ما أن حطت طائرة سعد الحريري في بيروت ورغم دخوله الحجر المنزلي دون أن يصدر عنه أي تصريح سياسي، حتى فقدت السلطة صوابها خاصة مع تزامن وصوله مع تصريحات قوية كان قد أطلقها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، ضد حكومة حسان دياب على خلفية تخبطها في الملف المالي بعد ما تسرب عن خطتها التي ما لبثت أن سحبتها من التداول والإدعاء أنها مجرد إقتراحات قدمتها شركة لازارد الإستشارية ووصل الأمر بمصادرها حد التطير والحديث عن أن الحريري قادم لينفذ إنقلابا على السلطة عبر قيام جبهة معارضة تضمه إلى وليد جنبلاط وسمير جعجع على خلفية بعض التحركات للسفيرة الأميركية الجديدة وهي تحركات تقليدية يقوم بها كل سفير جديد، شملت بعد ذلك غالبية الأطراف السياسية للتعارف والتداول وتوجتها أمس بالإجتماع إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. من جهة أخرى إنضم بعض المنضوين تحت راية ثورة 17 تشرين المؤدلجين إلى هذا السيناريو ولو من مقاربة مختلفة للحديث عن ” إنقلاب ” يحضر له سعد الحريري على الثورة بالإتفاق مع أطراف السلطة الآخرين في الوقت الذي كان بعض معارضي الحريري من بيئته المذهبية والسياسية يروجون بأنه إنتهى إلى غير رجعة عبر مواصلة الهجوم عليه في منصاتهم الإعلامية التي يبدو أن الغرض من قيامها هو شعار ” قوم لأقعد محلك”.
في هذا الوقت كانت الأحوال المالية والإقتصادية والإجتماعية للمواطن اللبناني في تدهور مستمر عبر إنهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار يوميا وهذا يثبت مرة أخرى عبثية هذه السلطة السياسية السياسية بكل أطرافها وإستمرارها بسياسة الحرتقة السياسية بدل العمل الجدي والمسؤول لإخراج البلد مما يعانيه من صعوبات .
بات هم دياب الوحيد الهروب إلى ” الوراء ” عبر الحديث الدائم الترداد عن التركة الثقيلة لـ ” الحريرية السياسية”
فرئيس حكومة “مواجهة التحديات ” وفي مواجهة تحديات خلافات أطراف حكومته وعدم إنسجامهم وإتفاقهم على خطة موحدة لمواجهة التحديات، وشعوره بأنه يمثل الحلقة الأضعف فيها، بات همه الوحيد الهروب إلى ” الوراء ” عبر الحديث الدائم الترداد عن التركة الثقيلة لـ ” الحريرية السياسية ” وللبحث عن سند له يعطيه بعض من حيثية سياسية وذلك عبر زيارة قام بها للرئيس سليم الحص في رسالة سياسية أكدت شكوك المعارضة بأنه إنما يسعى لإستكمال ما بدأه الحص في العام 1998 مع بداية عهد إميل لحود من كيدية سياسية إنتقامية بدل العمل الجاد والدؤوب على إجتراح حلول للأزمة القائمة وهو ما يوحي ويؤكد بأنه مجرد واجهة لقوى سياسية أخرى، بعدها حاول القفز إلى صيدا بما تمثل من رمزية سياسية عبر طرق ملتوية في محاولة لتطويع المدينة وفشل كما تبين لاحقا من كلام الرئيس فؤاد السنيورة الذي خانه ربما ذكاءه السياسي هذه المرة أو وقع ضحية ” لنواياه الحسنة ” – هل هناك في السياسة من نوايا حسنة ؟” عندما سعى لإفتتاح المستشفى التركي .
