أخبار لبنان

شارل حنا ..رحلة كفاح من كرخا الى بوسطن: خدمة الوطن أسمى من السياسة !

تم النشر في 28 نيسان 2020 | 00:00


عندما غادر شارل ابن السنوات الخمسة عشر حينها ضيعته " كرخا " في قضاء جزين الى بلاد الإغتراب برفقة والده السيد ابراهيم حنا الذي شغل لاحقا منصب قنصل لبنان في بوسطن، لم يكن يعرف ان اقامته بعيداً عن وطنه ومسقط راسه ستمتد لعقود طويلة ، أسس خلالها عملاً وعائلة.. لكن ما كان يعرفه شارل أنه مهما ابتعد وتغرب لا بد وان يعود يوماً الى الأرض التي ولد ونشأ وترعرع فيها وتشرب من قيمها وعاداتها وتقاليدها وراكم فيها اجمل ذكرياته ..

وبقدر ما كان شارل حنا بعيداً بجسده وعمله من خلال شركته " سيدرز " والذي تطور واتسع ليعم بإنتاجه كل الولايات الأميركية ، بقدر ما كان يقوى بداخله ذلك الشعور القوي بالحنين الى ارض الآباء والأجداد حتى قرر اخيراً منذ بضع سنوات العودة مع عائلته ليقيم في لبنان وتحديدا في بلدتهم كرخا الجزينية وليتابع من هنا اعماله في الخارج .

الا ان ثمة امراً آخر كان يحث شارل على اتخاذ قراره بالعودة وهو انه لم يكن يريد لأولاده ان ينشأوا ويكبروا بعيداً عن وطنهم الأم بل ارادهم ان يعودوا الى جذورهم وان يعيشوا مراهقتهم في موطنهم ويكتسبوا من بيئتهم ومحيطهم والطبيعي ومجتمعهم اللبناني قيماً وعادات ولغة وثقافة لبنانية بامتياز ..

عاد شارل الى ضيعته الجزينية الوادعة على كتف عاصمة الجنوب صيدا وقبالة جبل لبنان ، وفي قلبه شوق كبير لها وفي عقله وجعبته افكار ومشاريع قرر من خلالها ان يخدم منطقته ووطنه . وهو نجح في أن يشكل علامة فارقة في منطقة جزين لكن خدماته عبرت كل المناطق والطوائف واتخذ المؤسسة العسكرية المثال والقدوة في اسمى درجات العطاء لأجل لبنان فكيف لنا ان نبخل عليه ببعض ما انعم الله علينا.

أول ما برز اسم شارل حنا كان قبل نحو عامين مع رجال اعمال آخرين في منطقة جزين في شراء أرض منشآت الحريري في كفرفالوس . ثم عاد اسمه مؤخراً الى الواجهة من خلال اطلاقه العديد من المبادرات الإنسانية والاجتماعية والصحية في منطقة جزين ومناطق أخرى ، ثم مجدداً في كفرفالوس من بوابة شراء قصر سالم والأرض المحيطة به بالتعاون مع مطرانية صيدا للروم الملكيين الكاثوليك .

انطلق شارل حنا برحلة كفاحه من بلدته كرخا الى بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية والتي أسس فيها شركته " سيدرز " للمأكولات ونجح في تطويرها الى شركة عالمية المواصفات واسعة الانتشار من حيث حجم اعمالها وجودة منتجاتها التي سبقتها الى كل الولايات ، بحيث لا يقتصر عملها على صناعة المأكولات وانما تعداها الى القيام بمشاريع كبيرة لشركات أخرى مشهورة في امريكا .

"مستقبل ويب" التقى شارل حنا الذي وأنت تحدثه عن مشاريعه واحلامه تجده يصطحبك في رحلة الى عالمه الخاص ذلك العالم الذي أعطى فيه لوطنه المساحة الأكبر. يقول شارل " تعلمنا من الوالد حبه لبلده ولأهالي الضيعة وقررت ان ياتي اولادي ليتعرفوا على لبنان ليتعرفوا وعلى جذورهم وضيعتهم ويحكوا لغتهم الأم ويتحدثوا باللهجة اللبنانية ، لا ان يأتوا فقط كسائحين لأن الانسان الذي لا يعرف من هو ومن أين أتى لا أصل له ، وتسنى لي خلال السنوات القليلة التي امضيتها في لبنان وفي كرخا تحديداً ان أتعرف اكثر الى ضيعتي والآن عائلتي موجودة في كرخا ويحبون لبنان كثيرا وهذا كان هدفاً لي ان يحب اولادي لبنان كما نحن نحبه ".

جمعية ومبادرات

منذ عودته الى لبنان لم يوفر شارل جهداً او مالاً في سبيل مساعدة بلدته ومنطقته ووطنه ، فأسس جمعية خيرية بإسم" جمعيةCFM الخيرية " باشرت منذ اربع سنوات بتقديم الخدمات الصحية لأهالي كرخا ومحيطها ولا سيما تأمين الأدوية لمن لا يستطيع شراءها او تأمين علاج ، ولم يكن حتى يعرف ولا يريد ان يعرف اسماء الأشخاص الذين تذهب اليهم هذه الخدمات .

