يبحث رئيس الجمهورية ميشال عون عن أي مناسبة متزينة بثوب "الجمع الوطني"، ليمنح نفسه صفة الرئيس الجامع، الرئيس الذي "استعاد" الصلاحيات، على نمط رؤساء ما قبل الطائف.
كل السلطات
في دعوته رؤساء الكتل النيابية إلى القصر الجمهوري، لعقد اجتماع والبحث بالخطّة الاقتصادية التي أقرتها الحكومة، يفتح عون معركة هامشية جديدة، أساسية بالنسبة إليه، مع المجلس النيابي. لم تعد معركة الصلاحيات محصورة مع الحكومة ورئيسها، إنما تتطور لتطال مجلس النواب. عمل عون منذ بداية عهده على قضم صلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية، عدا عن بسط نفوذه على السلطة القضائية. وبذلك تجاوز للدستور والقانون والأعراف.
ترأس جلسات مجلس الوزراء، إلى أن أقرت الحكومة الخطة. والواقع يفرض تحويل هذه الخطة إلى المجلس النيابي لمناقشتها، وإقرارها. لكن عون ارتأى توجيه دعوة "وطنية" إلى رؤساء الكتل لمناقشة الخطّة في القصر الجمهوري بدلاً من المجلس النيابي. وهو بذلك يريد تحقيق ثلاث نقاط، إثبات مرجعيته السياسية والوطنية. القول إن القرارات الأساسية تؤخذ في بعبدا وليس في المؤسسات القصور الأخرى. وهذه عادة درج عليها منذ فترة طويلة، على غرار عقد اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، والاجتماعات المالية والاقتصادية. وأيضاً، الحصول على الشرعية السياسية والقانونية لكل القرارات التي تُتخذ، فيما تأخذ المؤسسات الأخرى صفة تنفيذية لا تقريرية.
الدعوة والحرج
اختار عون إحراج جميع القوى السياسية بدعوته، التي تتعارض مع صلاحيات وعمل المجلس النيابي. فلياقة، لن يتمكن رئيس مجلس النواب نبيه بري من مقاطعة الدعوة، على الرغم من أن فيها مساساً بصلاحيات المجلس. وكذلك الأمر بالنسبة إلى القوى الأخرى، التي لن يسهل عليها مقاطعة دعوة رئيس الجمهورية، خصوصاً أن ذلك سيؤدي إلى تكريس قطيعة تؤدي إلى أزمة سياسية في لبنان. فتلبية الدعوة ستمنح الغطاء والشرعية لعون ولخطته. والمقاطعة ستضع المقاطعين في خانة "المعرقلين"، في إطار اللعبة الإعلامية التي يجيدها عون وفريقه.
في الإنجازات، يستحوذ عون على الصورة وحيداً. في المناقشات الجدية الحامية والتي تضع لبنان على مفترقات خطرة، يحرص عون على إشراك الجميع بجعلهم يتجمهرون حوله. ذلك كله يؤدي إلى ضرب مفهوم النظام اللبناني ومرتكزاته. هكذا، يبقى وحده المبادر، والساعي دوماً إلى اختلاق فتاوى وابتكار أفكار، وسط انتظارية الآخرين على قاعدة ردّ الفعل. فيقبعون في مواطن الدفاع عن النفس، بمواجهة الهجوم العوني المستمر والذي لا يهدأ. وهكذا، يجيد عون اللعب على أكثر من حبل متناقض.
المقاطعة السنّية
وبالتزامن مع توجيه الدعوات لرؤساء الكتل النيابية للجلوس في حضرته، يستمعون إلى معلّقات حول الخطة الاقتصادية من عدد من المستشارين، يستمر فريقه في شن المعارك السياسية ضد الذين سيلبون هذه الدعوة.
ومن سيلبي الدعوة، لن ينطلق من خلفيات تقنية أو لها علاقة بالخطة الاقتصادية حتماً. إنما من حسابات سياسية، إما لأنه محرج وغير قادر على المقاطعة، لأنها ستؤدي إلى تكريس انقسام سينعكس توتراً سياسياً وشعبياً. وإما لأنه طامح لتحقيق تهدئة أو غاية أو للحصول على "عطف رئاسي". والجميع يعلم أن ما بعد الدعوة سيتبدد تبادل السلام فيها، لتعود الجبهات السياسية إلى الاشتعال. ومن سيخرج من القصر بعد الجلسة، سيصل إلى دارته ويستمع إلى تصريحات محسوبة على الفريق الرئاسي تحمّله مسؤولية الانهيار وتبعات الأزمة، وكأن شيئاً لم يكن.
منذ تلقي الكتل النيابية للدعوة، يدور نقاش في الكواليس، حول الجدوى من عقدها. من يرفضها يحيلها إلى ضرب الدستور وتكريس مفهوم النظام الرئاسي، وضرب صلاحيات مجلس النواب بعد قضم صلاحيات مجلس الوزراء. رؤساء الكتل السنّية لن يحضروا، هذا على الأقل بحد أدنى من الاتفاق بين الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي. وحتى إذا ما أرسلت الكتلتان من ينوب عنهما، فربما لن يكون ممثلهما من الطائفة السنية. تيار المستقبل سيقاطع هذه الدعوة بالكامل. فيما تستمر المفاوضات لأجل مقاطعات أكثر. كتلة ميقاتي لن تتمثل بنائب سنّي، وبذلك سيكون السنّة في عداد المقاطعين، ما يعني فقدان الجلسة للغطاء الميثاقي.
خفض التمثيل
يبقى نائب واحد سيحضر، هو فيصل كرامي، والذي سيذهب كممثل للقاء التشاوري المتشظي. فهو لا يحظى بدعم عبد الرحيم مراد، ولا بموافقة جهاد الصمد، بينما النائب قاسم هاشم أعلن معارضته للخطة الاقتصادية. سيكون كرامي صورة معلّقة على طاولة الاجتماع بلا برواز. جالساً على كرسي خشبها من أعواد حزب الله، وأحلامه أن يقول دوماً إنه حاضر لتلبية "أمر اليوم"، لعلّ ذلك يحمله ذات يوم إلى السراي الحكومي.
الكتل الأخرى قد تذهب إلى تخفيض تمثيلها. فمثلاً، الدعوة التي تلقاها اللقاء الديموقراطي لم تكن باسم رئيس اللقاء بل باسم رئيس الحزب وليد جنبلاط، وكذلك بالنسبة إلى تيار المردة وتوجيه الدعوة إلى سليمان فرنجية، والأرجح أن يكون التوجه خفض التمثيل، إذ تم الإعلان عن أن ممثل فرنجية في اللقاء سيكون النائب فريد هيكل الخازن.
المدن – منير الربيع