أخبار لبنان

"عطر" الزهر يتسلل إلى أنوف الصيداويين رغماً عن انف الكورونا!

تم النشر في 30 آذار 2020 | 00:00


هو ربيع صيدا يطل هذا العام استثنائياً محاصراً بحجر " الكورونا" لكل اشكال الحياة في المدينة ، وينشغل الناس عنه بتدبر شؤون معاشهم ومستلزمات حماية عائلاتهم من هذا الوباء المتربص بهم ، يراقبون تفتح الزهور ومهرجان الطبيعة من حولهم من وراء نوافذ بيوتهم او سياراتهم خلال تنقلاتهم المحدودة ..

وحدها ، نفحات روائح عطرة تعبق بها بعض احياء صيدا وما تبقى من بساتينها هذه الأيام تتسلل بخفر من ورش تقطير ماء الزهر التي تنشط هذه الأيام من كل عام تزامناً مع موسم قطاف زهر الليمون و"البوصفير" ، مخترقة حظر التجول والتعبئة العامة ومعطرةً الطبيعة وبعض الأمكنة في بشذاها الزكي الذي يكسر بعض الشيء من حدة روائح ما يضخ فيها من مواد تعقيم ومبيدات في اطار التدابير الوقائية المتخذة في مواجهة فيروس كورونا.

امام منزلها في محلة بستان البحر في منطقة الأولي - شمالي صيدا، تنهمك الحاجة سعدية الحريري في ورشتها الموسمية التي لا تخلف موعدها معها منذ عقود ، تقطير ماء الزهر وتعبئته وتوضيبه تمهيداً لبيعه . بعد ايام على بدء موسم قطافه الذي وافق اعتدال الطقس حساب حقله حتى أينع ، وكي لا يضيع حساب البيدر ان هو بقي على الشجر وذبل على أمه او تساقط مع اول هبوب خماسيني الرياح .

لم يمنع زمن "الكورونا" الحاجة " أم محمد " من استلحاق موسم زهر الليمون الذي تشتهر به صيدا وتعبق برائحته الزكية ذاكرة الكبار من ابنائها ، فأضرمت نيران مواقدها تحت" كركة النحاس " وهي الطريقة التقليدية المتوارثة عبر أجيال من المزارعين وبساتنية الزهر في صيدا لتقطيره ماءً.

يساعدها الأبناء والاحفاد في مواكبة مراحل عملية تقطير الزهر من ألفها الى يائها ، بدءاً بقطافه وجمعه مرورا بتنقيته وباستخراج خلاصة الزهر وغليه في «الكركة» التي يخرج منها انبوب يخترق برميلاً مملوءاً بالماء ليبرد بخار الزهر اثناء مروره بداخله ويتحول الى ماء زهر يُسكب في عبوات زجاجية (ألفيات). هنا يتعلم الصغار من خبرة الكبار في حرفة باتت جزءاً من تراث المدينة ، ولا زالت وان بنطاق محدود مصدر عيش لعائلات تحافظ عليها .

لم يتأثر موسم زهر الليمون كزراعة – تقول الحاجة ام محمد – بفيروس الكورونا لأنه لا ينتقل بالهواء ولأن الزهر يغلى على درجة حرارة عالية، لكن ما يقلقها كما يقلق كثيرا من المزارعين هو عدم قدرتهم على تصريف الإنتاج لان لا أحد يشتري بسبب الأوضاع .وتقول" الطقس اتى ملائما لموسم الزهر لكن لا تصريف للانتاج .. في السنوات الماضية كنا نبيع القنينة بـ10 الاف و11 الفاً ، بينما اليوم ورغم ان الموسم جيد ، نبيعها بخمسة آلاف وخمسماية ليرة ولا من يشتري و" ما حدا عم يضهر من بيتو "

وتضيف " كل 7 كيلو غرامات تقطر ألفية واحدة اذا كنا نريد ان يكون ماء الزهر حاداً ، وبالحالات المتوسطة كل 5 كيلو غرامات تعطي ألفية . وخلال الموسم الذي يستمر ما بين 20 يوما وخمسة اسابيع ، ننتج عادة حوالي 500 ألفية من ماء زهر ( ما يوازي 3500 كلغ من الزهر )".

رغم ان تزامن بدء فصل الربيع مع زمن "الكورونا " يحرم محبي الطبيعة من الخروج اليها والإرتماء في احضانها والتمتع بجمال مناظرها وتنشق هوائها النظيف ، الا انه لم يحرمهم من عطر زهرها تحمله اليهم ورش تقطير الزهر ماءً لتكون علامة فارقة تنعش في نفوسهم الأمل بانقشاع غيوم الكورونا بالمزيد من الوقاية منه ، ليستحقوا السلامة والربيع معاً !.

المصدر : رأفت نعيم