الوضع في لبنان "يخرج بسرعة عن السيطرة، كثر فقدوا عملهم وتبخرّت مدّخراتهم أمام أعينهم وخسروا منازلهم وبعض اللبنانيين الأكثر ضعفاً يواجهون خطر الموت بسبب الأزمة الاقتصادية"... تحذير أممي "فجّ وواقعي" يجسّد تعاظم الأخطار المحدقة بالبلد نقلته مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه أمس مقروناً بسلة واجبات لا تزال حكومة حسان دياب تتلكأ في القيام بها سواءً لناحية الشروع في تنفيذ "الإصلاحات العاجلة "أو لجهة الاستجابة "لاحتياجات الشعب الأساسية على غرار الغذاء والكهرباء والصحة والتعليم". باشليه أحسّت عن بُعد بمعاناة اللبنانيين واستشعرت القهر الذي يعايشونه، ورئيس الحكومة لا يزال حائراً تائهاً بين بلاد الشرق والغرب، تارةً يُطلق الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله نفير "الاتجاه شرقاً" فيستنفر دياب السراي لعقد اجتماعات صينية وعراقية ويهجم على السفيرة الأميركية دوروثي شيا وكل البعثات الديبلوماسية الغربية والعربية، وتارة أخرى يُطلّ نصرالله مفسحاً المجال أمام التعاون مع الغرب فيعود دياب أدراجه من الشرق ويدير بوصلة اجتماعاته باتجاه الغرب مشرّعاً أبواب السراي للسفيرة الأميركية ومنظّراً أمامها في سياسة مدّ الجسور بين الشرق والغرب. لكن على قاعدة إذا "حضر الأصيل بطل الوكيل"، كانت رسالة "حزب الله" واضحة ميدانياً في الصباح بهجمة مناصريه على مقر السفارة الأميركية في عوكر، وإخبارياً في الليل عبر تشبيه "المنار" حركة شيا بحركة الوباء في لبنان. فعن أي "جسور" تتحدث دولة الرئيس؟
أما عربياً، فاسترعت الانتباه رسالة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بعد طول انقطاع عربي عن التواصل مع الرئاسة الأولى، وإذ جاء تناقل دوائر السلطة خبر تلقي هذه الرسالة باعتبارها تندرج ضمن سلسلة الأنباء التي تتحدث عن إحداث خرق في الموقف العربي تجاه عهد عون وحكومة دياب إلى جانب جملة من المعلومات التي يصار إلى ضخها في الإعلام عن مساعدات مالية كويتية وقطرية وشيكة في طريقها إلى الخزينة العامة، تبيّن بحسب ما كشفت مصادر ديبلوماسية لـ"نداء الوطن" أنّ رسالة السيسي "أتت بعد تلقيه قبل قرابة الشهرين، في أيار الماضي، رسالة من عون تمنى عليه فيها أن تلعب مصر دوراً في دعم لبنان ومساعدته في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها، فوصله الرد الرئاسي المصري أمس على شكل "نصيحة" من دون أن يؤشر ذلك إلى وجود أي مبادرة مصرية باتجاه لبنان في الوقت الراهن"، موضحةً أنه "في حين لا يزال موقف مصر الثابت على ما هو عليه لناحية تأكيد الدعم للبنان والحرص على استقراره، أتت نصيحة السيسي لعون لتتمحور في جوهرها حول التشديد على نقطتين أساسيتين لا يمكن التغاضي عنهما في معالجة الأزمة اللبنانية، النقطة الأولى تؤكد وجوب قيام اللبنانيين أنفسهم بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منهم والإسراع في التجاوب مع متطلبات صندوق النقد الدولي، والنقطة الثانية تركّز على ضرورة التزام لبنان قرار "النأي بالنفس" عن صراعات المنطقة والمحاور".
ورداً على سؤال، أكدت المصادر أنّ "الموقف المصري لا يختلف في أبعاده الاستراتيجية عن الموقف الخليجي والعربي تجاه لبنان، لكن مع تسجيل بعض التمايزات الشكلية لناحية محاولة إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع مختلف الأطراف اللبنانيين بهدف حثهم على إنقاذ وطنهم"، مشيرةً إلى أنّ "مصر كانت على الدوام حريصة على تنبيه المسؤولين اللبنانيين إلى ضرورة المبادرة لتلافي الانهيار الاقتصادي ووقف الهدر في مختلف القطاعات لا سيما في قطاع الكهرباء". واستذكرت في هذا المجال "مجريات اجتماع مجلس الأعمال المصري – اللبناني في بيروت عام 2018 حين توجّه رئيس الوفد المصري المهندس أحمد السويدي (شارك في حل مشكلة الكهرباء في مصر بالتعاون مع شركة "سيمنز") إلى الجانب اللبناني بالقول: مشكلة الكهرباء في لبنان يمكن حلها في أقل من عام مع تثبيت تكلفة الكهرباء عند مستوى لا يتجاوز في حده الأقصى نصف ما يدفعه المواطن اللبناني راهناً بين فاتورة الدولة وفاتورة المولدات"، وأردفت: "لكن للأسف لا شيء حصل منذ ذلك الوقت وبقي هذا القطاع يستنزف الخزينة حتى وقع اللبنانيون في أزمتهم الراهنة".
وبالأمس، وُضع ملف قطاع الكهرباء على طاولة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في جلسة خُصّصت للتباحث في الإجراءات التي ستتخذها الحكومة اللبنانية لإصلاح القطاع، فكان لوفد الصندوق "لائحة كبيرة من الاسئلة والاستفسارات" حيال هذا الملف، وفق ما نقلت مصادر المجتمعين لـ"نداء الوطن"، موضحةً أنه "وبعد الثناء على تحريك عجلة الإجراءات الواجب اتخاذها مع اتخاذ قرار تعيين مجلس إدارة جديد لكهرباء لبنان، غير أنّ الوفد الدولي كان واضحاً في وصف هذا القرار بـ"الخطوة الناقصة" التي يجب استكمالها واستتباعها بخطوات جريئة، وتوقف مفاوضو صندوق النقد بشكل رئيسي عند مسألة تعيين الهيئة الناظمة وسألوا عن مبررات التأخير في تشكيلها، بالتوازي مع الاستفسار كذلك عن ماهية التعديلات التي ينوي رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل إدخالها على هذه الهيئة وصلاحياتها مع التركيز في هذا المجال على القانون 462 الناظم لقطاع الكهرباء وما هو مطروح للتعديل عليه".
وإذ كان لافتاً للانتباه أنّ "وفد الصندوق الدولي بدا ملماً بأدق التفاصيل المتصلة بملف الكهرباء"، تضيف المصادر: "طرحوا أسئلة جد محورية سواءً حول خطة وزارة الطاقة أو حيال توجهات الحكومة وبرنامجها لتنفيذ ما هو مطلوب منها لخفض عجز الكهرباء، فضلاً عن إثارة عدة نقاط أخرى متعلقة بمختلف جوانب الاصلاحات المنتظرة". وختمت: "سمعنا كلاماً خلال الاجتماع مفاده أنّ الصندوق لم يعد يؤمن بالكلام والوعود بل يريد أن يرى أفعالاً ولا شيء سوى الأفعال"، وفي نهاية النقاش تم الاتفاق على عقد اجتماع جديد الأسبوع المقبل "لاستكمال النقاش واستعراض المراحل التي وصلت إليها الحكومة في مسيرة إصلاح الكهرباء".
نداء الوطن