أخبار لبنان

‎"‎مستقبل ويب" ينشر مذكرة "اللقاء الديمقراطي" الى بعبدا: التمسك بالطائف

تم النشر في 25 حزيران 2020 | 00:00

قدّم النائب تيمور جنبلاط مذكرة من "اللقاء الديمقراطي" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" إلى ‏‏"الحوار الوطني" في بعبدا هذا نصها: ‏

يعيش لبنان في المرحلة الراهنة مصاعب وتحديات غير مسبوقة لم يشهد لها مثيلاً في ‏تاريخه المعاصر تكاد تتجاوز بتعقيداتها ونتائجها مخاطر كل الحقبات السابقة التي شهدت الحروب ‏والنزاعات المسلّحة والانقسامات العميقة حيال الثوابت الوطنية والسياسية ذلك أنها تمهد للإنهيار ‏الشامل على المستويات الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية وتنذر بعواقب وخيمة على مختلف ‏الأصعدة سيتطلب ترميمها والخروج منها سنوات طويلة وقاسية لإستعادة التعافي والنمو.‏

لقد سبق للقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الإشتراكي أن حذَرا مراراً من مغبة الاستمرار ‏في إدارة الظهر للإجراءات الإصلاحية الجذرية المطلوبة على المستوى الاقتصادي والتي كان من ‏شأنها وقف التدهور والإنطلاق في عملية التغيير التدريجي الذي يتيح ضبط الإنفاق العام المتفلت ‏وترشيده بالتوازي مع وقف الهدر ومكافحة الفساد والشروع ببناء الدولة العصرية التي طال ‏انتظارها بما يتلاءم مع تطلعات اللبنانيين وطموحاتهم وبما يؤسس لحقبة جديدة تراعي فيها المساواة ‏بين المواطنين والعدالة الإجتماعية والإنماء المتوازن وسائر المتطلبات الأخرى التي لم تتحقق رغم ‏سنوات طويلة من النضال السياسي والإجتماعي.‏

لبنان اليوم أمام منعطف خطير يتطلب من كل القوى السياسية والشعبية الفاعلة الترفع عن ‏التجاذبات الفئوية الضيقة لتهدئة المناخات العامة؛ ولكنه يتطلب بدرجة أعلى، من السلطة التنفيذية ‏ممثلة بالحكومة أن تحزم أمرها وتتخذ القرارات الكفيلة بلجم التدهور ووقف المسار الإنحداري ‏الخطير والإبتعاد عن سياسة التردد والمراوحة والركون الى المقاربة العلميّة والتقنيّة حصراً في ‏مقاربة الملفات الإقتصادية والمالية والنقدية وفي تحديد أرقام الخسائر والحاجات للنهوض مجدداً ‏بالإقتصاد الوطني بعيداً عن الخطابات الإنشائية الإتهامية التي لا تقدّم ولا تؤخر ولا ترتقي إلى ‏حراجة المرحلة ودقتها بل تعيد توصيف الوقائع ورسمها من منظار مشوّه وغير سليم يرتكز أحياناً ‏إلى سياسات الكراهية أكثر من ارتكازه الى الحقائق التي يُفترض بالمسؤول إعتمادها في إطار سعيه ‏لتشخيص المشاكل وإجتراح الحلول.‏

إنطلاقاً من كل ما تقدّم، يطرح اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الإشتراكي الورقة السياسية ‏الإقتصادية التي يعيد التذكير فيها بالثوابت الوطنية والسياسية التالية:‏

