المصدر:الجمهورية - الشرق الأوسط
أدخل رئيس الحكومة حسان دياب، أمس، حكومتَه في مواجهة جديدة، ضاعفت الضغوط والتحديات التي تواجهها، حين اتهم مرجعيات الطوائف وسياسيين بحماية الفساد، غداة إعلان البطريرك الماروني بشارة الراعي أن هناك «حكماً مبرماً بحق حاكم (مصرف لبنان)»، فيما أكد الرئيس ميشال عون أن «التصدي لآفة الفساد لا يمكن أن يكون ظرفيّاً أو جزئيّاً أو انتقائيّاً أو استنسابيّاً».
وبدا من سياق التوقيت أن دياب ينتقد الغطاء الذي منحه البطريرك الماروني لواحد من أبرز المواقع الإدارية التي تشغلها شخصية مارونية، وهو موقع حاكمية «مصرف لبنان»، وهو ما أثار امتعاضاً كبيراً لدى البطريركية في بكركي. وقالت مصادر في البطريركية لـ«الشرق الأوسط» إن الراعي «ممتعض من موقف رئيس الحكومة». ورأت أن دياب «يبدو أنه لم يقرأ بتمعّن وتأنٍّ العظة التي قدمها البطريرك» أول من أمس، وقال فيها إن «الشكل الاستهدافي الطاعن بكرامة الشخص والمؤسسة التي لم تعرف مثل هذا منذ إنشائها في عهد الرئيس فؤاد شهاب، غير مقبول على الإطلاق». ولفتت إلى «ضرورة أن يستدرك دياب موقفه ويراجع ما صدر عنه»، مشددة على أن «(بكركي) حريصة على منع أي شرخ، وتجنب التوترات السياسية».
وأدخل دياب حكومته إلى هذه الجبهة، بموازاة مواجهات سياسية وشعبية تخوضها الحكومة منذ أيام على خلفية ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وعشية جلسة مجلس الوزراء التي تعتزم فيها الحكومة إقرار النصوص والصيغ النهائية حول إجراء تحقيقات لتحديد الحسابات التي أجريت منها تحويلات مالية، واتخاذ تدابير آنية وفورية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، وإقرار مشروع قانون معجّل يتعلق باسترداد تحويلات إلى الخارج.
وشارك دياب ووزراء في اجتماع للجنة الوزارية لمكافحة الفساد قاده الرئيس عون الذي قال إن «أي تصدٍ لآفة الفساد لا يمكن أن يكون ظرفيّاً أو جزئيّاً أو انتقائيّاً أو استنسابيّاً، كي لا نقع في المحظور الأخطر المتمثّل بعدم المساواة في المساءلة بين المفسدين والفاسدين من جهة، وتسلح هؤلاء بالمرجعية الروحية أو السياسية للتفلّت من تلك المساءلة».
وشدد عون على «ضرورة استهداف الفساد السياسي بصورة خاصة، وعدم التركيز فقط على الفساد الإداري على خطورته»، داعياً إلى «توحيد المقاربات القانونية وتنقية النصوص المَرعيّة والمعنية بمكافحة الفساد من أوجه التضارب والتناقض فيما بينها، وإقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والعمل على تطبيقها بسنّ ما يلزم من نصوص واتخاذ التدابير العملانية الناجعة وفقاً لنصها وروحها».
وعدّ رئيس الحكومة أن «الفساد في لبنان يتمتّع بحماية السياسة والسياسيين، والطوائف ومرجعياتها». وقال: «على رغم الفساد الذي تسلّل إلى كل شريان في الدولة، فليس هناك فاسد تمت محاسبته، إلا من كان مرفوعاً عنه الغطاء، أو تمرد وفتح على حسابه». وشدد على أن «هذه الحكومة أخذت على عاتقها مكافحة الفساد، والعمل على ترشيق الإدارة، لأن الإصلاح الحقيقي لا يستقيم من دون محاسبة وإدارة فاعلة ورشيقة»، عادّاً أن «الرهان على مؤسسات الرقابة التي يجب أن تقوم بواجباتها، وأن تبذل جهوداً مضاعفة، كي تستطيع ضرب الفساد والفاسدين، وأن تستفيد من مظلة الحماية التي تؤمّنها هذه الحكومة، كي نتمكن من عصرنة الإدارة، وجعلها في خدمة اللبنانيين، وليس في خدمة السياسة والسياسيين».
