كتب عوني الكعكي:
في نهاية عهد الرئيس أمين الجميّل في ٢٢ أيلول عام ١٩٨٨، وعندما لم يستطع إقناع السوريين بالتمديد أو التجديد له، ونكاية بهم، عيّـن قائد الجيش اللبناني يومذاك الجنرال ميشال عون رئيس حكومة لها مهمة واحدة هي التحضير لانتخابات رئاسة الجمهورية.
فعل الجنرال عون كل شيء، لكنه نسي أو تناسى المهمة الأساسية، التي كلّف بها، وبقي في قصر بعبدا رافضاً كل العروض التي عرضت عليه اثناء انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في «الطائف».
ومنذ ذلك اليوم، وهو يرفض «اتفاق الطائف»، عارضه علانية، حتى وصلت الأمور الى عملية عسكرية سورية - لبنانية، بعد رفضه ترك قصر بعبدا. بعد انتخاب الرئيس المغفور له الياس الهراوي دخلت القوات السورية قصر بعبدا في ١٣ تشرين الأول عام ١٩٩٠، ودخلت وزارة الدفاع اللبنانية، لأول مرة في تاريخ لبنان، وهرب الرئيس ميشال عون الى السفارة الفرنسية في الحازمية وبقي هناك حتى أُبعد الى فرنسا.
وفي ٧ آب ٢٠٠٥ عاد الى بيروت ضمن اتفاق بين الرئيس إميل لحود، الذي أرسل اللواء جميل السيّد مدير الأمن العام يومذاك ومعه ابن الرئيس اميل اميل لحود.
عاد عون كما أشرنا وخاض الانتخابات وحقق نتائج جيدة، كما يقول وليد جنبلاط شبهها يومها الزعيم الدرزي بـ»تسونامي» على كل حال إن ما جرى جرى.
فاجأ الدكتور سمير جعجع الجميع بالاتفاق مع التيار الوطني الحر بما سمّي «اتفاق معراب»، هذا الاتفاق دفع الرئيس سعد الحريري الى تبنّيه لأنّ هذا الاتفاق هو بين أكبر زعيمين مسيحيين ويجب أن يرى النور خصوصاً أنّ هذا الاستحقاق هو استحقاق مسيحي.
اتفاق الدكتور جعجع وموافقة الرئيس الحريري أوصلا ميشال عون الى الرئاسة... الجميع كان يراهن على أنّ الرئيس ميشال عون سوف ينقذ البلاد، ويضع حداً للسلاح الموجود بيد فئة واحدة، لا تلتزم بقرارات الدولة. ولكن ومنذ وصول عون الى الرئاسة كان همّه الوحيد القضاء على «الطائف».
وها هو ذا يلجأ اليوم، للطعن أمام المجلس الدستوري بآلية التعيينات... فبرزت حالة مستجدّة تكاد تقلب المفاهيم التشريعية رأساً على عقب، إذ ما كاد مجلس النواب يقرّ قانون التعيينات الادارية حتى كان جبران باسيل يهدّد ويتوعّد بالطعن به كونه، ومن وجهة نظره، يمسّ بالدستور بينما كان الأجدر الذهاب الى قانون تنظيم أعمال مجلس الوزراء وعدم الإكتفاء دوماً بأنّ الشعب محتار بين الحريق والغريق الاقتصادي والصحّي.
فما إن صدر القانون رقم ٧ تاريخ ٣ تموز ٢٠٢٠ والذي نشر في ملحق عدد الجريدة الرسمية الرقم ٢٨ الصادر بالتاريخ نفسه بدون توقيع رئيس الجمهورية، حتى بادر فخامته الى تقديم طعن به أمام المجلس الدستوري طالباً قبول المراجعة شكلاً، وإصدار القرار بتعليق مفعول القانون المطعون فيه، وفي الأساس إبطال القانون المطعون فيه كلياً لعدم دستوريته ولمخالفته أحكام المواد ٥٤ و٦٥ و٦٦ من الدستور.
للوهلة الأولى يظهر للرأي العام أنّ فخامته استعمل حقّه الدستوري وقام بالطعن وفقاً للأصول، ولكن إذا بحثنا في أبعاد الطعن ومن وراءه لتبيّـن البُعد الخطير من وراء الطعن، جوسران القصر (جوسران هو من كبار القانونيين) حضّر الطعن وصهر القصر هدّد طالباً النتائج، وبدلاً من تقديم الطعن موقعاً من عشرة نوّاب كان له ما كان في غرائب العصر والأوان. وبدلاً من استعمال الرئيس لصلاحيته الدستورية بإعادة القانون الى المجلس النيابي لإعادة درسه بعد وضع ملاحظاته امتطى فرس الطعن مجهزاً بسلطان القصر وصهر الزمان والمكان وبوقت كلمح البصر صدر القرار بتعليق العمل بالقانون المطعون فيه لحين إصدار القرار بالأساس.
دعونا لا نتلهّى بمراسيم الطعن وننظر الى الأبعاد القانونية والسياسية فنحن أمام نهج جديد قد نستولد من خلاله فقهاً دستورياً سيطيح بـ»الطائف» ودستوره وتوازن السلطات الثلاث. وسنجد أنفسنا أمام سلطة تشريعية عاجزة عن إصدار القوانين. كما سنرى سلطة قضائية غير قادرة على إصدار تشكيلات، وسيدخل عباس بدباس ونصبح أمام سلطة رئاسيّة مباشرة كنظيراتها في بقيّة الدول العربية ودول الغرب.
وهنا تبرز بعض التساؤلات المبرّرة: لماذا لم يستعمل فخامته حقّه الدستوري بإعادة القانون الى المجلس النيابي لإعادة النظر فيه؟ لماذا لم تتقدّم كتلة جبران القويّة بالطعن بدستورية هذا القانون؟ لماذا استعجل المجلس الدستوري بوقف نفاذ القانون وتعليق العمل به؟ تساؤلات قد يجد لها البعض تحليلات تبريرية وسياسية وديماغوجية.
لكن الواقع الافتراضي غير الواقع الحقيقي. نحن الآن أمام إلتفاف واضح على سلطة مجلس النواب، ملوّحين بعصا المجلس الدستوري، ويا له من إلتفاف بخفايا الوعد الصادق! وبصدق المراقب. حذار من تسييس المجلس الدستوري الذي نحترم ونجلّ جلّ أعضائه.
حذار الإخلال بتوازن السلطات.
حذار التسليم لجيش المستشارين تحت مفهوم عبارة (فيها إن).
حذار من نسف دستور «الطائف» من خلال مسمّيات نيو دستورية طعنيّة غب الطلب، وطمعاً بالمكاسب السياسية.
اللهمّ إنّي بلّغت، اللهمّ فاشهد.