عرب وعالم

كم تُنفِق إيران على مؤسساتها الدعائية؟

تم النشر في 18 نيسان 2020 | 00:00

على الرغم من مخاطر مرتفعة لجائحة كورونا في إيران، يستمر النظام الإيراني، في مظاهر ‏متناقضة مع هذه الحالة، من بينها سعيه بشكل ملحوظ، إلى الادعاء بأنه يستحق أن تخفف ‏العقوبات الأميركية عليه فوراً حتى يتمكن من محاربة فيروس كورونا بشكل أكثر فعالية‎.‎

وقد نشر موقع "راديو فردا" الناطق بالفارسية تقريراً عن حجم الإنفاق الرسمي الإيراني على ‏المؤسسات الإعلامية التي تستخدم للتضليل الإعلامي، وتظهر أن الميزانيات المرصودة للدعاية ‏الإيرانية خارجياً بدأت في التزايد حتى في ظل تفشي الوباء‎.‎

وقد نبّه وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى هذا التناقض في أواخر مارس، من خلال ‏نشر لقطات للرئيس حسن روحاني، وهو يخبر كبار المسؤولين في القطاع الصحي أن وزارة ‏الشؤون الخارجية في طهران أطلقت "جهودًا متضافرة للتأثير على الرأي العام للقول لا ‏للعقوبات" بهدف "إعادة أموالنا المصادرة في بلدان أخرى‎".‎

ولاحظت وزارة الخارجية الأميركية، أن كل ما يريده النظام الإيراني المال فقط، فقد رفض ‏عروض المساعدة الطبية ليس فقط من الولايات المتحدة، ولكن من الجمعيات الخيرية مثل "أطباء ‏بلا حدود‎".‎

وتشير هذه الحقائق إلى الدور الذي لا غنى عنه الذي تلعبه الدعاية في استراتيجية النظام ‏الإيراني، لإفشال حملة الضغط القصوى لإدارة ترمب‎.‎

وفي العقود الأربعة ومنذ نشأته، استثمر النظام بشكل كبير في بناء آلة إعلامية دعائية في الداخل ‏والخارج، وفي الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، التي هي هدف الرسائل التي تبثها ‏مؤسسات إعلامية حكومية متعددة ومؤسسات "غير حكومية" يسيطر عليها النظام‎.‎

ويرى مراقبون أنه ينبغي على صانعي السياسة والمحللين في الولايات المتحدة الانتباه جيدًا إلى ‏محاولات النظام تشكيل الرأي العام الأوروبي والأميركي، تحت غطاء لاستفادة من الأزمات‎.‎


وتركز المؤسسات التي تدير عمليات نفوذ طهران كل منها على مهمة محددة، وهناك تداخل بين ‏ما تقوم به، بحسب تقارير متخصصة، أكدت أن أهم هذه المنظمات وزارة الخارجية، وقنوات ‏وإذاعات إيران‎ (IRIB) ‎، وأذرع المعلومات التابعة لفيلق الحرس الثوري، ومجموعة من ‏المنظمات الدينية التابعة لها بما في ذلك منظمة التنمية الإسلامية، وجامعة المصطفى الدولية ‏ومكتب الدعاية الإسلامية بكلية قم‎.‎

وتعد وزارة الخارجية، وتحديداً قسم "الدبلوماسية العامة" أحد ركائز جهود طهران للتأثير على ‏الرأي العام الأميركي، ولقد تعمل هذه الآليات على بناء صورة مضللة عن وزير الخارجية محمد ‏جواد ظريف، بأنه دبلوماسي عاقل عبر التظاهر بأنه مسؤول مختلف عن أيديولوجية المتطرفين ‏الدينيين الذين يشكلون ركائز النظام الإيراني‎.‎

