قفا نحك
يقول كتاب استقالة وزير الخارجية الدكتور ناصيف حتي أكثر مما في نصه. إنه يعلن إفلاس العهد، والصِغر (بكسر الصاد) الذي يكتنف ممارساته. يقول: "لبنان اليوم ليس لبنان الذي أحببناه وأردناه منارة ونموذجاً وهو "ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة"، والطبقة السياسية تلكأت في "حماية هذا الوطن وصيانة أمنه المجتمعي" ويقر "بغياب رؤية لبنان وطنا حراً مستقلا فاعلا، مشعا في بيئته العربية والعالم"، ويدين في وضوح " غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب، وإيلاء المواطن والوطن الأولوية على كافة الإعتبارات، والتباينات والإتقسامات، والخصوصيات".
ماعدّده الوزير المستقيل، هو ما يفتقده عهد "الإصلاح والتغيير"، وفي الطليعة "عقول خلّاقة، ورؤية واضحة، ونيّات صادقة، وثقافة مؤسسات، وسيادة دولة القانون والمساءلة والشفافية... ومنطق العمل عند رب عمل واحد اسمه لبنان" وليس "أرباب عمل ومصالح متناقضة".
يعرّي كتاب استقالة حتّي العهد، ويقدم عناوين استراتيجية لإنقاذ لبنان المشتت بين الأزمة المالية وجائحة "كورونا"، وخنوع الدولة للتعايش مع هيمنة اللاشرعية، وإمرتها الإيرانية. وهو يرسم، خطاً عند عتبة السنة الخامسة من الولاية الرئاسية، خلفه كل الآمال الزائفة، والوعود العرقوبية، وقدّامه تفاؤل بالآتي، مع رئاسة جديدة وجدية، يرسمها سمو الدستور والدولة.
لكن يسجّل للعهد العوني، لاسيما مع الحكومة الحالية، أنه أعطى اللبنانيين دروسا وعبرا لا تنسى، أولها أن من يصلح لقيادة معارضة، شعبوية غوغائية، لا يصلح لإدارة الشأن العام من موقع صاحب القرار في بناء الدولة. ثانيا، أن منقذ لبنان، في أي ظرف، ليس رئيس الجمهورية، واستطرادا، ليس رئيسا مجلسي النواب والوزراء، بل الدستور وتطبيق القوانين، لأنها ملجأ كل حق وصواب. الثالث أن عهود الأباطرة ولّت، وأن لا أحد يستطيع أن ينسب الزمن إلى شخصه، ولو روج زبانيته ومعاونوه صفات له لم يرها فيه غيرهم، كما تنسب أم إلى طفلها كل صفات الذكاء والجمال و"الهضامة"، فيما هو منها براء. الرابع والأهم، أن ما أتت به "حكومة التكنوقراط" من "معجزات" يجعل العودة إلى "نسلها" كريها،. الخامس والأهم أن ما أضفاه الرئيس العماد فؤاد شهاب من جدية في تجديد الدولة، وانتظام أعمالها أعطى، سلفا، لمن يأتي من اليرزة إلى بعبدا، هالة تقدير وإعجاب، لم يستحقها، بالقدر نفسه، ثلاثة أتوا من مدرسته، أولهم فرضته دمشق، مؤيّدة إقليميا ودوليا، فكان "يمشي على العجين وما يلخبطه"، فيما الثاني، وقد أتت به التوازنات ذاتها، ساير "8آذار" بداية حكمه، وماشى "14 آذار"، في ثلثه الأخير، أما الثالث فأتى به قول مكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" إذ حالف خصمه المعلن "حزب الله"، وداس معه الدستور والأعراف، كي يدخل بعبدا كلويس الرابع عشر صاحب الشعار الشهير أنا الدولة، وأنكر كل ما ساقه ضده في كل بقاع الأرض، بلا رفة جفن.
كتاب ناصيف حتي تعرية عهد وإشهار إفلاس معلن.
النهار - راشد فايد