4 شباط 2020 | 20:24

خاص

مع رحيل ناديا لطفي، يبقى بريق شمسها الذي لم تحجبه "النظارة السوداء"...

مع رحيل ناديا لطفي، يبقى بريق شمسها الذي لم تحجبه
المصدر: زياد سامي عيتاني

زياد سامي عيتاني*

رحلت الفنانة ناديا لطفي، ليغيب معها بريق الشمس الذهبي الذي كان يسطع من أشعتها المتوهجة في أعتى فترات الظهيرة.

فلا أحد كان يستطيع أن يغمض عيناه أمام نادية لطفي في رقتها المعهودة، ورومانسيتها الحالمة، وجرأتها على تقديم الجديد والمختلف، فإطلالتها بمثابة بريق الشمس الذي لا ينطفئ وهجه.

‏‎وعلى الرغم من عدم إعلانها اعتزال الفن فإنها فضلت الاكتفاء بما قدمته خلال مشوارها الفني لتتفرغ إلى حياتها الخاصة، وتكمل مشوارها الآخر في الأعمال التطوعية، لا سيما وأنه عرف عنها منذ شبابها ميلها إلى العمل بداية من العدوان الثلاثي عام 1956 وحتى نصر أكتوبر العظيم.



•رمسيس نجيب مكتشفها:

دخلت نادية لطفي عالم الفن على يد المخرج رمسيس نجيب، الذي اكتشفها وقدمها للسينما، وهو أيضا من أطلق عليها اسما فنيا هو نادية من بولا.

والغريب أن الصدفة وحدها كانت طريق نادية لطفي لكي تتربع على عرش نجمات الزمن الجميل في الستينيات والسبعينيات، عندما اكتشفها المنتج نجيب، وقدمها لأول مرة في السينما عام 1959 من خلال فيلم " سلطان" أمام ملك الترسو ووحش الشاشة فريد شوقي.

ويرجع السر في اختيار اسمها الفني الجديد إلى رواية "لا أنام"، فقد اقتبس نجيب اسم نادية من اسم الشخصية التي قدمتها فاتن حمامة في الفيلم المأخوذ عن رواية للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس.



•صعيدية الأب:

‏‎ولدت الفنانة، نادية لطفي في حي عابدين في القاهرة من أب صعيدي يعمل محاسبا وأم من محافظة الزقازيق، ودرست في المدرسة الألمانية في القاهرة وكانت هواياتها فنية بامتياز فكانت ترسم وتكتب روايات قصيرة.

•ثلاث زيجات:

تزوجت نادية لطفي ثلاث مرات، كانت الأولى من ابن الجيران وهو ضابط بحري أنجبت منه ابنها الوحيد أحمد، والثانية مطلع السبعينات من المهندس إبراهيم صادق شفيق، وكانت هذه الزيجة هي الأطول في عمرها، وآخر زيجاتها كانت من محمد صبري.

 


•مختلفة عن نجمات جيلها:

نادية لطفي الاسم الذي حملته الفنانة طوال رحلتها الفنية بعيدًا عن اسمها الحقيقي "بولا"، وربما كان الاسم على مسماه كما تقول الأمثلة الشهيرة، فهي نادية الخلق، وكثيرة الكرم والرقة دليلاً على لطفها المعهود. اختارت النجمة الكبيرة لمسيرتها خطًّا مختلفًا عن غيرها من نجمات جيلها، فكانت البطلة التي تحاكي في تفاصيل كل شخصية تؤديها الروايات الأدبية التي كانت تقوم بتجسيدها لعل أشهرها "السمان والخريف"، و"بين القصرين" للأديب العالمي نجيب محفوظ، أو غيرها من الأدوار التي كللت فيها لنجاح قصص الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس ومنها حتى لا تطفئ الشمس، النظارة السوداء، وأبي فوق الشجرة.

•"المومياء" نقلة في مسيرتها:

لكن "المومياء"هو مرحلة أضافت لرصيد النجمة الكبيرة بصحبة المخرج الراحل شادي عبد السلام، فرغم الملامح الأوروبية التي تحملها النجمة إلا أن قسمات وتعبير وجهها بنظراتها الثاقبة منحتها روح شخصية الجنوب التي دارت بها أحداث الفيلم، لذلك فإننا لا نصدم عند رؤيتها مثلاً في رقصتها الشهيرة بفيلم "بين القصرين" على أنغام أغنية "طب وأنا مالي" للراحلة بديعة ماصابني، نظرًا لقدرتها على التنوع والاحترافية في لحم شخصيتها مع ما تقدمه على الشاشة، وكذلك دور الراقصة في فيلم "أبي فوق الشجرة".



•مسيرتها الفنية

بجمال خاطف وعيون آسرة.. استطاعت الفنانة الراحلة نادية لطفي، أن تحجز لنفسها مقعدا وسط جميلات السينما المصرية، ورغم ذلك نادرا ما تجدها اعتمدت على جمالها الخلاب في أدوارها الفنية، بل تعد الفنانة الراحلة من أهم الفنانات التي استخدمت السينما للنضال الوطني ومناقشة قضايا المجتمع العربي.