ويعدّ انتقاد دياب للمراجع الدينية واتهامها بحماية الفاسدين جديداً؛ إذ لم تُسجَّل منذ سنوات طويلة مواجهة بين رئيس حكومة والمرجعيات الدينية، في وقت «يشدد فيه البطريرك في مواقفه على الميثاقية، ويدعو لحماية التوازنات ويدافع عنها»، حسبما يقول رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن لـ«الشرق الأوسط»، لافتاً إلى أن الراعي من هذا المنطق يدافع عن الموقع بحد ذاته، «وهو حاضن للأمانة الجامعة بين المسيحيين والمسلمين ولوحدة الكيان اللبناني».
لا خطوط حمراً طائفية: من جهة ثانية، تؤكد بكركي، بحسب "الجمهورية" أنّ "معطيات جدية يمتلكها البطريرك عن أنّ هناك خلفيات وأبعاداً للنيل من سلامة تصل الى تغيير النظام، هي التي دفعته الى إطلاق موقفه هذا، فضلاً عن الأداء السياسي والحكومي الواضح في هذا المجال، فالبعض أعلن موقفه بجرأة وعلناً داعياً الى إقالة سلامة فوراً وببساطة". وتقول مصادر بكركي إنّ "البطريرك لا يدافع عن سلامة لأنّه ماروني. فبكركي لا تتكلّم طائفياً بل وطنياً، وبالمبادئ والأصول". وتؤكّد أنّ "بكركي لم تمنع إقالة سلامة أو محاسبته، لكنها ذكّرت بأنّ هناك أصولاً وقانوناً ودستوراً ومحاسبة وحق دفاع عن النفس". وتسأل: "هل سلامة وحده المسؤول عن الخراب؟ وهل هو سيّد مُطلق في موقعه؟"
وتشدّد على أنّ "بكركي لا تضع خطوطاً حمراً طائفية ولا تغطّي أي مرتكب لأيّ طائفة انتمى". وتقول: "فلتطاول المحاسبة الجميع، كلّ من تَورّط وتدخّل وحرّض وضغط وأصدر أوامر". وتضيف: "إذا أخطأ سلامة فليُحاسب، ولكن بعدل، لا أن نصل الى التحقير والإهانة بالطريقة التي حصلت".
موقف الراعي الأخير، في ما يتعلّق بتعامل الحكومة برئاسة حسان دياب مع سلامة، لا يُفسد في الود قضية بين البطريركية ودياب، ولا يعني أنّ هناك خلافاً بينهما، بحسب مصادر بكركي التي تشير الى أنّ "الراعي دعم الحكومة وشجّعها، وطلبَ إعطاءها فرصة في وقتٍ كان الجميع ينتقدها ويطالب برحيلها ويريد إسقاطها". وتلفت الى أنّ الراعي "مثلما أضاء على مكامن القوة في هذه الحكومة وعلى أدائها الجيّد، سلّط الضوء أيضاً على أنّه ليس بهذه الطريقة تُصدر الأحكام".
إنّ أيّ موقف للراعي على الصعيد الوطني والعام، ينطلق من أنّ البطريرك "مؤتمن على الأداء الوطني السليم، وحين يرى استقامة في العمل السياسي ينوّه بها، وحين يلمس بعض الانحراف، يقضي دوره أن يصوّبه". وإنّ عمل البطريرك هذا "وطني وليس سياسياً"، بحسب ما تُشدّد مصادر بكركي، مؤكدة أنّ "الراعي لا يتدخّل في السياسة"، ومذكّرة أنّ "هذا هو دور بكركي عبر التاريخ، والراعي يُكمل الدور الذي أدّته سلسلة البطاركة الموارنة في لبنان".