البروفسور غسان سكاف - الجامعة الاميركية في بيروت
يجمع العلماء والباحثون أن فيروس كورونا يتراجع فقط وبوسيلة واحدة وهي قوة جهود الإحتواء بالفحوصات وعزل النتائج الإيجابية وربما بالأجواء المناخية الأكثر دفئاً.
لقد فرض الفيروس نفسه على أولويات العالم وأصبح حقيقة واقعية تصدرت كل أولويات العالم، ولن تنسى البشرية هذا الوباء المفجع وستبقى الدروس المستفيدة منه ومن مواجهته طويلاً في تاريخ البشرية. ونرى اليوم أن معدل إنتقال الفيروس هو أعلى بكثير مما كان معتقداً في البداية وأن عدداً من الأشخاص أكبر بكثير مما كان متوقعاً قد أصيب بالعدوى وهذا من الاخبار السيئة في غمرة جهود الاحتواء .
لقد كشفت هذه الأزمة المأساوية العالمية أن الأفراد عاجزون كلياً عن مواجهة فيروس كورونا وأن المواجهة تتطلب تدخل الدولة بقوة وفاعلية.
طبياً، نعلم جيداً أن الحليف الأول لخبث الكورونا هو ضعف المناعة، ولما أتت الكورونا الى لبنان وجدت بلداً فاقداً للمناعة كلياً، بلداً مفلساً وبلداً فقد كل أصدقائه في العالم.
في مراجعة للأرقام المعلنة حديثاً عن عدد المصابين في كل من اليونان وإسبانيا نرى أن اليونان تجنبت مصير العديد من البلاد السياحية المجاورة لها بفضل جهود حكومتها التي استجابت فوراً لرغبات عالم الأوبئة سوتريس تسودراس . فأغلقت كافة المرافق التي يحدث فيها تجمع بشري في خطة مدروسة لدرء خطر لم يكن أشد المتشائمين يتوقع الوصول اليه. وعلى عكس ما جرى في اسبانيا فقد ألغيت المظاهرات بمناسبة يوم المرأة في ٨ آذار، وفي غضون أيام تم إغلاق القاعات الرياضية وقاعات الرقص والمسارح ودور السينما كما تم إلغاء العرض في يوم الإستقلال. إن الحس المجتمعي العالي وصدور قرارات حكومية صارمة جنب اليونان السيناريو الإيطالي والأسباني.
أما في لبنان، فالوضع لا يدعو الى الإطمئنان، ولبنان قد يتحول قنبلة موقوتة بالمصابين والموتى بسبب الخروق المستمرة في كل المناطق اللبنانية للحجر الصحي وعدم تجاوب المواطنين مع حالة التعبئة العامة، وكذلك بسبب العدد الضئيل لفحص الكورونا الذي يجري يومياً فيما السيطرة على الوباء تتطلب زيادة كبيرة في عدد الفحوصات ومتابعة المصابين ومنع الإختلاط. فيبدو أننا متجهون للأسف لسيناريو شبيه باسبانيا إذا لم يتم عزل المناطق وإجراء فحص مكثف للفيروس، وعزل المسنين وأصحاب النتائج الإيجابية من كل الأعمار.
في استقراء لأرقام الإصابات في كل من اليونان واسبانيا لما يمكن أن يحصل في لبنان في الشهرين المقبلين وفي عملية حسابية دقيقة وبسيطة نجد أننا:
- لو اعتمدنا النموذج اليوناني لكان عدد الإصابات الإجمالي سيكون ٧٧٥ حالة، والحالات التي تحتاج الى عناية فائقة حوالي ٤٥ حالة والوفيات ٢٥.
- أما إذا اعتمدنا النموذج الأسباني فسيكون عدد الإصابات الإجمالي ١٢٥٠٠ حالة، وحالات العناية الفائقة ٧٥٠ حالة والوفيات أكثر من ١٠٠٠.
ما نحتاجه اليوم هو إجراء ما لا يقل عن ٥ آلاف فحص للكورونا لكل مليون لبناني أي ٢٥٠٠٠ فحص بتكلفة قدرها مليونين ونصف دولار على الأكثر .
بينما إذا اتجهنا للنموذج الأسباني فإن تكاليف العناية الفائقة والإقامة في المستشفى ستزيد عن ٥٠ مليون دولار في الشهرين المقبلين.
كورونا، هذا الوباء الذي استطاع أن يفرمل كل أحلام الكون وحجر مليارات البشر، ستمر عاصفته لا محالة وسيظل معظمنا على قيد الحياة بمجرد الالتزام بعزل المصابين والمسنين حتى يجد العلم دواءً أو لقاحاً.
جاء على لسان الإمام علي:
" يأتي على الناس زمان أحسنهم حالاً من كان جالساً في بيته"
المصدر: صوت لبنان