ابتعدت نادية لطفي، في مسيرتها الفنية عن الأفلام الخفيفة «اللايت»، بل اعتمدت مدرسة السينما الواقعية في أفلامها، واهتمت بشكل كبير بقضايا المرأة والتي كانت تقوم بشكل أساسي وقتئذ على المطالبة بالمساواة مع الرجل في ميادين العمل، ولذا قدمت فيلم «للرجال فقط»، مع سعاد حسني، وكان للفيلم مردود كبير على خلق فرصة عمل للمرأة في المجتمع تتساوى مع الرجل.

لعبت نادية، خلال مسيرتها الفنية العديد من الأدوار التي تحث على الانخراط في المجتمع بشكل نافع وإيجابي مثل فيلمها الشهير «النظارة السوداء»، عن رواية الأديب إحسان عبد القدوس، وإخراج حسام الدين مصطفى، وشاركها البطولة أحمد مظهر، وناقشت فيه الطبقة الارستقراطية التي تعيش بمعزل عن قضايا ومشاكل مجتمعها، وهناك أيضا فيلم «عدو المرأة»، مع الفنان رشدي أباظة، لمناقشة دور المرأة في المجتمع؛ حيث إن دورها التربوي هو من يخرج للمجتمع نماذج مشرفة.

وقدمت نادية لطفي، قرابة الـ80 فيلما، وتميز معظمهم أنهم مأخوذون عن روايات أدبية، حيث فضلها الأدباء لتجسيد بطلة روايتهم، وتحمسها لقبول هذه الأدوار وذلك لإيمانها أن الروايات الأدبية عادة ما تعبر عن واقع المجتمع مثل «لا تطفئ الشمس»، 1961، لإحسان عبد القدوس، والمخرج صلاح أبو سيف، و«النظارة السوداء»، 1963 لإحسان عبد القدوس، والمخرج حسام الدين مصطفى، «المستحيل»، 1965 للدكتور مصطفى محمود، وإخراج حسين كمال، «قصر الشوق»، 1966، للأديب العالمي نجيب محفوظ، وإخراج حسين الإمام، و«السمان والخريف»، 1967 لنجيب محفوظ، وإخراج حسام الدين مصطفى، «5 ساعات»، ليوسف إدريس، وإخراج حسن رضا، و«أبى فوق الشجرة»، 1969، لإحسان عبد القدوس، وإخراج حسين كمال، و«الأخوة الأعداء»، 1974، للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، وإخراج حسام الدين مصطفى.

وعلى الرغم من ملامحها البريئة ووجهها الملائكي فإنها نجحت في الخروج من بين قضبان هذه الملامح لتقدم مجموعة من الأدوار وهو ما بات واضحا من خلال شخصية "الراقصة فردوس" في فيلم أبي فوق الشجرة أمام العندليب الراحل عبد الحليم حافظ.

كما أن شخصيتها "زوبة العالمة في فيلم "قصر الشوق" أمام الفنان الراحل يحيى شاهين، قد أكد بما لا يدع مجالًا للشك قدرة الفنانة نادية لطفي على التكيف والتوحد مع أي شخصية يمكن أن تؤديها أيا كانت.

كانت تعتبر أن أحمد مظهر أستاذها فقدما معا مجموعة من الأفلام التي تعد من علامات السينما المصرية، من بينها، "الناصر صلاح الدين، النظارة السوداء، على ورق سيلوفان، أيام الحب، حبيبة غيري، المستحيل، عمالقة البحر".

وقفت نادية لطفي أمام كبار النجوم "عبد الحليم حافظ، يحيى شاهين، رشدي أباظة، محرم فؤاد، عماد حمدي، صلاح منصور، محمود مرسي"، واستطاعت خلال مشوارها الفني أن تقدم أدوارا متميزة قد لا تتفق مع طبيعتها إلا أنها استطاعت أن تقنع مشاهديها وجمهورها بكل شخصية قامت بتقمصها.

كان لنادية لطفي رصيد كبير حيث صنف النقاد ستة أفلام من أفلامها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وهي:" المومياء، الناصر صلاح الدين، المستحيل، أبي فوق الشجرة، الخطايا، السمان والخريف".

 •دورها الوطني والقومي:

تعد الفنانة الراحلة من أهم الفنانات التي استخدمت السينما للنضال الوطني ومناقشة قضايا المجتمع العربي.

فبعيدا عن السينما، كان للفنانة نادية لطفى، دورا وطنيا مصريا وعربيا، وجسدت أفضل مثال للمشاركة المجتمعية للفنان؛ حيث اتخذت من مستشفى قصر العيني، أثناء حرب 1973 سكنا لها لمداواة جرحى الحرب.

وعلى المستوى العربي وفي قضية القومية العربية، كان لها دور هام، فهي الفنانة الوحيدة التي ذهبت لتمكث وتصمد في بيروت أثناء حصارها عام 1982 من قبل العدو الصهيوني، وقامت بتسجيل ما حدث من مجازر في صبرا وشاتيلا بكاميراتها الخاصة، ونقلته لمحطات تليفزيون عالمية...

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

4 شباط 2020 20:24