خاص

عمر الزعني في ذكرى رحيله.. التاريخ الفني_ النقدي يُعيد نفسه! الجزء(٥): عهد الرئيس كميل شمعون

تم النشر في 6 آذار 2020 | 00:00

زياد سامي عيتاني*

السرقة أكبر صنعة،

أوعى لصبيعك أوعى،

عالنزلة وعا الطلعة،

العشرة بترجع سبعة،

ومطرح ما بتوقع وتطب،

شلا لوب...



عدم إكمال الرئيس بشارة الخوري ولايته المجددة، وبالتالي وصول مرشح المعارضة وحبهة النضال الوطني الرئيس كميل شمعون إلى سدة الرئاسي، لم يطمئن عمر الزعني إلى واقع حال البلاد، رغم أن عهده وصف بال"البحبوحة"، لكن تفشي المحسوبيات والواسطات والغلاء والإحتكار والسرقات والسمسرات والصفقات والرشاوى، جعلته يستكمل ما بدأه من قصائد ومونولوجات سياسية وإجتماعية ناقدة ولاذعة بوجه كل الطبقة السياسية، وبوتيرة أعلى من ذي قبل...

فلم يوفر لا رئيس ولا وزير ولا نائب ولا كاتب في الدولة إلا وإنتقد سلوكياته وتصرفاته وسوء إدارته، لدرجة أن الجميع كانوا يخشون ويرتعشون خوفاً من أن يطالهم "طول لسانه" الذي لم ينطق إلا بالحق، حيث كان بحق لايهادن ولا يجامل ولا يخشى لومة لائم ولا يهاب ولا يلين، بل كان فعلاً "فنان الشعب" وصوته المدوي وصرخته، ومعبراً عن غضبه وسخطه...

ولم يوفر الزعني حتى المسؤولين الذين كانوا يدعون "العفة" وينسبون إلى أنفسهم المظلومية للتهم التي كانت تطالهم بوصفها مجرد إشاعات تهدف إلى النيل من سمعتهم، فرد عليهم بقصيدة، قال فيها:

لا تقول إنك شريف،

قول إني خايف من الجرصة،

وإن كنك لسه نضيف،

أكيد ما صار إلك فرصة،

حتى تغش وتقلل دين،

حرمانك مش عن عفة،

ولا عن ذمة ولا عن وجدان،

لكن باللي بالقفك،

للسرقة ما هوي حردان،

ما في ألوف وملايين،

ساكن براس الجبل،

محبوس بين أربع حيطان،

شرف وإنزل للسهل،

وتعامل مع الشيطان،

وصلي لرب العالمين....

•كميل شمعون منو ممنون:



في الواقع عمر الزعني بدأ ينتقد الرئيس كميل شمعون قبل أن يكون رئيساً، ملمحاً أنه يتنقل من منصب لمنصب، وعينه على الرئاسة. ففي سنة ١٩٥٠ وحينما كان الزعني في "بيت خالته" (السجن كما كانوا يسمونه آنذاك) نظم فيه قصيدة جاء فيها:

كميل شمعون منو ممنون،

سائر صابر علي صابر،

ناطر يسد حقو المغبون،

كميل شمعون،

*

كان يروح سفير،

ويرجع وزير،

شو صار وشو تم،

ما كان يهتم،

في شي أهم،

وإيدي يا عم،

وصلت للتم،

لطشوها كم،

خسر الديون،

كميل شمعون...

•إلو بالقصر من مبارح العصر:

بعد مضي بضعة أشهر على الرئس شمعون زمام الرئاسة خصه عمر الزعني بقصيدة حمالة أوجه(!) بقيت ملتبسة، لكنها ذات دلالة واضحة لمن يعرف جيداً الزعني، جاء فيها:

إلو بالقصر من مبارح العصر،

ما حلو يدوق حلاوة النصر،

*

حولو وحولاه كل شي معسر،

ما في مسهل ما في ميسر،

ورتان مجلس نصو مزور،

ما كان يتنضف ولا يطهر،

وملك مهلهل وشعب مهبر،

دمه منشف وعضمو مكسر،

وكل ما ويته معصورة عصر،

*

ولعند اليوم بالو ما راق،

وطعم النوم لسا ما داق،

وكيف بتو يدوق وكل يوم خناق،

والنكرزات شي لا يطاق،

ولبنان صاير ملقى العشاق،

بروح العاشق وبيجي المشتاق،

وهوي حامل علم الوفاق،

بين الحجاز وبين العراق،

ساعة بالشام وساعة بمصر...