‏1-‏ التأكيد على التمسك بوثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف) التي ترقى إلى مستوى التفاهم ‏الميثاقي بين اللبنانيين الذي قد يشكل تجاوزه توليد مخاطر ومغامرات غير محسوبة نظراً ‏الى حجم الإنقسامات السياسية العميقة بين اللبنانيين وصعوبة الإتفاق في اللحظة السياسية ‏الراهنة محلياً وإقليمياً على إتفاق بديل ما سيؤدي إلى الإنكشاف السياسي التام في البلاد. وفي ‏الإطار ذاته، وتزامناً مع مئويّة لبنان الكبير، فإن الوثيقة قد حسمت أيضاً نهائيّة لبنان ‏وعروبته وذلك في إطار دحض كل محاولات التقسيم أو الفدرلة ورفضاً لإستلحاقه بأي ‏دولة أخرى، وهو الأمر الذي يشدد اللقاء والحزب على التمسك به وتأكيده لا سيّما مع ‏الانتعاش المتجدد لنظريّة "سوريا المفيدة" وسواها من العناوين والمشاريع الخطيرة التي ‏لطالما حذّر منها رئيس الحزب وليد جنبلاط. ‏

‏2-‏ المباشرة بتطبيق البنود غير المطبقة من الإتفاق وفي طليعتها: إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء ‏الطائفية السياسية وإنتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس الشيوخ. إن من ‏شأن هذه الخطوات التي طال انتظارها التمهيد نحو قيام الدولة العصرية التي تكرّس المساواة ‏بين مواطنيها ولا تميّز بينهم على أساس إنتماءاتهم المذهبية أو الطائفية. إن الإستمرار في ‏التغاضي عن تطبيق هذه البنود الإصلاحية المركزية هو إمعان في تعميق نظام الفرز ‏الطائفي والمذهبي والمحاصصة المقيتة.‏

‏3-‏ رفض كل الطروحات التقسيمية الخطيرة كالفدرالية وسواها وهي الطروحات التي تنطفىء ‏لوهلة ثم تعود وتطفو مجدداً في لحظات الإحتدام الداخلي وتوفر مادة للنقاش لأصحاب ‏المشاريع المشبوهة في توقيتها ومضمونها. لقد تجاوز اللبنانيون، بصعوبة كبيرة وبأثمان ‏باهظة، كل المشاريع التقسيمية التي طرحت في حقبة الحرب الأهلية وأكدوا جماعياً على ‏التمسك بالوحدة الداخلية رغم كل الصعاب والتحديات. ‏

‏4-‏ لقد سبق أن ناقشت القوى السياسية اللبنانية في قصر بعبدا في جلسات حوارية متتالية بدعوة ‏من الرئيس السابق العماد ميشال سليمان الخطة الدفاعية على قاعدة الإستفادة من قدرات ‏المقاومة في إطار الدولة التي لا بدّ لها، أسوة بسائر الدول، أن تمتلك قرار الحرب والسلم في ‏اللحظة المؤاتية بما يحصن قدرات لبنان الدفاعية تجاه السياسات الإسرائيلية العدوانية الدائمة ‏تجاه لبنان والتي ترجمت في السابق من خلال الغزوات والحروب والإعتداءات المتكررة. ‏توازياً، التأكيد على التمسك بالقرار 1701 للحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان. من هنا، ‏فإن إستعادة النقاش حول الخطة الدفاعيّة وفق القواعد المذكورة أعلاه ضروري بما يفضي ‏إلى تعزيز قدرة لبنان على الاضطلاع بدورها. ‏

‏5-‏ إعـادة الاعتبـار لمقررات الحـوار الوطني الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في ‏‏2 آذار 2006 وشاركت فيه جميع الأطراف والشخصيات دون استثناء، وقد تمّ التوصل الى ‏تلك المقررات بالإجماع ولم تشق كلها طريقها إلى التنفيذ وتمحورت حول المحكمة الدولية ‏وترسيم الحدود اللبانية - السورية (أو تحديدها) وإثبات لبنانيّة مزارع شبعا في الأمم المتحدة ‏بالوثائق ووفق الطرق القانونية المتعارف عليها وجمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. ‏وإذا كانت المحكمة الدولية قد إنطلقت وأخذت مسارها المؤسساتي كما هو معروف، فإن ‏معظم العناوين ولا تزال محورية وأساسية على صعيد تعزيز السيادة اللبنانية وتمكين الدولة ‏من القيام بمهامها الأساسية.‏

