عرب وعالم

شركات وهمية.. تفاصيل بوابة الأسد للتهرب من العقوبات

تم النشر في 12 آب 2020 | 00:00

منذ بداية الثورة السورية، وبدء عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على رموز النظام ‏السوري، كان سعي نظام الأسد واضحاً في الالتفاف على العقوبات من خلال تأسيس شركات ‏وهمية في عدد من الدول العربية والدول الأوروبية‎.‎

وتعرض "العربية.نت" في جزأين أهم معلومات حول سياسة تهريب الأموال من سوريا إلى ‏الخارج، وعمليات غسيل الأموال عبر شركات وهمية أسسها مسؤولون ومقربون من عائلتي ‏الأسد ومخلوف وشخصيات ومسؤولون بارزون في النظام‎.‎

البداية من الأسد "الأب‎"‎

سياسة الالتفاف على العقوبات لم تكن وليدة الثورة، ولم يكن الأسد الابن أول من ابتكرها كما ‏يؤكد معارضون سوريون، بل هي سياسة انتهجها الأسد الأب منذ عام 1979 للالتفاف على ‏عقوبات أوروبية وأميركية فرضت على نظامه، بحسب هؤلاء‎.‎

في هذا السياق، أكد المعارض السوري كمال اللبواني أن "النظام لجأ إلى الشركات المموهة في ‏الداخل كي يخفي الفساد المنتشر بين كبار المسـؤولين، ثم في الخارج بعد أن توترت العلاقة بينه ‏وبين دول عديدة، مثل تورطه في التخطيط لقتل رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، ‏لذلك هو قطعاً يغطي نشاطاته المالية في الخارج بشركات واستثمارات مموهة، والعديد من رجال ‏الأعمال السوريين في الخارج عبارة عن واجهات مالية لأشخاص في السلطة‎".‎

بدوره، أكد رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا أسامة قاضي للعربية.نت، أن النظام السوري ‏‏"يستطيع بسهولة إنشاء شركات وهمية داخل سوريا، للاحتيال على القانون بسبب غياب القضاء ‏المستقل والإعلام الحر، ويقوم بأعماله هذه عن طريق شخصيات يمسك بحقهم بملفات إدانة ‏للضغط عليهم والخلاص منهم في أي ظرف، والتهرب من الإعلام العالمي عندما يواجه ‏المسؤولون بأسئلة عن الفساد حيث لا يوجد وثيقة تدينهم شخصياً‎".‎

أضاف "الشخصيات التي تلعب دور واجهات يحتمي بها النظام ورؤوس الفساد من أجل التضحية ‏بهم لاحقا، وواقع المحاربة الإعلامية لرامي مخلوف من قبل النظام نفسه مؤخراً، أظهرت حجم ‏تغلغل منظومة رامي في مفاصل الاقتصاد السوري من مرافئ وأسواق حرة في المطارات ‏والموانئ وبنوك وغيره، تلبية لطلبات على الأغلب روسية، حيث سلطت صحيفة البرافدا في 14 ‏أبريل 2020 الأضواء على النظام خاصة رامي مخلوف ومحمد حمشو وماهر الأسد وقاطرجي ‏وغيره‎".‎

تخليص مليارات باسل الأسد

إلى ذلك، قال اللبواني للعربية.نت" "لا ننسى حين مات باسل الأسد الشقيق الأكبر لبشار كيف تم ‏تخليص عدة مليارات من الدولارات كان باسل أودعها في بنوك نمساوية بمساعدة نبيل ‏الكزبري، ونادر قلعي الذي تقدم بعقد زواج مزور بين باسل وشقيقة نادر كي تتصرف الزوجة ‏بمال زوجها‎".‎

كما أضاف "مهندس هذه الشركات الأول هو نادر قلعي منذ زمن باسل، ثم عمل مع رامي ‏مخلوف، وبعد ذلك دخل عدد كبير من الشخصيات هذه اللعبة، وصار الأسد ومخلوف يُـشغلان ‏عدداً ضخماً من المستثمرين حول العالم، منهم شركة صابر حمشو، وهو شريك ماهر الأسد ‏شخصياً، وأيمن الأصفري في لندن الذي كان شريكاً لمحمد مخلوف (والد رامي) في بيع النفط ‏السوري خارج الخزينة‎".‎