وأمضى ظريف الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، عقودًا في إقامة علاقات شخصية مع ‏الصحافيين الأميركيين وصانعي السياسات ومديري الأعمال من أجل التأثير على الرأي العام ‏الأميركي وسياسات واشنطن، ويلعب يلعب قسم الدبلوماسية العامة، برئاسة المتحدث باسم ‏الوزارة سيد عباس موسوي، دوراً مهماً في حملات التضليل مع قسم المغتربين الإيرانيين بقيادة ‏حسين جابري أنصاري، عبر السعي إلى التأثير على ملايين المغتربين الإيرانيين، الذين يقيم ‏معظمهم في أوروبا وأميركا‎.‎

ويجتمع مسؤولو النظام بانتظام مع المغتربين الإيرانيين في جميع أنحاء العالم، في اجتماعات ‏موسعة ومختصرة، فيما أسس بعضهم، منظمات للترويج لتخفيف العقوبات واتباع نهج أكثر ‏مصالحة تجاه إيران‎.‎

وهذه الأهداف المشتركة ليست أسبابًا لاستنتاج أن هذه المنظمات تنسق إجراءاتها مع طهران، ‏ولكن من الواضح أن النظام يولي قيمة كبيرة لجهودهم‎.‎

وتخصص ميزانية عام 2020-2021 مبلغ 105 ملايين دولار لعمليات التأثير التي تستهدف ‏الشتات الإيراني من المغتربين، وهو مبلغ يساوي ثلاثة أضعاف تمويل العام السابق. وتشير هذه ‏الزيادة الملحوظة وسط ضغوط مالية شديدة على النظام إلى قيمة هذه الجهود وتوسعها‎.‎

مع احتكارها للبث الإذاعي والتلفزيوني، تلعب إذاعة وتلفزيون الجمهورية الإيرانية‎ (IRIB) ‎دورًا ‏حاسمًا في الداخل والخارج، فإنها ولتشكيل الخطاب السياسي في الخارج تدير‎ IRIB ‎قنوات ‏تلفزيونية باللغة الإنجليزية أبرزها "برس تي في" والإسبانية "هيسباني تي في" وبلغات رئيسية ‏أخرى‎.‎

وقد ظهر قادة سياسيون مثل جيريمي كوربين من حزب العمال البريطاني، وبابلو إغليسياس من‎ ‎Podemos ‎الإسباني وكانوا مستشارين في المحطات الإيرانية في الخارج، كما تبدو أهمية ‏قنوات‎ IRIB ‎للنظام واضحة من ضخامة ميزانيتها. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية ‏الصعبة، ستتلقى الشبكة ما يقرب من مليار دولار هذا العام بزيادة كبيرة عن 488 مليون دولار ‏قبل عام‎.‎

كما تسمح الميزانية بتحويل 150 مليون يورو إضافية متاحة، ما يقرب من 165 مليون دولار، ‏من صندوق التنمية الوطني الإيراني إلى قنوات المحطات الرسمية، كما يظهر أن هذه الأموال لا ‏تشمل عائدات الإعلانات الكبيرة التي تحققها‎ IRIB ‎بفضل احتكارها للبث وهو مبلغ قد يكون ‏بمئات الملايين، يصب في ميزانيتها الرسمية، ويخصص حوالي 16% للبث الأجنبي‎.‎

وتركز المنظمات الدينية الثلاث التي لها دور مركزي في إظهار النفوذ الإيراني في الخارج، ‏فمنظمة التنمية الإسلامية، وجامعة المصطفى الدولية، ومكتب الدعاية الإسلامية في معهد قم، ‏كلها جهات تقوم بشكل رئيسي على تدريب رجال الدين من المتطرفين في جميع أنحاء العالم، ‏ونشر الدعاية الطائفية، وهو جهد متواصل ومركز في أميركا اللاتينية، حتى في الولايات المتحدة ‏نفسها، فإن هناك رجال دين متعاطفون مع إيران كما هو الحال مع منظمات المغتربين، لكن لا ‏توجد أدلة كافية للاستنتاج بأن هؤلاء ينسقون مع طهران‎.‎