‏6-‏ التأكيد على رفض إعادة تجديد مقولة "تلازم المسارين" وهذه المرة من بوابة الاقتصاد، ‏فلبنان لا يستطيع أن يتحمّل اقتصاد دولتين، وهو ما يتطلب إجراءات عملية حاسمة لضبط ‏الحدود ووقف كل أشكال التهريب للعملات الصعبة والمشتقات النفطية والمواد الغذائية ‏وسواها لأن ذلك يستنزف القدرات اللبنانية المتآكلة أساساً للعديد من الأسباب المعروفة. وهذا ‏الموقف يكاد يكون موضع إجماع في لبنان. ‏


‏7-‏ التأكيد على ضرورة صياغة سياسة إقتصادية جديدة تراعي مرتكزات العدالة الإجتماعية ‏وتتضمن الخطوات التنفيذية الفعلية لتحويل الإقتصاد الريعي المتهاوي إلى إقتصاد منتج، ‏وحماية القطاعات الإنتاجية وفي مقدّمها القطاع الصناعي والإنكفاء عن الدخول في ‏المنظمات التجارية الدولية التي تستبيح الحدود وتغرق الأسواق اللبنانية بالبضائع والسلع ‏التي يمكن إنتاجها محلياً. إن التأخير المتمادي في ولوج هذا المسار يفاقم التعثر في الإقتصاد ‏اللبناني ويجعل سماته الأساسية التقهقر والفشل وهو ما ينعكس بشكلٍ كبير على الطبقات ‏المتوسطة والفقيرة وذوي الدخل المحدود لا سيما بعدما تآكلت رواتبهم ومدخراتهم نتيجة ‏تدهور سعر صرف العملة الوطنية في الأشهر المنصرمة.‏

‏8-‏ إن المقترحات المتداولة حول تطوير العلاقات الإقتصادية مع الصين جديرة بالدرس ‏والمتابعة، وإذا كان ثمه طروحات صينية جدية لبناء معمل كهرباء جديد في لبنان فذلك ‏سيكون حتماً موضوع ترحيب لأنه قد يساهم في الخروج التدريجي من الأزمة الكهربائية ‏المستفحلة منذ سنوات طويلة والتي استنفذت نحو 45 مليار دولار من الخزينة اللبنانية دون ‏إيجاد الحلول الناجعة لها. وللتذكير أن الصين قد ساهمت في توسيع مرفأ طرابلس في خطوة ‏هامة وتستحق أن تستكمل في مجالات أخرى.‏

أما الطروحات الأخرى التي تطلق تحت عنوان "التوجه نحو الشرق" وتتضمن التعاون مع ‏دول واقعة أساساً تحت العقوبات الدولية فدونه عقبات ومحاذير من شأنها مفاقمة عزلة ‏لبنان الدولية والعربية وهو أمر غير محبذ على الإطلاق. ومن المفيد التذكير، في هذا ‏الاطار، بعروبة لبنان التي حسمها إتفاق الطائف بعد خلاف دام لعقود وتضحيات كبيرة من ‏غير المجدي التراجع عنها واستبدالها بخيارات أخرى. ولعلّ السعي مجدداً لنيل الدعم من ‏الصناديق العربية لإنشاء معامل الكهرباء الذي أجهضته سابقاً بعض الأطراف السياسية ‏لحساباتها الخاصة يشكل مخرجاً من الأزمة الكهربائيّة الراهنة.‏

