر في المغرب العربي. فلم يعد يستخدم الطرابيش الآن إلا بعض الأشخاص، وربما رجال الدين الذي يضيفون العمامة حوله.
وبذلك تراجعت الطرابيش عندما ظهرت القبعات العسكرية واختفت تدريجياً من الحياة العربية. ولم يبق لها الأثر إلا في بعض المظاهر الإجتماعية أو بعض الفرق الدينية التي ترتديها لإحياء ليلة ذكر أو مناسبة دينية.
وهكذا مع مرور الزمن إنقرضت صناعة الطرابيش، بعدما كان الطربوش فخر لبكوات وباشاوات وأفندية وقبضايات أيام زمان الذين كانوا يعتمرونه كغطاء للرأس، وصار أبناء جيلنا يتعرفون عليه من خلال مشاهدة بعض المسلسلات التلفزيونية التي تدور رحالها في الأحياء والحارات الشعبية...
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.