زياد سامي عيتاني*
نخصص الجزء الثاني من سلسلة ("آخ يابلدنا"... قالها "شوشو" ورحل!!!) بمناسبة الذكرى ال ٨١ لميلاد الفنان العبقري والمغامر والجريئ الراحل حسن علاء الدين "شوشو" للإضاءة على شخصيته الفنية الفذَّة وأعماله المسرحية التي أسست للمسرح اليومي والفرقة الثابتة، الذي جعله فخوراً ومعتزاً بتواضعه المعهود، بما قدمه من أعمال خالدة دونها بعريق جبينه على خشبات مسرحه الوطني، بالرغم من أن هذا الشعور بالفخر كان ممزوجاً بالمرارة والقلق من جراء الديون وفوائدها الباهظة المتراكمة عليه بفعل إنشائه للمسرح دون أن يملك أي رصيد...
•شخصيته:
تميزت شخصية "شوشو" بطابع خاص إستقاه من وحي شخصية "شارلي شابلن"، لكن حسن علاء الدين طوّر شخصية "شوشو" بشكل أنسى معها المشاهدين لعشر سنوات (1965 -1975) أن "شوشو" مستوحى من الكوميدي العالمي. هو أيضاً أحبّ "لوريل وهاردي" وتأثّر بالكوميديا العربية وأعجب "ببشارة واكيم"، و"إسماعيل ياسين".
إن صوته وصفاته الجسدية (نحيل وضئيل الجسد وشعره كث طويل مجعد وشارباه كثيفان بشكل طبيعي ومن دون إضافات، وصوته رفيع مميز، ولكنته يأكل معها العديد من الأحرف وينطقها بطريقة مضحكة وطفولية وعفوية)، كلها تضافرت مع النصوص الجدية جداً، لتخرج من هذه الخلطة شخصية لم تضاهها في التأثير والشهرة أي شخصية أخرى.
في التمثيل، ساعده جسم مرن طيّع يمكنه أن يؤدي الكوميديا الحركية والإيمائية، وصوت يعرف كيف يتلاعب به. وتقنية رفيعة في الأداء الكوميدي مقرونة بميزان يقيس ضحك الجمهور ولا يخطيء. لا يجعل الضحكة تطول فيبرد الجو ولا يقتلها في مهدها فيكبح إندماج الجمهور. وكان اسمه كفيلاً بجذب الجمهور لمدة شهرين في قاعة تتسع لنحو 500 مقعد. بعدها يطول عرض المسرحية بحسب نوعيتها.
•المسرح على حساب التلتفزيون والسينما:
لم يصب "شوشو" النجاح الكبير في أدواره السينمائية والتلفزيونية كمثل التألق الذي سطع به على خشبة المسرح لأن تجربته أثبتت أنه إبن شرعي للمسرح. والمسرح المكتظ بالجمهور. أمام الكاميرا في السينما أو التلفزيون حيث لا جمهور، كان شوشو يؤدي أدواره جيداً، لكنه لم يبلغ الذروة لأن الجمهور، عنصر التفاعل الذي يشحن موهبته بالطاقة، غائب. وكان المسلسل التلفزيوني "المشوار الطويل" إستثناء، وتفسيره أن دوره فيه أقرب إلى المأساة منه إلى الملهاة. وفي مثل هذا اللون لم يكن بحاجة إلى أنفاس الجمهور.
•عاشق المسرح:
عاشق المسرح هو، يحضر إلى الخشبة قبل ساعتين من العرض، ينير غرفه و قاعاته بالكهرباء، يجلس بين الكواليس يدخن، يفتل شاربيه، و ينام أحياناً بين الكواليس، إذ كان يضع أريكة صغيرة لينام عليها.. كأنما تراب الخشبة يمدّه بالأوكسجين. يعمل ماكياجه بنفسه، يطمئن إلى أن كل شيء على ما يرام، ثم ينطلق إلى الخشبة، وحين يسمع ضحكات الجمهور وتصفيقه ينسى همومه النفسية وآلامه البدنية.
•المسرح الشعبي الراقي:
تطور أداؤه من مسرحية إلى أخرى حتى إستطاع مسرحه أن يطور نوع الكوميديا التي يقدمها. وأصبح مسرحاً شعبياً لا من حيث إقبال الجماهير فحسب، بل كونه أصبح منبراً شعبياً. وبلغت عروضه الذروة مع مسرحية "آخ يا بلدنا" التي كتبها فارس يواكيم وأخرجها روجيه عساف، والتي تخللها الأغنية-الصرخة "شحادين يا بادنا" كلمات ميشال طعمة وألحان إلياس الرحباني.