‏9-‏ إن المقترحات المطروحة بالتوجه نحو الشرق وربط لبنان بدول وأنظمة تقع خارج ‏المنظومة الدولية وبعضها يسير في الإتجاه المعاكس للتاريخ ويعيد إحياء عناوين مضى ‏عليها الزمن مثل "تلازم المسارين" تصب في إطار السعي المنهجي لتغيير وجه لبنان القائم ‏على التعددية والتنوع. وهو بمثابة انقضاض على رسالته التاريخية ودوره التلقيدي في ‏إحتضان المعاهد والإرساليات والجامعات العريقة والمستشفيات ودور النشر ونوادي ‏المثقفين والصحافة الحرة وفي أن يكون بوابة الشرق نحو الغرب، وهو توجه يفضي إلى ‏تكريس الآحادية على حساب التعددية بما يماثل الأنظمة الشمولية المناقضة للديمقراطية ‏اللبنانية التي تبقى، رغم كل عثراتها ولوثتها الطائفية والمذهبية، تشكل متنفساً للرأي الحر ‏والعيش المشترك والشراكة والانفتاح والتحرر. إذا كان من المسلّم به ألا يكون لبنان قاعدة ‏للتخريب على سوريا، ولكن من المحتّم ألا يلتحق لبنان بصورته الحضارية المتقدمة بنمط ‏الأنظمة الشمولية التي يشكل النظام السوري أحد أبرز أمثلتها البائسة.‏

‏10‏ ‏- ختاماً، التأكيد على ضرورة وضع خطة إقتصادية ومالية ونقدية متكاملة تبنى على ‏أرقام وحقائق واقعية وموحدة قابلة للتطبيق وصالحة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي ‏والهيئات الدولية وتتيح إعادة بناء الثقة بلبنان التي تصدّعت بشكل غير مسبوق وفاقمتها ‏التباينات المريبة حول أرقام الخسائر وتفاوتها بآلاف المليارات من الليرات ما يعكس التخبط ‏الحكومي وسياسات التردد والمحاباة وغياب الرؤية، وذلك بعيداً عن زحمة المستشارين، ‏وأفكار بعضهم المنفصلة تماماً عن الاعتبارات الاجتماعية للأزمة وحصر المقاربات ‏بالنواحي المالية والنقدية والرقمية. إن الالتزام بمعايير الحكم الرشيد والشفافية وإحترام ‏الكفاءات التي يفاخر بها لبنان عن حق، باتت مقتضيات ضرورية ومن غير المفيد إدارة ‏الظهر لها. ‏

إن المشاكل المتراكمة على مختلف المستويات وفي مقدمها مشكلة تدهور سعر صرف ‏العملة الوطنية مع انعكاس ذلك على القطاعات الصحية والإستشفائية والصناعية والزراعية ‏والغذائية وسواها يتطلب علاجات فورية تبدأ من خلالها خطوات إعادة الثقة تدريجياً بعيداً عن ‏سياسة تثبيت السعر بطريقة إصطناعية لا تؤدي عملياً سوى إلى تهريب العملات الصعبة واستنفاذ ‏ما تبقى من احتياطي لدى المصرف المركزي يفترض الحفاظ عليه لدعم القمح والطحين ‏والمشتقات النفطية وسواها من الضروريات وذلك في انتظار ضخ أموال طازجة جديدة الى ‏الإقتصاد الوطني.‏

كما أنه لم يعد مقبولاً استمرار الخسائر الفادحة في قطاع الكهرباء والإصرار غير المبرر ‏إقتصادياً أو هندسياً أو تقنياً على إقامة معمل سلعاتا الذي سيكبّد الخزينة مبالغ طائلة في الوقت الذي ‏صار مطلوباً أكثر من أي وقت مضى شد الأحزمة واتخاذ الخطوات الكفيلة بوضع حدٍ للهدر ‏المتمادي في هذا القطاع والإسراع في تشكيل الهيئة الناظمة للقطاع ومجلس إدارة مؤسسة كهرباء ‏لبنان بما يعزز الشفافية ويعطي إشارة لجدية الخطوات الإصلاحية.‏

إن الأفكار السياسية والاقتصادية الإصلاحية أعلاه تشكل منطلقات ضرورية وممراً إلزامياً ‏لإحداث التغيير المنتظر التي يتوق إليه الشعب اللبناني وهو شعب يستحق العيش بكرامة.‏