المصدر: "نداء الوطن"
على وقع ما كتبته صحيفة "لوفيغارو" تحت عنوان "لبنان الهبوط نحو الجحيم"، وفي ظل تربّع الدولة اللبنانية على المركز الأول بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مستوى ما سجلته من تضخم مفرط "Hyperinflation" خلال السنة الأخيرة... أتت زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان إلى بيروت لتضع الإصبع على الجرح اللبناني النازف ولتكشف عورات الطبقة الحاكمة وتفضح زيف ادعاءاتها و"إنجازاتها" الإصلاحية المزعومة لا سيما في قطاع الكهرباء الذي رأى في ما اتخذته الحكومة من إجراءات بشأنه مؤشراً "غير مشجع". بصريح العبارة، "بهدل" لودريان أهل السلطة ولم يتوانَ عن "المجاهرة بتحميلهم وزر الانهيار الحاصل والمسؤولية المباشرة عما وصله إليه لبنان جراء تعمدهم تأخير الإصلاحات الإنقاذية المطلوبة"، وفق ما لاحظت مصادر مواكبة لجولة الضيف الفرنسي وما تضمّنتها من "مواقف ورسائل فرنسية حازمة تتمحور في جوهرها حول فكرتين أساسيتين، الأولى سياسية تؤكد رهن المساعدات بالإصلاحات، والثانية سيادية تشدد على ربط الحياد بالسيادة الوطنية، على قاعدة لا سيادة من دون حياد".
فبالتوازي مع تحوّل طرح الحياد إلى مطلب كل المرجعيات الروحية المسيحية في البلد باعتباره "مشروع سلام لا حرب لأنّ لبنان غير قادر على البقاء رهينة التجاذبات والمشاريع الخارجية" حسبما جاء في بيان قمة الديمان أمس، أضفى دعم فرنسا لهذا الطرح الذي يرفع رايته البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي بُعداً جديداً منح الحياد اللبناني ثقلاً دولياً مرجحاً لضرورة النأي بلبنان عن صراعات الإقليم ومحاوره، انطلاقاً من الحاجة إلى عودة هذه الخاصية اللبنانية التاريخية بما تقتضيه من إعادة "إحياء نظام الحياد وقيام دولة قوية بمؤسساتها وجيشها لتتمكن من حل القضايا الداخلية العالقة والدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله" بحسب ما لفت الراعي أمام الوزير الفرنسي، الذي عبّر بدوره عن تقدير بلاده لهذه المبادرة "لا سيّما وأنّ سيادة لبنان التي تتمسك بها فرنسا تستلزم ان يكون لبنان بلدًا محايدًا بعيدًا عن الصراعات والمحاور".
أما في الشق السياسي من الزيارة، وبغض النظر عن المحاولات الرئاسية الممجوجة للتنصل أمام وزير الخارجية الفرنسية من مسؤولية الفشل في إدارة البلد سواءً عبر توجيه إصبع الاتهام إلى الآخرين بعرقلة الإصلاح أو من خلال التلويح بـ"فزاعة" النازحين، فلخّص لودريان محصلة جولته على الرؤساء الثلاثة من منبر "قصر بسترس" بالتأكيد على استمرار رعاية "الأم الحنون" للبلد وأبنائه مقابل تأنيبها القيّمين على شؤون الحكم فيه لأنهم لم يكونوا على قدر المسؤولية في رعاية الشعب اللبناني في "هذا الوقت الحرج" لتخفيف عواقب الأزمة الاقتصادية عنه، معرباً عن أسفه لكون السلطة السياسية "لم تسمع حتى الآن نداء اللبنانيين الذين عبروا من خلال التظاهرات عن توقهم للتغيير والشفافية ومكافحة الفساد"، ليخلص إلى وضع العهد والحكومة والمجلس النيابي أمام معادلة لا بديل عنها لخروج لبنان من محنته: "الإصلاحات والمفاوضات مع صندوق النقد ومكافحة التهريب وإصلاح الكهرباء"، لافتاً الانتباه إلى أنه حمل معه "رسالة مزدوجة" تشدد "أولاً" على وجوب تطبيق الإصلاحات للاستفادة من مقررات "سيدر"، وثانياً على وقوف فرنسا إلى جانب الشعب اللبناني لمواجهة التحديات.
وبالأمس، بات الضيف الفرنسي ليلته الأولى في بيروت على صدى عودة الاحتدام إلى طاولة الكباش الدائر بين الحكومة والمصارف حول الورقة المالية الإصلاحية الجاري إعدادها بالتنسيق مع شركة لازارد تمهيداً لتقديمها إلى صندوق النقد الدولي. إذ وبعدما طغت موجة من التسريبات الإعلامية ليلاً على شريط الأحداث تفيد باتجاه جمعية المصارف إلى إعلان انسحابها من المفاوضات مع وزارة المال و"لازارد" اعتراضاً على إصرار الأخيرة على فرض مبدأ "الهيركات"، أعادت الجمعية تصويب الموقف في بيان رسمي أصدرته قبيل منتصف الليل نفت فيه صدور أي موقف منها بهذا الخصوص، غير أنها لم تنف واقعة الإشكال الحاصل خلال اجتماع وزارة المال أمس، مبديةً "استهجانها لكون الأجواء التي سادت هذا الاجتماع أعادت الأمور إلى نقطة الصفر بحيث أنها لا تشجع على المضي قدماً نحو تفاهم الأطراف المعنية على تصوّر موحد وناجع للمخارج الممكنة من الأزمة الراهنة". الأمر الذي وضعه خبراء اقتصاديون لـ"نداء الوطن" في إطار نفي الانسحاب والتلويح به في الوقت نفسه من جانب جمعية المصارف رداً على عودة الحكومة إلى السياسة الأحادية في التعاطي مع الحلول المالية المطروحة مقابل تهميش تصور المصارف إزاء الخيارات المتاحة على بساط البحث.
وإذ أفيد بأنّ اجتماعاً حاسماً سيعقد اليوم في وزارة المال بحضور جمعية المصارف لاستئناف المناقشات، تشير المعطيات المتقاطعة إلى أنّ مسألة "الهيركات" ستكون هي الطبق الدسم على طاولة الاجتماع ربطاً بالتجاذب الحاصل بين الأطراف المعنية حيالها، وسط تأكيدات مصرفية بأنّ هذه المسألة مرفوضة مبدئياً والانسحاب من المفاوضات الحكومية سيبقى وارداً وإن لم يكن هدفاً بحد ذاته، على أن تتقرر الاتجاهات التي ستسلكها الأمور خلال الساعات المقبلة في ضوء ما ستخلص إليه المناقشات ربطاً بالإجابة المرتقبة على سؤال محوري: هل يكون "الهيركات" ضمن الخطة المالية أو لا يكون؟