أخبار لبنان

"كورونا" لا يسكت طبلة "المسحراتي".. محمود فناس الإبن على خطى أبيه!

تم النشر في 26 نيسان 2020 | 00:00

لا يكاد يطل شهر رمضان المبارك من كل عام ، حتى يتراءى في لياليه ظل خفيف الحركة كثير التنقل خلال وقت محدد بين منتصف الليل وحتى ساعات الفجر الأولى ، ملازماً شوارع المدينة واحياءها السكنية الداخلية ، منادياً بعبارته الشهيرة " اصح يا نايم .. وحد الدايم .. رمضان كريم " .

هو المسحراتي الشخصية الرمضانية الأكثر ارتباطاً بتراث الشهر المبارك في عاصمة الجنوب صيدا، والأكثر رسوخاً بذاكرة الكبار فيه والأكثر "شعبية " لدى الأطفال .. هذه الشخصية التي تعيد كل سنة احياء "نوستالجيا" الزمن الرمضاني الجميل وتشكل طيف فرح "يطيّر" النوم من أعين الصغار توقاً للقائه ، تراها اليوم تنتقل من جيل الى جيل وتصمد بمن تبقى من مسحراتية ممن أخذوا هذه المهنة عن آبائهم او عن آخرين..

بعد مرافقته صغيراً لوالده المسحراتي محمد فناس الذي رحل في العام 2018 وكان حينها آخر من تبقى من الرعيل الأول من المسحراتية في لبنان ، قرر الإبن محمود فناس السير على خطى والده واقتفاء أثر خطواته حين كان يتجول في شوارع واحياء صيدا منبهاً الناس الى السحور .

ويقول محمود " كنت أخرج مع والدي في جولته الليلية اليومية خلال شهر رمضان وأرافقه وهو يوقظ الناس للسحور . وعندما كنت صغيراً كنت اجهز له ثيابه وأجلس معه وأرافقه الى "الزاوية الرفاعية" و" الزاوية القادرية"، واليوم اكمل مسيرته لأني شعرت انه ترك لي تراثاً كي احافظ عليه وعلى مهنة المسحراتي التي عشنا معها في البيت وخارجه ، وكي لا تنقرض هذه المهنة خاصة في ظل تزايد ظاهرة المسحراتية غير التقلديديين اي الذين يتنقلون بسياراتهم او على متن دراجاتهم ويبثون الأناشيد المسجلة عبر مكبرات الصوت ، بينما المسحر الحقيقي هو الذي يتنقل سيرا على قدميه ويستخدم حنجرته وطبلته واناشيده الدينية وادعيته التي يقوم بجمعها وتردادها بصوته ويخلق اجواء رمضانية روحية وتراثية يتفاعل معها الكبار والصغار ".

ويضيف محمود ، انها السنة الثالثة التي يخرج فيها كمسحر في رمضان وانه كلف من دار الافتاء التي حددت له الأحياء المحيطة بوسط المدينة للقيام بهذه المهمة فيها كل ليلة من ليالي شهر الصيام .

وعما تعلمه من والده " عميد المسحراتية " يقول " تعلمت منه الكثير .. واول ما تعلمته محبة الناس ، وشعرت اكثر كم كانون يحبونه .. وتعلمت ايضا ان المسحر مرتبط بتراث الشهر الفضيل ومهمته ان يوصل معاني وفضائل وقيم هذا الشهر من خلال ما يقوله ويردده اثناء التسحير بأن شهر رمضان هو شهر الخير والمحبة والبركة والطاعات".

ويحتفظ محمود بالكتب والدفاتر والأوراق التي خط عليها والده ما كان يردده من مدائح نبوية واناشيد وادعية اثناء تجوله مسحراً ، وهو اي الابن يعتمد عليها اليوم وهو يجول بــ" عدة " والده وهي عبارة عن طبلة وعصا يضربها بها ويسير على خطاه وفي نفس خط سيره الذي كان يعتمده متنقلاً على قدميه بين هذا الحي وذاك ، وهذه المنطقة وتلك ..

وعما اذا كان عمله تأثر بالتعبئة العامة بمواجهة فيروس كورونا يقول محمود " في السابق كنت اخرج في احياء وشوارع مضاءة وعلى جانبيها محال ومطاعم ومقاهي مفتوحة و " ناس رايحة وجاية "، وكان الأطفال يلاقونني في الشارع ويلتقطون الصور معي ، لكن بعد ازمة كورونا ، بت أخرج لوحدي منفرداً في الليل والمحال مقفلة والناس ملتزمة بيوتها، وصوتي الوحيد الذي يصدح ويتردد صداه في ارجاء الأمكنة ، ويطل بعض الناس من على الشرفات او من نوافذ البيوت ويقولون لي " يرحم بيّك.. أنشدنا ".

ويعتبر محمود فناس انه طالما هناك شهر رمضان لا يبد ان يبقى المسحر لأن جو رمضان لا يكتمل الا بوجود المسحر .. وسيبقى نجم المسحر مضيئاُ في ليالي رمضان يهلّ مع هلاله .. ويغيب م في آخر لياليه!

رأفت نعيم