1 شباط 2020 | 19:30

خاص

الطربوش من رمزية الوجاهة والهيبة والأناقة... إلى مظهر تراثي

الطربوش من رمزية الوجاهة والهيبة والأناقة... إلى مظهر تراثي
المصدر: زياد سامي عيتاني

*زياد سامي عيتاني

الطربوش الذي هو لباس الرأس الذي كان في الماضي يرمز إلى الوجاهة والهيبة والأناقة، وكان ‏أيضاً ضرورة رمزية لآستكمال المظهر الذكوري.‏

كذلك إكتسب الطربوش دلالة قومية في الماضي البعيد في مواجهة القبعة الأوروبية، إلى أن ‏إنتهى إستخدامه، وبقي مقتصراً في المناسبات والإحتفالات التراثية.‏

وقد ظل الطربوش مستخدماً في عدد من الدول العربية مثل مصر والعراق وسوريا ولبنان ‏والمغرب. وكان ضرورياً لإستكمال المظهر الرسمي. وأصبح مع مرور الوقت رمزاً سياسياً، له ‏هيبة في الشارع العربي حتى لُقّب من يرتديه بالباشا أو البيك أو الأفندي. ‏

‏•أصل الطربوش:‏

‏ تباينت الروايات حول الموطن الأصلي للطربوش، فالبعض يؤكد أنه ظهر في النمسا ثم دخل ‏تركيا فيما بعد. وقد أُطلق عليه إسم "فيز ‏Fez‏" نسبة إلى مكان صناعته وهي "فيينا" عاصمة ‏النمسا وكان شكله أسطوانياً ولونه أحمر أو أبيض ثم حُوّل الإسم إلى "فاس" وزعموا أنه يدل ‏على مدينة "فاس" المغربية كي يُموّه عن المسلمين منشؤه الأصلي ويرضي مشاعرهم الدينية ‏بأنهم لا يستعملون بضائع الأوربيين.‏

وهناك من يقول إنه بدأ بالظهور منذ بداية القرن الثامن عشر في تركيا نفسها. وقال مؤرخون ‏آخرون إن النساء الألبانيات واليونانيات هن أول من لبس الطربوش ثم نقلته إلى العثمانيين بسبب ‏الإحتكاك والعمل في القصور السلطانية.‏

‏• التسمية:‏

كلمة طربوش محرفة عن الفارسية "سربوش" وتعني زينة رأس الأمير ثم حُرّفت إلي "شربوش" ‏فأصبح شبه عمامة تلتف حول طاقية حمراء من الجوخ سطحها يتراوح بين "10 14" سم، ‏وتعلق في وسطها شرابة غليظة زرقاء أو سوداء تتدلي حتي العنق وحل محل الطربوش الكبير ‏الطربوش النمساوي. بعد ذلك إستبدلت كلمة "شربوش" بالطربوش.‏

‏•إنتشار الطربوش في الدول العربية:‏

وقد إزدهر الطربوش بصورة خاصة في البلاد العربية مع دخول الجيوش العثمانية، حيث صار ‏لباس الرأس الرئيسي، بعدما أصدرت الدولة العثمانية فرماناً بتعميم إرتداء الطربوش بالنسبة ‏للرسميين، ثم إنتشر بعد ذلك بين عامة الناس.‏

وعاش "الطربوش" فترة إزدهار وأصبح شعاراً قومياً بُعيد إنتهاء الحرب العالمية الأولى بل احتل ‏مركز الصدارة بين أغطية الرأس وأصبح لبسه ردة فعل على بعض المحاولات بإدخال القبعة ‏الأوروبية بإعتبارها لباس المستعمرين.‏

فقد غزا الطربوش لبنان والعالم العربي كرمز من رموز الوجاهة والهيبة والأناقة، وضرورة ‏تفرض نفسها لاستكمال أناقة الرجال أو الزعماء في لبنان أمثال الرئيس الراحل رياض الصلح ‏أو الرئيس الراحل تقي الدين الصلح مثلاً. وامتدت وجاهة الطربوش الى الملك فاروق في مصر ‏وصولاً الى موسيقار الأجيال الكبير عبد الوهاب والرئيس المصري جمال عبد الناصر.‏