يقول شارل " قبل التحركات الشعبية وازمة الكورونا كنا نقدم مساعدات لأنني شعرت ان هناك اموراً كثيرة تستطيع ان تقوم بها لبلدك دون اية غاية سوى حبي للبنان وشعبه دون استثناء او تمييز . ولو استطعت أن ازرع وردة في كل بيت في لبنان لا أتاخر لأن لا شي اجمل من زرع المحبة والسلام وروح العطاء واجمل العطاء ما لا ينتظر مردوداً ".

وشكلت الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت مع ازمة الكورونا ووطأتها على الناس، حافزاً اضافياً لشارل ليعبر على طريقته عن محبته لوطنه فأطلق حملة بإسم " جمعيةCFM الخيرية " وباشر بتوزيع مساعدات غذائية على صعيد ضيعته شملت ايضاً السوريين المقيمين في البلدة لأنه يعتبر ان الإنسان هو إنسان اينما كان.."، كما شملت دفع بدل اشتراكات مولدات الكهرباء لأهالي البلدة عن ثلاثة اشهر.

لم تتوقف مبادرات شارل حنا عند هذا الحد ، وسرعان ما انتقلت لتعم مناطق أخرى بالاضافة الى منطقة جزين ، حين اعلن عن سلسلة تبرعات عبر برنامج "صار الوقت" مع مارسيل غانم على الـ " MTV " شملت مساعدات مالية لمستشفى رفيق الحريري ومستشفى جزين ومستشفى عكار ( عبد الله الراسي ) ومستشتفى زغرتا ، والصليب الأحمر اللبناني وراهبات الصليب وسيسوبيل وغيرها . ثم خصص عبر برنامج "سطوح بيروت" مع داليا داغر على الـ" OTV" مساعدات مماثلة ( غذائية ومواد تعقيم ) لمنطقة جزين وجرى توزيعها من خلال لجنة مخاتير المنطقة وبلغ عددها نحو الفي حصة، وتبرع للجنوب من دون تمييز.

ويقول شارل انه اذا طالت الأزمة - وان شاء الله لا تطول - ، سنطلق المزيد من الحملات لتشمل اكبر عدد من الناس المحتاجة وفي مناطق اوسع .

ترميم كنائس ومشروع لـ"دير مار يوحنا "

في احد الأيام كان شارل حنا يحضر قداساً في كنيسة مار يوحنا الحبيب في كرخا ، واثناء الصلاة كان ينظر الى سقف وجدران الكنيسة القديمة والمتداعية .. لم ينتظر شارل طويلاً حتى يصارح كاهن الرعية برغبته في ترميم الكنيسة على نفقته الشخصية وعلى طريقته الخاصة . وكان له ما اراد وانجزت عملية الترميم بأفضل المواصفات .. ثم كرّت بعدها سبحة مبادرات حنا تجاه كنائس وأديرة في اكثر من منطقة في لبنان ، وباشر مؤخراً بالتحضير لمشروع ترميم دير مار يوحنا المعمدان في كرخا بطريقة حديثة تجعله يضاهي اجمل وأروع الأديرة القديمة في ايطاليا .

لكنه ليس المشروع الوحيد الذي يطمح شارل لتحقيقه بالنسبة لكرخا ودير مار يوحنا المعمدان ، حيث يفاجئك بفكرة طموحة تبلورت لديه الى مشروع سياحي – ديني – اجتماعي يعود بالفائدة العامة على المنطقة كلها فيقول "اذا نظرت الى اعلى الجبل هنا – يشير بيده الى تلة دير مار يوحنا - ثم الى مجرى نهر الأولي في الوادي الواقع اسفل الجبل ، ماذا يحصل في المنطقة اذا اقمنا مشروع تليفريك من فوق الى تحت ! . كانت فكرتي ولا زالت ان يكون هناك مشروع سياحي بامتياز وايضا أتت الموافقة على موعد مع قداسة البابا في الفاتيكان لنهيء مشروعنا ليكون مشروعاً سياحياً دينياً عالمياً يؤمن فرص عمل للمنطقة ويخلق حوله مشاريع مثل مطاعم وفنادق وغيرها ، ويجذب استثمارات الى المنطقة !". ويضع شارل نصب عينيه بهذا المشروع المنفعة العامة للبلد بأن يكون مشروعاً ذا مردود اجتماعي ، ، فيشترط لتنفيذه أن يذهب الربح من " التليفريك " لجمعية تديره وتساعد بريعه العمال والمحتاجين والطلاب والشعب المحتاج دون تمييز . ويقول " لا شيء يضر بأي بلد اكثر من انهيار الاقتصاد واكثر من الجوع ، وحين تنفع بلدك وتطعم الجائع وتعلم من يجب ان يتعلم كل شيء يتغير للأفضل" .