في التمثيل، ساعده جسم مرن طيّع يمكنه أن يؤدي الكوميديا الحركية والإيمائية، وصوت يعرف كيف يتلاعب به. وتقنية رفيعة في الأداء الكوميدي مقرونة بميزان يقيس ضحك الجمهور ولا يخطيء. لا يجعل الضحكة تطول فيبرد الجو ولا يقتلها في مهدها فيكبح اندماج الجمهور. وكان اسمه كفيلاً بجذب الجمهور لمدة شهرين في قاعة تتسع لنحو 500 مقعد. بعدها يطول عرض المسرحية بحسب نوعيتها.
•النكتة السياسية الساخرة:
إشتهر بأنه يضّمن مسرحياته “لطشات سياسية” تتضمن نقداً لحالة راهنة. وكان الجمهور يطرب لهذه النكات ولم يكن السياسيون (موضوع الإنتقاد) ينزعجون، لأن النقد مغلف بالسخرية.
وذات يوم إنطلقت شائعة مفادها أن "شوشو" ألقى نكتة (بدي صباط فرعته فرنجية شريطه كامل يصائب ع إجري)، وهي ليست بنكتة بل شتيمة. والقصة مفبركة من أساسها. لكن الشائعة إنتشرت كالنار في الهشيم ورافقها أنه اعتقل بسببها. إلى حدّ أن صديقاً إتصل به في مكتبه وسأله “صحيح إنت معتقل؟ فأجابه: "ما إنت عم تطلبني ع مكتبي".
ملأ "شوشو" الأجواء ضحكاً وإنتقاداً للسيئ السائد في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، وهو يقض مضاجع الفاسدين من سياسيين وغير سياسيين في البلد، وأصبحت إنتقاداته نكاتاً تتردد على الألسنة وفي الشوارع والصالونات وكل مكان.
لم يترك "شوشو" زاوية إلا نبشها، وقدمها نكتة سريعة وظريفة للمواطن الذي تفاعل معها، وأصبح شديد الحساسية لها، يشتمُ نكهها من بعيد، ويضحك لها قبل الانتهاء.
•أعماله:
وفيما يلي باقة الأعمال المسرحية والتلفزيونية والإذاعية والسينمائية التي قام ببطولتها الراحل حسن علاء الدين في شخصية "شوشو":
-المسرح:
“شوشو بك في صوفر”، “مريض الوهم”، “شوشو عريس”، “الدكتور شوشو”، “شوشو”، “شوشو والقطة”، “حيط الجيران”، “شوشو والعصافير”، “الحق ع الطليان”، “صبر تحت الصفر”، “البخيل”، “محطة اللطافة”، “اللعب على الحبلين”، “كفيار وعدس”، “فرقت نمرة”، “جوه وبره”، “فوق وتحت”، “وراء البرفان”، “وصلت للتسعة وتسعين”، “حبل الكذب طويل”، “طربوش بالقاووش”، “آخ يا بلدنا”، “خيمة كركوز” و”الدنيا دولاب”.
-السينما:
“شوشو والمليون”، “يا سلام ع الحب”، “مغامرات السعادة”، “سلام بعد الموت”، “زمان يا حب”، “سيدتي الجميلة” و”فندق السعادة”.
-التلفزيون:
“حلقات فكاهية”، “المشوار الطويل”، “يا مدير” و”شارع العز”.
-الإذاعة:
“اسكتشات فكاهية”، “شوشو بوند” و”خلي بالك من شوشو”.
•وفاته:
"شوشو" الإنسان، الكوميدي الكبير، الذي كان يضحك الجمهور في الساعة السابعة، و في الثامنة والنصف يكون حزيناً و مهموماً! شوشو الذي إعتبروا مسرحياته وأغانيه الساخرة ونكاته اللاذعة، أخطر على السلطات في حينها من فسادها وسوء أدائها... توفي "شوشو من شدة الإرهاق والضعف البدني، بعدما عمل في الليل والنهار لسداد ديون بعض المرابين التي تراكمت عليه بسبب مشروعه "مسرح شوشو" اليومي في وسط المدينة والذي إحترق مع بداية الحرب الأهلية، وكأن القدر شاء أن يحترق قلبه الكبير في جسده النحيل قبل أن يحترق عمره الذي تجسد في مسرحه...
فقد قدم شوشو آخر عروضه في الأردن العام 1975، وفي طريق عودته، تعرّض لأزمة قلبية فتلقى العلاج في عمّان ثم عاد إلى وطنه حيث لازمته الآلام إلى أن فارق الحياة في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، فمات العملاق المغامر الذي أسس أول وآخر مسرح يومي جدي وراقٍ في لبنان، فإحترق المسرح ودمرت وإنهارت المدينة، وإنقرضت الطبقة الوسطى!!!
-يتبع: إنشاء المسرح الوطني.
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.