‏•الطربوش رمز للعلم والمعرفة:‏

إرتبط لبس "الطربوش" بالعلم وسعة المعرفة، ونظر إليه العامة بإحترام وإجلال. وهذا ما ذكره ‏الشاعر حافظ إبراهيم حين قابله رجل أمّي وأعطاه رسالة ليقرأها له، فأجابه إبراهيم بأنه لا ‏يعرف القراءة، فقال الرجل الأمّي متعجباً: كيف وأنت ترتدي "الطربوش"، فخلع إبراهيم ‏‏"الطربوش" ووضعه فوق رأس الرجل وقال له: "الطربوش" فوق رأسك تفضل إقرأ أنت.‏

‏•إلغاء رسمي للبس الطربوش:‏

إتخذ العثمانيون الطربوش زياً رسمياً ليحل محل العمامة، في وقت متأخر من حياة ‏امبراطوريتهم، كزي بروتوكولي، ليصبح زياً شعبياً فيها، إلى أن إتخذ كمال أتاتورك سنة 1925 ‏قراراً يمنع فيه لبس الطربوش.‏

‏ كذلك قررت ثورة 23 يوليو في مصر إلغاء الطربوش لأنه يرمز لعهد الإقطاع، علماً أن مصر ‏كانت في عهد محمد علي باشا تستورد الطربوش من الخارج، إلى أن أنشأ له مصنعا في إطار ‏برنامجه الاقتصادي للبلاد، وعندما حطم الغرب دولة محمد علي كان حريصا على تفكيك مصانعه ‏بما في ذلك مصنع الطرابيش. ‏

أما في سوريا فقد جاء المستعمر بالقبّعة، فتشبّث الناس بالطربوش، باعتباره يمثّل هوية ‏الشاميين، ولكنّ اللغط الذي أثاره عدد من الباحثين باعتبار الطربوش رمزاً للتسلّط العثماني على ‏العرب، أجبر البعض على العودة إلى الغترة والعقال العربي للتعبير عن الهوية العربية.‏

‏•رمزية الطربوش:‏

كان الطربوش يميز من يشغل وظيفة رسمية عالية، فرؤساء الوزارات والوزراء وكبار ‏الموظفين أياً كانت اعتقاداتهم اعتمدوا الطربوش زياً وحرصوا على وضعه على رؤوسهم.‏

فقد غزا الطربوش لبنان والعالم العربي كرمز من رموز الوجاهة والهيبة والأناقة، وضرورة ‏تفرض نفسها لاستكمال أناقة الرجال أو الزعماء في لبنان أمثال الرئيس الراحل رياض الصلح ‏أو الرئيس الراحل تقي الدين الصلح مثلاً. وامتدت وجاهة الطربوش الى الملك فاروق في مصر ‏وصولاً الى موسيقار الأجيال الكبير عبد الوهاب والرئيس المصري جمال عبد الناصر.‏

في المقابل لم يقتصر الطربوش على ذوي الوظائف الرسمية الكبيرة وحدهم، فكثيرون كانوا ‏يعتمرون الطرابيش للدلالة على الموقع الاجتماعي وللتعبير عن أهميتهم ومكانتهم الاجتماعية". ‏

يذكر أنه كانت طرابيش المسؤولين داكنة قليلاً في الغالب ووازنة على الرأس لا تتحرك إلا ‏بمقدار، والشراشيب فيها دائماً إلى الخلف".‏

‏•إنقراض الطربوش:‏

إنقرضت صناعة الطرابيش ولم تعد موجودة بشكلها السابق، إلا ما ندر في المغرب العربي. فلم ‏يعد يستخدم الطرابيش الآن إلا بعض الأشخاص، وربما رجال الدين الذي يضيفون العمامة حوله.‏

وبذلك تراجعت الطرابيش عندما ظهرت القبعات العسكرية واختفت تدريجياً من الحياة العربية. ‏ولم يبق لها الأثر إلا في بعض المظاهر الإجتماعية أو بعض الفرق الدينية التي ترتديها لإحياء ‏ليلة ذكر أو مناسبة دينية.‏

وهكذا مع مرور الزمن إنقرضت صناعة الطرابيش، بعدما كان الطربوش فخر لبكوات ‏وباشاوات وأفندية وقبضايات أيام زمان الذين كانوا يعتمرونه كغطاء للرأس، وصار أبناء جيلنا ‏يتعرفون عليه من خلال مشاهدة بعض المسلسلات التلفزيونية التي تدور رحالها في الأحياء ‏والحارات الشعبية...‏

‏*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.‏










يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

1 شباط 2020 19:30