أخبار لبنان

صيدا: الشراء في ميزان الغلاء .. بالوقية والحبّة !

تم النشر في 9 حزيران 2020 | 00:00



فرضت الأزمة الاقتصادية على قسم كبير من المواطنين نمطاً جديداً في تأمين الحاجيات الأساسية لمعيشتهم تعتمد على تبضع كميات قليلة من السلع التي ارتفعت اسعارها ضعف ما كانت عليه في السابق واعادة احياء ما كان يعرف قديماً بـ” الشراء بالقطعة او الحبة ، او “ الوقية “ التي كانت تحولت اسماً لأحد الأسواق الشهيرة في وسط بيروت في خمسينيات القرن الماضي لا يزال راسخاً في ذاكرة الكبار.

عادت العائلات من الفئات الاجتماعية محدودة الدخل والفقيرة تلجأ لهذا النمط بالشراء لمواجهة غلاء السلع وبما يمكن العائلة الواحدة مثلاً من تأمين وجبة غذائية مقبولة لأولادها .

داخل حارات وأزقة مدينة صيدا القديمة والتي تستعيد جزئياً حياتها شبه الطبيعية بعد الحظر الذي فرضه “ كورونا” على مختلف مرافق ووجوه الحياة فيها ، سجلت حوانيت البقالة الصغيرة ظاهرة تعكس مدى تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين والباعة على السواء مقابل ارتفاع اسعار السلع عموماً .

فبعدما كان المواطن يمون بيته شهرياً اصبح بالكاد يستطيع ان يؤمن قوت كل يوم بيومه ، وبعدما كان يتسوق المواد الغذائية بالكيلو و”الشوال” والصندوق، اصبح يشتريها بالغرام والوقية والحبة .. ولم يعد يناسب الفقراء وصغار الكسبة دخول المخازن الكبرى للتمون بالمواد الغذائية ففضلوا عليها دكاكين البقالة ومحلات “ السمانة “الصغيرة لتلبية حاجياتهم اليومية ، وحتى هذه “ الدكاكين “ الصغيرة تأثرت بالأزمة واغلق اصحابها دفاتر” الشكك” والاستدانة التي كانت تدون فيها اسماء الزبائن الذين كانوا يرجئون الدفع حتى أول الشهر ، وصارحوا زبائنهم عبر اوراق الصقوها على واجهات محالهم بأن “ الدين ممنوع وبدون احراج .. بسبب وضع البلد “! .

كان خليل الكبش ( وهو صاحب محل سمانة ) ً يبيع زبائنه بالدًّين حتى اول كل شهر، لكن هذا الأمر لم يعد ممكناً بحسب الكبش الذي عزا السبب الى ان الاسعار ترتفع بشكل يومي، ما جعل المواطن او المستهلك يفضل الشراء بـ” الغرام” والحبة “ وبات السمن والأجبان والزيوت النباتية تباع بالوقية ) 200 غرام ) .

ويضيف “بعدما كان رب المنزل يشتري “مجمع” السمنة وغالون الزيت، لم يعد يملك القدرة المالية على ذلك، اذ ان سعر ارخص  عبوة  زيت 7 آلاف ليرة بينما كانت قبل ارتفاع الاسعار بثلاثة آلاف ليرة  ، وهذا ينسحب على العديد من السلع الغذائية التي تستخدم في الطبخ” .

ويقول عبد الحميد طوق الذي يعمل نجارا عربيا وتاثر عمله سلباً بالأزمة ، انه اصبح يشتري الارز والسكر والسمنة بالـ”غرام “ وان أبسط وأرخص طبخة باتت لوازمها تكلف 20 الف ليرة على الأقل، ويتابع” الوضع بات لا يحتمل وبعدما كنا نشتري مو نة كاملة للبيت كل شهر وبتنا نشتري على قدر الحاجة اليومية “!.

ويقول مصطفى شعبان وهو صاحب محل بقالة “ توقفنا عن البيع بالاستدانة لأن لا سيولة نقدية متوفرة لدينا والزبائن عادوا الى الشراء بالمفرق وبأقل عدد او كمية من اي سلعة ، فأصبحنا نبيع البيض بالحبة (كل ثلاث بيضات بألف ليرة ) لأن ثمن كرتونة البيض اصبح 8 آلاف ليرة بعدما كانت سابقاً بأربعة آلاف ، والطامة الكبرى أن البعض لا يملك حتى ثمن البيضات الثلاث، وبتنا نبيع الصابون البلدي بالحبة الواحدة بعدما وصل كيلو الصابون الى 12 الف ليرة !.

في احد ازقة المدينة القديمة يمسك الطفل براء رميّض بقطعة ثلج ملونة في طرفها عود خشبي محاولاً أكلها قبل ان تذوب كما تذوب قيمة الليرة اللبنانية مقابل اسعار السلع المرتفعة . فوحدها حبة البوظة المثلجة لا تزال تحافظ على ثمنها وهو 250 ليرة ، ولم يعد يجد ما يشتريه بهذا الثمن الزهيد.. كان براء حتى الأمس القريب يفضل هرم عصير الاناناس ( البون جوس) الذي كان بالسعر نفسه ، لكن بعد ارتفاعه الى 500 ليرة استبدله بالبوظة ! ..


رأفت نعيم