•السرقة أكبر صنعة:

لم يكتف الزعني بتوجيه الإنتقاد للرئيس شمعون شخصياً، بل طال نقده كل السرقة التي كانت تحصل داخل الدولة في عهده، متهماً بالحاشية أنها تقف خلفها، فقال:

ما عاد في بها الأيام شي كسدان،

حتى الشرف والضمير والوجدان،

على أونه ودويه وعلى تريه،

بس قول وحط إيداك عالجزدان،

كل صار ينباع بها الأيام،

متل السمك والفراخ والحمام،

*

إفتح تمك وقول بتي إشتري،

بالمريخ والقمر والمشتري،

السماسرة ببيعوك وين ما كان،

بس قول وحط أيدك عالجزدان...

**

كذلك تناول مدير عام رئاسة الجمهورية أيام الرئيس شمعون جورج حيمري، فقال:

هالحيمري،

هالحيمري،

حلس ملس،

ناعم طري،

لكن يهودي وخيبري،

هالحيمري...

**

وإنتقد أحد مستشاري الرئيس بقوله:

جاري المستشار،

ألطف منو جار،

في الدنيا ما صار،

من زود الخيرات،

فاتح بيتو بار،

جاري المستشار...

•ثورة ال ٥٨:

شهد عهد الرئيس شمعون ثورة ال٥٨، رفضاً لإلحاق لبنان بحلف بغداد من قبل القوى الوطنية التي كانت تتماهى مع سياسة الرئيس جمال عبد الناصر في ذروة المد القومي الذي شهدته أغلب الدول العربية، فحصل ما حصل من إنقسام (كالعادة) بين اللبنانيين، ترجم إلى صراع عسكري بين المعسكرين المحليين المتخاصمين على هوية وخيار لبنان من الصراع الإقليمي(!). وأخذ الصراع إلى حد كبير بعداً طائفاً، حيث إرتفعت أصوات القيادات الإسلامية مطالبة بالمناصفة والتوازن الوطني بين الطوائف اللبنانية.

فكان للزعني قصيدة ثورية في لقاء حاشد في منزل زعيم حزب النجادة عدنان الحكيم، أبرز ما جاء فيها:

نص بنص نص بنص،

أفضل حلِّة نص بنص،

هيك بترضى كل الناس،

وإللي بيحكي قلو هص.

*

يلي بيدفع ضرايب

من حقو إنو يحارب،

من حقو إنو يطالب،

بنصيبه من المناصب،

*

نحنا وإنتو بالميدان،

شركة وأصحاب وإخوان،

لازم نقسم بالميزان،

خيرات ونعم لبنان،

ما ناس تقطف زهرتها،

وناس بشوكتها بتغص،

*

كل طايفة تعمل حسابها،

هي أدرى بشبابها،

بالكفاءة وأصحابها،

هي تنتخب نوابها...

•لا غالب ولا مغلوب:

بعد أن هدأت الأحوال، وعاد اللبنانيون إلى التلاقي فيما بينهم، عقب أحداث ثورة ال ٥٨، وإنطلاقاً من حسه الوطني أنشد عمر الزعني قصيدة يدعو فيها إلى الوحدة والتعايش الأخوي، مع تأكيده أن لبنان لا يقوم إلا بجناحيه المسلم والمسيحي، حيث أنشد في حيينه:

لو كنا زعلنا منكم،

أو كنتم زعلتم منا،

ما إلنا غنى عنكم،

ولا إلكم غنى عنا،

والبرهان تصالحنا،

تباوسنا وتصاححنا،

تفاهمنا وتصاحفنا،

وصرنا أحسن ما كنا،

*

نحنا وأنتو يا نور العين،

متل الطير بجناحين،

لازم نحافظ عا لتنين،

حتى يعيش ويتهنى،

شبعنا عناد بيكفي،

لازم نيتنا نصفي،

ونار العداوة نطفي،

وبالمحبة نتغنى،

لا مغلوب ولا غالب...

*

رغم مضي عقود من الزمن على الحكم والعبر التي يمكن إستنباطها من أعمال عمر الزعني الشعرية أو المونولوجية، الذي كان سابقاً لزمانه، والتي لا تزال مفاعيلها ومندرجاتها ومفاعيلها تسري حتى يومنا هذا، فإن ما يؤسف له أن لا احب يعتبر، إذا ما إستثنينا ردود الفعل الإنفعالية المحدودة الفعالية والمدة، والتي يصح فيها قول الزعني نفسه:

كلام الناس ثلاث أيام،

أول يوم يا لطيف!

تاني يوم شي خفيف..

ثالث يوم على نضيف..

سكتوا الناس والسلام!!!

-يتبع: الوزراء والنواب.

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.