شركات وهمية في عدة دول

تعتمد الشخصيات الرئيسية لنظام الأسد على تأسيس شركات في دول وأماكن لا تفرض قيوداً ‏على إنشاء الشركات، كجزر فيرجن البريطانية، ولبنان، وروسيا، وغالباً لا تسأل الدول عن ‏مصدر تلك الأموال بغرض جذب المزيد من الأموال والاستثمارات إليها‎.‎

وأسس النظام السوري شركات خارج سوريا، وسجل مقربون منه حسابات مصرفية بأسماء ‏واجهات ووكلاء للتهرب من القانون الدولي الخاص بغسيل الأموال، على سبيل المثال تم الكشف ‏عام 2006 عن ربط ملف بنك‎ HSBC ‎الفردي لرامي مخلوف بـ 18 حسابًا مصرفيًا على الأقل ‏مرتبطة بـ 14 حساب عميل، ستة منهم كانت حسابات مرقمة (بدون أسماء)، كان المالك ‏المستفيد من ثلاثة منهم‎: Polter Investments Inc‎؛‎ Lorie Limited، التي تأسست عام ‏‏1999، وأغلقت في عام 2004، وDrex Technologies S.A، التي تم تسجيلها في ‏لوكسمبورغ، وتم فرض عقوبات عليها في عام 2012 من قبل العديد من البلدان بما في ذلك ‏الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي‎.‎

في هذا الصدد، أكد الباحث الاقتصادي يونس كريم للعربية.نت أن "النظام وبهدف تجنب دفع ‏الضرائب في الدول الأوروبية لجأ إلى شركات في جزر فيرجين، ومالديفيا، وبانكوك بتايلاند، ‏ولبنان، وحقيقة عدة دول تقدم امتيازات بعدم تتبع نشاط الشركات وشخصية مالكيها، لذلك تشجع ‏على افتتاح هذا النمط من الشركات بحيث لا يُسأل عن مصدر الأموال، ومن ثم تُستخدم تلك ‏الشركات كواجهة لتبييض الأموال وتحويلها على أنها أموال قادمة من شركات حقيقية، وبالتالي ‏تتحول إلى أموال بيضاء، أي أموال شرعية بعيدة عن شبهات الفساد‎".‎

عائلة مخلوف

تعتبر عائلة مخلوف من أكثر العائلات التي أسست شركات من نمط‎ Offshore Company ‎خارج سوريا للتهرب الضريبي والالتفاف على العقوبات المفروضة بحقها‎.‎

وتؤسس شركات‎ Offshore Company ‎أو شركات "خارج الحدود" وتُسجل في مركز مالي ‏خارج حدود الوطن، لأغراض المزايا المالية والقانونية والضرائبية، و لأغراض غير مشروعة ‏مثل غسيل الأموال، والتهرب الضريبي‎.‎

ولعلّ أبناء "محمد مخلوف" (خال بشار الأسد) هم أكثر من أسس تلك الشركات لتجنب العقوبات ‏الأوروبية والأميركية المفروضة على الأخوة الأربعة (رامي، إياد، إيهاب، حافظ)، بسبب دورهم ‏الأمني في قمع انتفاضة الشعب السوري (حافظ، إياد)، ودعم النظام مالياً (رامي، إيهاب)، ‏وتوزعت شركاتهم في بعض الدول العربية لاسيما لبنان، فضلا عن روسيا‎.‎

وأصدر الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين‎ (ICIJ) ‎في فبراير 2015، معلومات حول بعض ‏الحسابات المصرفية في سويسرا تحت عنوان‎ Swiss Leaks: Murky Cash Sheltered by ‎Bank Secrecy ‎، بعضها في بنك‎ HSBC ‎وفرعه السويسري‎ HSBC Private Bank.‎

وقد كشفت وثائق تغطي الفترة بين 1997 و2007 معاملات مالية للشركاء والشركات الأمامية ‏العائدة لمخلوف في الملاذات الضريبية الخارجية بقيمة 43 مليون دولار‎.‎

وفي تقرير لصحيفة صنداي تايمز لعام 2012، زعم أن البنكين واصلا التعامل مع العائلة وإدارة ‏حساباتهم على الرغم من العقوبات الأوروبية والأميركية. وكشفت وثائق مسربة من بنك‎ HSBC ‎الخاص أن محمد مخلوف قدم نفسه للبنك بصفته "الوكيل الحصري" في سوريا لشركة "فيليب ‏موريس"، عملاق التبغ الأميركي، وكوكاكولا وميتسوبيشي‎.‎