في هذه الأثناء وفي ظل هذا التخبط الحكومي والتعاميم شبه اليومية الصادرة عن حاكم مصرف لبنان وفقدان الدولار من الأسواق والخلاف على لوائح العائلات الأكثر فقرا التي تبين أنها ملغومة أو لغمت قبل المباشرة بتوزيع المساعدات عليها ، جاءت الجلسة التشريعية التي عقدت في مبنى الأونيسكو والتي إنتهت بالصدام بين الرئاستين الثانية والثالثة والتي رافقها نزول الناس إلى الشوارع وإستئناف تحركات ثورة 17 تشرين ولو بشكل خجول رغم إجراءات التعبئة العامة بسبب كورونا، جاءت هذه الجلسة لتزيد الطين بلة ليزداد سوق الصرف فلتانا وإشتعالا ليصل الدولار إلى عتبة ال 4 آلاف ليرة بزيادة حوالي ال 600 ليرة دفعة واحدة في تطور مثير ومريب لتنطلق الحملة من أنصار حزب الله والتيار الوطني الحر ضد رياض سلامة حاكم مصرف لبنان مترافقة مع حملة تأييد لحكومة حسان دياب وله شخصيا بشكل فج وواضح وصل حد إطلاق أنشودة حماسية تشيد به وبـ ” إنجازاته ” في حركة كاريكاتورية أثارت السخرية على مواقع التواصل الإجتماعي إلا أنها يبدو أنها فعلت فعلها لدى حسان دياب وأمدته بـ ” شجاعة ” من شرب حليب السباع ليخرج علينا بالأمس بعد جلسة مجلس الوزراء بكلام كبير بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يصل حد إتهامه بالتآمر على العملة الوطنية وهو كلام يدين أول ما يدينه هو كرئيس حكومة بدا وكأنه كالزوج المخدوع آخر من يعلم بما يدور في كواليس الدولة كما أنه لم ينس تكرار الحديث عن ” إنقلاب ” متوعدا بأنه لن يبقى متفرجا على العاملين عليه وبأنه سيكون مصيرهم السجن.
كلام دياب ضد سلامة يدينه هو كرئيس حكومة بدا وكأنه كالزوج المخدوع آخر من يعلم بما يدور في كواليس الدولة
وكانت قد سرت تسريبات عشية الجلسة عن نية بإقالة الحاكم من منصبه وهو ما لم يحصل نظرا لصعوبة هذا الأمر تقنيا وسياسيا في الظروف الراهنة وهو ما يعطي مصداقية للكلام عن أن الحكومة ومَن وراءها من ” حزب حاكم ” بأمر الله إنما قام بهذه المسرحية إنطلاقا من مقولة أن خير وسيلة للدفاع عن الحكومة وتغطية عجزها وضعفها هي الهجوم على رياض سلامة ومحاولة تصويره بأنه المسؤول الوحيد عما آل إليه الوضع مستغلة غضب الناس وضيق حالها من الأوضاع لتنفيذ خطة سياسية وخلط الأوراق وزرع البلبلة في البلد على جري عادتها بإيصال الأمور إلى حافة الهاوية للضغط على الناس وبقية الأطراف السياسية التي لا تجاريها في مشاريعها التي ترسمها للبنان .
كلن يعني كلن شاركوا بالسلطة وهم بالتالي مسؤولون عما آلت إليه الأوضاع
نقول هذا الكلام ليس دفاعا عن رياض سلامة ولكن كي لا تضيع البوصلة عبر تحميله وحده وزر المسؤولية التي يتشارك الجميع بها سواء بالتخطيط أو الممارسة أو بالسكوت في أضعف الإيمان، وكي لا يضيع شعار كلن يعني كلن والذي يجب أن لا يكون شعارا كيديا أو إنتقاميا وإلا نكون نقوم بما نأخذه على حكومة دياب ، كلن يعني كلن شاركوا بالسلطة وهم بالتالي مسؤولون عما آلت إليه الأوضاع من هنا فإن الشعار يعني أن كلن يجب أن يخضعوا للمساءلة والمحاسبة الشفافة لمعرفة دور كل واحد ويحاسب حسب مسؤوليته وهذا لن يكون إلا بحكومة إنتقالية تضم إختصاصيين مستقلين حقيقيين وليسوا ظلالا أو بدل عن مخلوع بقوة الشارع والثورة، هذا هو الحل وخارطة الطريق لمن يريد فعلا إنقاذ البلد والناس وليس لعبة ” عسكر وحرامية ” التي تمارسها الحكومة اليوم وتتلهى بها بحيث تصبح القضية مواجهة تحديات وتداعيات عودة الحريري إلى لبنان بدلا من مواجهة التحديات الحقيقية التي تواجه لبنان وشعبه.
المصدر: جنوبية- ياسين شبلي