كتب عبد السلام موسى (*):
يحتار حلفاء سعد الحريري قبل خصومه في سبر أغوار عقله وقراءة أفكاره.
صحيحٌ أنه يحلو للحريري أن يختصر عناوين مراحله بالسنوات بتقديم نسخة سياسية منقحة من سنة إلى سنة (الحريري 2010 - الحريري 2016 - الحريري 2018) ... أما الحريري 2020 فهي قصة أخرى.
وعلى الرغم من أن 2020 ليست سنة "سعد" لا على الحريري ولا على البلد، لكنها تختزل تجارب كل السنوات العجاف التي استوقفت الحريري منذ 17 تشرين الأول، ونبهته إلى أن ما يجري في هذا اليوم لا يشبه أيّاً من الأيام. الناس نزلت إلى الشارع، وقالت كلمتها، واستمع إليها جيداً، وقال كلمته أيضاً ... فلتكن استقالة.
لكن استقالة الحريري من الحكومة المشكو منها، لإيمانه بأنه ليس "المستهدف الأول"، كانت بمثابة "مشروع حل"، لو استفادت سلطة هذا العهد من دروسها، واستجابت لصوت الناس بدلاً من الانفصال عن الواقع والإمعان في الإنكار وتحدي إرادة الشعب. وأكثر من ذلك، تلقفت "الرؤوس الحامية" في هذا العهد خطوة الاستقالة لتصفي حساباتها مع الحريري الذي كان يشكل "عائقاً" أمام تماديهم في "عقلية الالغاء" و"الشبق إلى السلطة".
وعلى طريقة "من بعدي الطوفان"، ذهبوا إلى حكومة "يُسيبون" وزراءها ولا يعترفون بأبوتهم لها، ليأتوا بتشكيلة جعلت الناس "تترحم" على الحكومة السابقة، وتواصل "رجم" العهد.
لعل قلةً تنبهت هنا، أن سعد الحريري تاريخياً، ومنذ 15 عاماً، وتحديداً منذ أن كبل نفسه وطنياً بسياسات "مد اليد" و"ربط النزاع" و"التسوية الرئاسية"، دفع أثماناً باهظة على المستوى السياسي والشعبي والمالي، ولم يُعامل بالمثل، ومع هذا كله لم يرضَ إلا أن يكون شريكاً مع كل مكونات الوطن، رغم أنه قُوبل بأن "بعض الشركاء" لم يكونوا على قدر كلمتهم، ووقعوا ... حيث وقّعوا ولم يوقّعوا!.
مشكلة بعض السياسيين أنهم فسروا الخطوات الأخيرة للحريري بحسب أحلامهم وأهوائهم وتمنياتهم، وليس بحسب تاريخه وثقافة رفيق الحريري واستفادته من "دروس" الماضي القريب والبعيد، وإدراكه لما يُضمرون ويُظهرون.
لم يتأخر سعد الحريري في الجواب الذي أتى مدوياً في 14 شباط. مضبطة اتهام موثقة، وجردة حساب موغلة في الارقام والوقائع، كشفت كل المستور. رئيسان في قصرٍ، وقصرٌ قاصرٌ عن الالتزام بوعوده الوطنية، ووزيرٌ فقد "ظله الرئاسي"، و"كاشٌ" يبني الأحزاب لا الأوطان .. لعلهم يعتبرون.
الحريري 2020 لن يكون متفرجاً، كما يتوهم البعض، لكونه خرج بإرادته من الحكم، إنما سيكون لاعباً أساسياً متحرراً من كل الأحمال والأعباء غير المجدية. ارتضى لنفسه أن يستمر في خدمة الوطن وناسه، في أي موقع كان، رافضاً أن يكون "رئيس حكومة ظل" على طريقة "رئيس الظل"، وربما وجدها فرصة لتكريس قاعدة أن الرجال تصنع المناصب، لا المناصب تصنع الرجال، وأن الزعامة الحقيقية ... جبلٌ لا يهزه ريح.
(*) منسق عام الاعلام في "تيار المستقبل"
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.