لا انتمي لأي جهة ولا غاية سياسية لي

يعتبر شارل ان من يعمل لوطنه ليس بالضرورة يجب ان يكون يعمل في مجال السياسة ، بل ربما يستطيع الإنسان خدمة بلده اكثر من خارج السياسة ، لذلك فهو لا يبغي منصباً او موقعاً ويقول "ما بدي أعمل زعيم ولا بدي اتعاطى سياسة " بل " جئت لأعطي من قلبي لوطني" .

ولكن على من انت محسوب بالسياسة ؟.. يجيب شارل دون تردد : "لست محسوبا بالسياسة على اي جهة او طرف وليس لي اي هدف سياسي ، ولا انتمي لأي تيار او حزب - لا صار ولا بيصير حالياً ولا رح يصير.. لكن علاقتي جيدة مع العديد من الزعماء اللبنانيين ومع سياسيين في عدة اتجاهات وهي علاقة متوازنة وانا على مسافة واحدة من الجميع ، وليس لي خصوم في اي موقع ، فأنا انسان آت " ليشتغل للبلد وهذا المهم بالنسبة لي ".

بينه وبين نفسه يتمنى شارل ان يكون هناك اتفاق وطني حتى يصل لبنان الى حيث يجب ان يصل ويعتبر ان تعدد وجهات النظر بالسياسة امر لا ينتظم به العمل ، ويقول "انا لدي وجهة نظر واحدة هي لبنان ، وهذه تعبر عنها المؤسسة العسكرية التي اعتبرها مثالاً وقدوة في العطاء الذي يقدم افرادها اسمى درجاته بالتضحية بالأرواح فداء للبنان. وقد تعلمت من الجيش اللبناني النزاهة والشجاعة ، واعتبر نفسي ابن المؤسسة العسكرية وأعتز بأن أكون جندياً مجهولاً يستمد من المؤسسة العسكرية هذه الروح الوطنية ، واتمنى واطمح لهذا الجيش العظيم ان تصبح لديه التقنيات والتجهيزات الحديثة التي توفر عليه وتساعده في تحقيق المزيد من البطولات كالتي سطرها سابقاً ".

لا يتردد شارل في الإجابة على من يسأله عن رده في حال طلب منه اي طرف ان يتولى او يترشح لاي منصب او موقع بالشأن العام. فيقول " لا أقبل " وكل من حولي يعرف اني اذا قلت كلمة لا اغيرها ، واقول " لا أقبل " لأني احب ان ارى لبنان من الموقع الذي انا فيه. واصارحك القول اني سبق وسُئلت وطلب مني ، لكن كان جوابي : اذا بتحبوني خلوني حر " . طموحي دائماً هو محبتي للبنان ولا اغيره ، لكن لا اقدم نفسي لجهة ولا اقفل نفسي لجهة وبطبعي احب ان اتخذ قراري بنفسي واكون مقتنعاً به مع احترامي لكل الناس ".

ويضيف " العمل السياسي شيء ، والعمل لأجل لبنان خارج السياسة شيء آخر وخدمة الوطن اسمى من السياسة .. وما يعنيني هو العمل الاجتماعي والتنموي ومساعدة الأجيال . نحن في لبنان بحاجة لمصانع ولتأمين التعليم وفرص العمل للشباب ومصادر دخل ومعيشة للناس.. بذلك نكون نخدم بلدنا ونساعد شعبنا دون ان نطلب شيئا لأنفسنا" .

وعن امكانية فتح فرع لشركته في لبنان يقول شارل " لبنان حالياً لا يستوعب هذا الحجم من الأعمال لأن الانتاج يجب ان يكون كبيراً والتكلفة كبيرة لمثل هذه الأعمال في لبنان. لكن نستطيع ان نساعد في تسويق الانتاج اللبناني او تدريب الشركات والمصانع اللبنانية ليتعلموا الطريقة التي نعتمدها في مجال الصناعات الغذائية.. وهناك مشروع افكر في طرحه بعد انتهاء الأزمة باقامة معصرة زيتون حديثة ومتطورة في المنطقة بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية على ان يعود ريع هذا المشروع للناس وخاصة المزارعين وكذلك لدعم تسويق وتصريف الانتاج عالمياً بالمواصفات والسعر المطلوب ".

ويختم حنا بأنه " يعمل مع الكل ولأجل الكل، لأجل الوطن ولأجل المؤسسة العسكرية وكل شخص يحب ان يفكر بمستقبل هذا الوطن ، واتمنى ان ياتي نهار ويكون لدى لبنان المقومات ليكون من اجمل بلدان العالم ، خاصة وان لديه الكثير من الطاقات البشرية الكفوءة والطموحة ، وهناك امل كبير لدينا في الجيل الجديد والمبدعين في شتى المجالات الذين يبرزون في لبنان والخارج ".

رأفت نعيم