وقامت جامعة المصطفى بتدريب 50,000 طالب من 122 دولة حتى الآن، وأحد المعلمين ‏والمستشارين في جامعة المصطفى هو محسن رباني، الذي عمل لعقود كضابط استخبارات ‏إيراني كبير في أميركا اللاتينية ومطلوب لدوره في الهجوم الإرهابي عام 1994 في بوينس ‏آيرس، والذي أودى بحياة 85 شخصًا‎.‎

وقد أنشأ تلميذ رباني وخريج المصطفى، إدغاردو روبن سهيل الأسد، أكثر من 20 مركزًا دينيًا ‏طائفياً في أميركا اللاتينية. وتنسق الجامعة والمنظمة الإيرانية للتنمية جهودهما عن كثب في ‏إرسال الدعاة إلى الخارج‎.‎




ووفقا للسعر الرسمي للدولار خصص نظام طهران لجامعة المصطفى 80 مليون دولار في ‏‏2020-2021؛ وستتلقى منظمة التنمية الإسلامية 153 مليون دولار، بينما سيحصل مكتب ‏الدعاية الإسلامية في معهد قم 36 مليون دولار - أي ما مجموعه 268 مليون دولار، بانخفاض ‏طفيف عن 292 مليون دولار في السنة المالية السابقة‎.‎

وقد عين المرشد الأعلى، علي خامنئي شخصياً، علي عباسي مديراً لجامعة المصطفى، ومحمد قمي ‏مديراً لمنظمة التنمية الإسلامية، كما يعين خامنئي أيضًا مجلس إدارة مكتب الدعاية الإسلامية، ‏الذي يعين بدوره المدير حاليًا أحمد فايزي‎.‎

ويمكن لخزانة الولايات المتحدة فرض عقوبات على هؤلاء الثلاثة بموجب شروط الأمر التنفيذي ‏الصادر في حزيران 2019 الذي يستهدف جميع الأفراد المعينين مباشرة من قبل المرشد الأعلى‎.‎

وهناك منظمتان آخريان تلعبان دورًا في ممارسة التأثير في الخارج وهما وكالة فارس نيوز التي ‏يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني، وأخبار تسنيم، وكلاهما تبرزان الشخصيات الغربية ‏المعادية لأميركا باللغة الإنجليزية‎.‎

وتنشر فارس وتسنيم باستمرار مقابلات مع خبراء ومحللين غربيين يرددون دعاية طهران، كما ‏تسافر الشخصيات الإعلامية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني مثل نادر طالب زاده حول العالم ‏وتدعو الضيوف إلى المؤتمرات في إيران لتوسيع شبكة نفوذ طهران وزملائها المسافرين‎.‎

وعينت طهران طالب زاده لتسهيل أصول التجنيد في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ‏في إشارة إلى الدرجة التي تعد بها وسائل الإعلام الإيرانية جزءًا من المؤسسة الأمنية‎.‎

ويرى مراقبون أن استعداد النظام الإيراني للإنفاق بهذا القدر المتشعب على الدعاية الخارجية ‏والداخلية، يتناقض مع التوسلات برفع العقوبات المفروضة أساسا للحد من إجرام النظام الإيراني ‏عبر التدخلات الإقليمية، ودعم الإرهاب‎.‎

وتبرز الدعوات إلى الكشف عن نشاط الحملات المضللة وأن تستخدم الإدارة الأميركية الأوامر ‏الرئاسية والتنفيذية ذات الصلة لفرض عقوبات على الكيانات والأفراد الذين يقومون بمثل هذا ‏العمل، فيما سيكون استهداف رؤساء المنظمات التابعة للنظام الإيراني خطوة أولى وسيرحب ‏عشرات الملايين من الإيرانيين بفضح ومساءلة منافذ الدعاية المتواطئة في قمعهم‎.‎


العربية.نت ‏