منذ بداية الثورة السورية، وبدء عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على رموز النظام السوري، كان سعي نظام الأسد واضحاً في الالتفاف على العقوبات من خلال تأسيس شركات وهمية في عدد من الدول العربية والدول الأوروبية.
وتعرض "العربية.نت" في جزأين أهم معلومات حول سياسة تهريب الأموال من سوريا إلى الخارج، وعمليات غسيل الأموال عبر شركات وهمية أسسها مسؤولون ومقربون من عائلتي الأسد ومخلوف وشخصيات ومسؤولون بارزون في النظام.
البداية من الأسد "الأب"
سياسة الالتفاف على العقوبات لم تكن وليدة الثورة، ولم يكن الأسد الابن أول من ابتكرها كما يؤكد معارضون سوريون، بل هي سياسة انتهجها الأسد الأب منذ عام 1979 للالتفاف على عقوبات أوروبية وأميركية فرضت على نظامه، بحسب هؤلاء.
في هذا السياق، أكد المعارض السوري كمال اللبواني أن "النظام لجأ إلى الشركات المموهة في الداخل كي يخفي الفساد المنتشر بين كبار المسـؤولين، ثم في الخارج بعد أن توترت العلاقة بينه وبين دول عديدة، مثل تورطه في التخطيط لقتل رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، لذلك هو قطعاً يغطي نشاطاته المالية في الخارج بشركات واستثمارات مموهة، والعديد من رجال الأعمال السوريين في الخارج عبارة عن واجهات مالية لأشخاص في السلطة".
بدوره، أكد رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا أسامة قاضي للعربية.نت، أن النظام السوري "يستطيع بسهولة إنشاء شركات وهمية داخل سوريا، للاحتيال على القانون بسبب غياب القضاء المستقل والإعلام الحر، ويقوم بأعماله هذه عن طريق شخصيات يمسك بحقهم بملفات إدانة للضغط عليهم والخلاص منهم في أي ظرف، والتهرب من الإعلام العالمي عندما يواجه المسؤولون بأسئلة عن الفساد حيث لا يوجد وثيقة تدينهم شخصياً".
أضاف "الشخصيات التي تلعب دور واجهات يحتمي بها النظام ورؤوس الفساد من أجل التضحية بهم لاحقا، وواقع المحاربة الإعلامية لرامي مخلوف من قبل النظام نفسه مؤخراً، أظهرت حجم تغلغل منظومة رامي في مفاصل الاقتصاد السوري من مرافئ وأسواق حرة في المطارات والموانئ وبنوك وغيره، تلبية لطلبات على الأغلب روسية، حيث سلطت صحيفة البرافدا في 14 أبريل 2020 الأضواء على النظام خاصة رامي مخلوف ومحمد حمشو وماهر الأسد وقاطرجي وغيره".
تخليص مليارات باسل الأسد
إلى ذلك، قال اللبواني للعربية.نت" "لا ننسى حين مات باسل الأسد الشقيق الأكبر لبشار كيف تم تخليص عدة مليارات من الدولارات كان باسل أودعها في بنوك نمساوية بمساعدة نبيل الكزبري، ونادر قلعي الذي تقدم بعقد زواج مزور بين باسل وشقيقة نادر كي تتصرف الزوجة بمال زوجها".
كما أضاف "مهندس هذه الشركات الأول هو نادر قلعي منذ زمن باسل، ثم عمل مع رامي مخلوف، وبعد ذلك دخل عدد كبير من الشخصيات هذه اللعبة، وصار الأسد ومخلوف يُـشغلان عدداً ضخماً من المستثمرين حول العالم، منهم شركة صابر حمشو، وهو شريك ماهر الأسد شخصياً، وأيمن الأصفري في لندن الذي كان شريكاً لمحمد مخلوف (والد رامي) في بيع النفط السوري خارج الخزينة".
شركات وهمية في عدة دول
تعتمد الشخصيات الرئيسية لنظام الأسد على تأسيس شركات في دول وأماكن لا تفرض قيوداً على إنشاء الشركات، كجزر فيرجن البريطانية، ولبنان، وروسيا، وغالباً لا تسأل الدول عن مصدر تلك الأموال بغرض جذب المزيد من الأموال والاستثمارات إليها.
وأسس النظام السوري شركات خارج سوريا، وسجل مقربون منه حسابات مصرفية بأسماء واجهات ووكلاء للتهرب من القانون الدولي الخاص بغسيل الأموال، على سبيل المثال تم الكشف عام 2006 عن ربط ملف بنك HSBC الفردي لرامي مخلوف بـ 18 حسابًا مصرفيًا على الأقل مرتبطة بـ 14 حساب عميل، ستة منهم كانت حسابات مرقمة (بدون أسماء)، كان المالك المستفيد من ثلاثة منهم: Polter Investments Inc؛ Lorie Limited، التي تأسست عام 1999، وأغلقت في عام 2004، وDrex Technologies S.A، التي تم تسجيلها في لوكسمبورغ، وتم فرض عقوبات عليها في عام 2012 من قبل العديد من البلدان بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي.
في هذا الصدد، أكد الباحث الاقتصادي يونس كريم للعربية.نت أن "النظام وبهدف تجنب دفع الضرائب في الدول الأوروبية لجأ إلى شركات في جزر فيرجين، ومالديفيا، وبانكوك بتايلاند، ولبنان، وحقيقة عدة دول تقدم امتيازات بعدم تتبع نشاط الشركات وشخصية مالكيها، لذلك تشجع على افتتاح هذا النمط من الشركات بحيث لا يُسأل عن مصدر الأموال، ومن ثم تُستخدم تلك الشركات كواجهة لتبييض الأموال وتحويلها على أنها أموال قادمة من شركات حقيقية، وبالتالي تتحول إلى أموال بيضاء، أي أموال شرعية بعيدة عن شبهات الفساد".
عائلة مخلوف
تعتبر عائلة مخلوف من أكثر العائلات التي أسست شركات من نمط Offshore Company خارج سوريا للتهرب الضريبي والالتفاف على العقوبات المفروضة بحقها.
وتؤسس شركات Offshore Company أو شركات "خارج الحدود" وتُسجل في مركز مالي خارج حدود الوطن، لأغراض المزايا المالية والقانونية والضرائبية، و لأغراض غير مشروعة مثل غسيل الأموال، والتهرب الضريبي.
ولعلّ أبناء "محمد مخلوف" (خال بشار الأسد) هم أكثر من أسس تلك الشركات لتجنب العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على الأخوة الأربعة (رامي، إياد، إيهاب، حافظ)، بسبب دورهم الأمني في قمع انتفاضة الشعب السوري (حافظ، إياد)، ودعم النظام مالياً (رامي، إيهاب)، وتوزعت شركاتهم في بعض الدول العربية لاسيما لبنان، فضلا عن روسيا.
وأصدر الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ) في فبراير 2015، معلومات حول بعض الحسابات المصرفية في سويسرا تحت عنوان Swiss Leaks: Murky Cash Sheltered by Bank Secrecy ، بعضها في بنك HSBC وفرعه السويسري HSBC Private Bank.
وقد كشفت وثائق تغطي الفترة بين 1997 و2007 معاملات مالية للشركاء والشركات الأمامية العائدة لمخلوف في الملاذات الضريبية الخارجية بقيمة 43 مليون دولار.
وفي تقرير لصحيفة صنداي تايمز لعام 2012، زعم أن البنكين واصلا التعامل مع العائلة وإدارة حساباتهم على الرغم من العقوبات الأوروبية والأميركية. وكشفت وثائق مسربة من بنك HSBC الخاص أن محمد مخلوف قدم نفسه للبنك بصفته "الوكيل الحصري" في سوريا لشركة "فيليب موريس"، عملاق التبغ الأميركي، وكوكاكولا وميتسوبيشي.
رامي مخلوف أكبر "حيتان" الاقتصاد
عام 2006 قالت مجلة نيو ستيتسمن البريطانية "لا يمكن لأي شركة أجنبية القيام بأعمال تجارية في سوريا دون موافقة مخلوف ومشاركته"، ووصفته برقية سرية عام 2008 من السفارة الأميركية في دمشق نشرتها ويكيليكس بأنه "فتى الملصق للفساد في سوريا"، وفي نفس العام، منعت وزارة الخزانة الأميركية الشركات الأميركية من التعامل معه، قائلة إنه "جمع امبراطوريته التجارية من خلال استغلال علاقاته مع شخصيات النظام السوري واستخدام مسؤولي المخابرات السورية لترهيب منافسيه التجاريين".
في حين اعتبرت صحيفة الفاينانشال تايمز في أكتوبر 2019 أنه "قبل اندلاع الحرب في عام 2011، كان يُعتقد أن مخلوف يسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد السوري على الرغم من حقيقة أنه يخضع لعقوبات دولية منذ عام 2008".
في هذا الصدد يقول أسامة القاضي في تصريحه للعربية نت "كل شيء مباح في منظومة فساد عائلة الأسد، حيث كشفت الوثائق المسربة عن علاقة بين مخلوف ورجل الأعمال الإسرائيلي فريدي زينجر المقيم في مستوطنة كريات شمونة على الحدود مع لبنان، والذي خدم في الجيش الإسرائيلي بين عامي 1976 و1981 بمنصب مدير التطوير، وحصل على رتبة نقيب".
وبحسب القاضي "زينجر مرتبط بشركتين مملوكتين لمخلوف: Hoxim Lane Management Corp وCara Corporation، وهو مدير وشريك في عدد من شركات الأدوية، كذلك لديه حق الوصول إلى الحسابات المصرفية المملوكة للأشقاء الأربعة أبناء محمد مخلوف، كما تم تسجيل الأخوين مخلوف كـ "مالكين منتفعين" في حساب مشترك مسجل لفريدي زينجر وزوجته لوريا زينجر".
إلى ذلك، أشار رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا إلى أن "السجلات تظهر أيضًا أن نادين راكة، موظفة في HSBC، تم إدراجها كمديرة لهاتين الشركتين، وقد كانت مسؤولة عن محفظة البنك في إسرائيل من عام 2000 حتى عام 2012".
لا يمكن حصر الشركات الوهمية
إلى ذلك، رأى الباحث الاقتصادي يونس كريم أن "تهريب الأموال وتشغيلها في الخارج كثيراً ما كان يصطدم بعقبات إدارية وسياسية ومالية، فهؤلاء الأشخاص كانوا يهربون أموالا إلى الخارج تفوق ميزانيات دول في بعض الحالات، لذلك تمتنع عدة دول، ضمن قوانين حوكمة البنوك عن استقبال تلك الأموال رغم ضخامتها".
وقال: "أذكر هنا رفض النمسا وفرنسا في فترات متعددة إيداع مبالغ مالية لعدد من المسؤولين السوريين".
وتابع "حقيقة حصر عدد الشركات الوهمية وتاريخ تأسيسها صعب جداً لأنها عملية متبدلة، ويمكنني القول إن النظام اعتمد قبل الثورة على رجال أعمال سوريين في الخارج إما بالترغيب أو الترهيب، لتأسيس شركات وهمية، وخلال الثورة اعتمد رجال النظام على لبنان بالدرجة الأولى لتهريب الأموال وتأسيس شركات لأن القانون اللبناني يتيح إنشاء شركات في الخارج Offshore Company، وتتبع حركة الأموال المهربة صعب جداً لأنها تنتقل عبر أشخاص ووكلاء يتغيرون باستمرار".
العربية.نت