رامي مخلوف أكبر "حيتان" الاقتصاد

عام 2006 قالت مجلة نيو ستيتسمن البريطانية "لا يمكن لأي شركة أجنبية القيام بأعمال تجارية ‏في سوريا دون موافقة مخلوف ومشاركته"، ووصفته برقية سرية عام 2008 من السفارة ‏الأميركية في دمشق نشرتها ويكيليكس بأنه "فتى الملصق للفساد في سوريا"، وفي نفس العام، ‏منعت وزارة الخزانة الأميركية الشركات الأميركية من التعامل معه، قائلة إنه "جمع امبراطوريته ‏التجارية من خلال استغلال علاقاته مع شخصيات النظام السوري واستخدام مسؤولي المخابرات ‏السورية لترهيب منافسيه التجاريين‎".‎

في حين اعتبرت صحيفة الفاينانشال تايمز في أكتوبر 2019 أنه "قبل اندلاع الحرب في عام ‏‏2011، كان يُعتقد أن مخلوف يسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد السوري على الرغم من ‏حقيقة أنه يخضع لعقوبات دولية منذ عام 2008‏‎".‎

في هذا الصدد يقول أسامة القاضي في تصريحه للعربية نت "كل شيء مباح في منظومة فساد ‏عائلة الأسد، حيث كشفت الوثائق المسربة عن علاقة بين مخلوف ورجل الأعمال الإسرائيلي ‏فريدي زينجر المقيم في مستوطنة كريات شمونة على الحدود مع لبنان، والذي خدم في الجيش ‏الإسرائيلي بين عامي 1976 و1981 بمنصب مدير التطوير، وحصل على رتبة نقيب‎".‎

وبحسب القاضي "زينجر مرتبط بشركتين مملوكتين لمخلوف‎: Hoxim Lane Management ‎Corp ‎وCara Corporation، وهو مدير وشريك في عدد من شركات الأدوية، كذلك لديه حق ‏الوصول إلى الحسابات المصرفية المملوكة للأشقاء الأربعة أبناء محمد مخلوف، كما تم تسجيل ‏الأخوين مخلوف كـ "مالكين منتفعين" في حساب مشترك مسجل لفريدي زينجر وزوجته لوريا ‏زينجر‎".‎

إلى ذلك، أشار رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا إلى أن "السجلات تظهر أيضًا أن نادين ‏راكة، موظفة في‎ HSBC، تم إدراجها كمديرة لهاتين الشركتين، وقد كانت مسؤولة عن محفظة ‏البنك في إسرائيل من عام 2000 حتى عام 2012‏‎".‎

لا يمكن حصر الشركات الوهمية

إلى ذلك، رأى الباحث الاقتصادي يونس كريم أن "تهريب الأموال وتشغيلها في الخارج كثيراً ما ‏كان يصطدم بعقبات إدارية وسياسية ومالية، فهؤلاء الأشخاص كانوا يهربون أموالا إلى الخارج ‏تفوق ميزانيات دول في بعض الحالات، لذلك تمتنع عدة دول، ضمن قوانين حوكمة البنوك عن ‏استقبال تلك الأموال رغم ضخامتها‎".‎

وقال: "أذكر هنا رفض النمسا وفرنسا في فترات متعددة إيداع مبالغ مالية لعدد من المسؤولين ‏السوريين‎".‎

وتابع "حقيقة حصر عدد الشركات الوهمية وتاريخ تأسيسها صعب جداً لأنها عملية متبدلة، ‏ويمكنني القول إن النظام اعتمد قبل الثورة على رجال أعمال سوريين في الخارج إما بالترغيب ‏أو الترهيب، لتأسيس شركات وهمية، وخلال الثورة اعتمد رجال النظام على لبنان بالدرجة ‏الأولى لتهريب الأموال وتأسيس شركات لأن القانون اللبناني يتيح إنشاء شركات في الخارج‎ ‎Offshore Company، وتتبع حركة الأموال المهربة صعب جداً لأنها تنتقل عبر أشخاص ‏ووكلاء يتغيرون باستمرار‎".‎



العربية.نت ‏