كتبت "النهار" تقول:على صعوبة التكهن بالحجم الذي ستتخذه "الانتفاضة المتجددة" التي ستشهدها ساحة الشهداء في وسط بيروت والساحات الأخرى بعد ظهر اليوم، فإن مجمل المؤشرات والاستعدادات ووسائل التعبئة الإعلامية واللوجستية تشير الى ترقب يوم مشهود آخر من أيام الانتفاضة التي كانت شرارتها الأولى في 17 تشرين الأول 2019. وواضح ان الاعداد لهذا اليوم كمنطلق متجدد للانتفاضة لم يتخذ قط طابعاً مفاجئاً، نظراً الى جملة عوامل وأسباب لعل أبرزها أن مرحلة الانقطاع القسري لتحركات الانتفاضة بسبب حال التعبئة التي فرضها انتشار فيروس كورونا في لبنان، واكبها تدهور قياسي هائل في الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي كانت أصلا وراء انفجار الانتفاضة الشعبية في ظل تصاعد مستويات الفساد الرسمي والسياسي الى ذروات قياسية.
وبدا بعد الرفع التدريجي لإجراءات الاقفال العام أن الواقع المعيشي والخدماتي والغلاء المستفحل والفلتان الفوضوي على الغارب في كل ما يتصل بالحياة اليومية للمواطنين وسط ازدياد مخيف لأعداد العاطلين عن العمل وتصاعد مؤشرات البطالة والفقر، ناهيك بأزمة مصرفية كأداء تهدد ودائع مئات الألوف من المواطنين، كل هذه العوامل أججت الغليان الشعبي وأهّلت المشهد الداخلي لفصل متجدّد من فصول الاحتجاجات المتصاعدة.
لكن الفرادة التي ستتخذها الموجة الجديدة تتمثل في إضافة مهمة وبارزة الى جدول المطالب والشعارات الكبيرة والعريضة التي ترفعها الانتفاضة المتجددة والمتمثلة في رفع جماعات منخرطة في الانتفاضة مطلب تنفيذ القرار 1559 وجوهره نزع كل سلاح غير شرعي لمصلحة أحادية سلاح الجيش وقوى الأمن الشرعية. ومع أن جماعات أخرى ترفع أولوية اجراء الانتخابات النيابية المبكرة لليوم الاحتجاجي الكبير، فإن موضوع القرار 1559 اكتسب وهجاً واسعاً في ظل الحملة المضادة التي شنّتها جماعات مناهضة للانتفاضة خصوصاً من قوى 8 آذار التي يبدو انها اندرجت تحت إطار أمر عمليات عنوانه رفض نزع سلاح "حزب الله"، الامر الذي يضع يوم السادس من حزيران 2020 أمام محك دقيق وحسّاس لا يخلو من خطورة. وسيتعيّن على جميع الأحزاب والجماعات المنخرطة في الاستعداد لهذا اليوم المفصلي أن يواجهوا امتحاناً بالغ الدقة من حيث إظهار مشهد حاشد أولاً يعكس عدم التهاون مع كل حملات التهويل والتخويف والتخوين التي استهدفت الانتفاضة المتجددة. كما سيتعيّن عليهم التحسّب لكل احتمالات السيناريوات والفخاخ التي قد تتربص بالانتفاضة المتجددة سواء من مناهضيها عبر تنظيم تحركات مضادة لاثارة الانقسامات والاضطرابات بغية احباط يوم "6/6" الاحتجاجي الحاشد، أو ربما من جهات سلطوية لا تكتم عداءها للانتفاضة.
والواقع أن ممارسات التهويل اتخذت بعداً سافراً مباشراً خلال الاعتصام الذي نفذته اعداد من الناشطين في ساحة النور بطرابلس عصر أمس، مطالبين بتنفيذ القرار 1559، اذ انبرت مجموعة مناهضة للاعتصام في مواجهة هذه الوقفة وحصل خلاف بين المجموعات كاد ان يؤدي الى صدام لولا تدخل الجيش للفصل بين الفريقين. أما العامل اللافت الآخر الذي سجّل عشية يوم الانتفاضة المتجدّدة، فبرز مع تراجع مجموعات كانت تعتبر من الأكثر تحركاً في مسارات الانتفاضة من أبرزها فئة من العسكريين المتقاعدين، في ما فسّر استجابة لضغوط سياسية ورسمية معروفة. كما أن النائب العميد المتقاعد شامل روكز أعلن عدم مشاركته والمجموعة التي ينسق معها في اليوم الاحتجاجي.
في أي حال، لم تغب تداعيات الاستعدادات لهذا اليوم عن بعض المواقف السياسية المباشرة للمسؤولين ولا سيما منهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي عكس كلامه أمس أمام أحد الوفود الزائرة مضيّه في الدفاع عن العهد ومهاجمة معارضيه وهو ما دأب عليه منذ أيام. ذلك أن الرئيس عون عاد الى توجيه الاتهامات في ما يحصل من أزمات الى من سبقوه ومن ثم واكبهم وشاركهم وحالفهم في السلطة والعهد، فقال: "إن ما يحصل اليوم هو بسبب تراكمات خط سياسي معين تم اعتماده وامتد الى نحو ثلاثة عقود، ورغم وجودي خارج لبنان معظم هذا الوقت نحمل اليوم وزر هذا الخط ونتائجه ونتعرض للاتهامات والحملات التي يجب ان توجه الى المسؤولين الفعليين عن تدهور الأوضاع في لبنان فيما تم رفع شعار "كلن يعني كلن" والتعتيم على كل الأمور الإيجابية التي شهدها لبنان منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم".