أخبار لبنان

"العدالة الدولية" تهزم الترهيب

تم النشر في 18 آب 2020 | 00:00

المصدر:"النهار"

‎تشاء المفارقات والمصادفات والظروف ان يتزامن تاريخ 18 آب 2020 مع حقبة خيالية في ‏التأزم الخانق الذي يعيشه لبنان على كل المستويات والصعد خصوصا بعد أسبوعين تحديدا ‏من الانفجار المزلزل الذي صنف كرابع اقوى انفجار عرفه العالم في مرفأ بيروت في الرابع ‏من آب الحالي والذي تسبب بإرجاء جلسة النطق بالحكم النهائي في قضية اغتيال الرئيس ‏الشهيد رفيق الحريري الى اليوم. ومع ان لبنان يقيم اليوم على واقع كارثي بكل ما للكلمة ‏من معنى ودلالات سواء في ما يتصل بالتداعيات المدمرة لانفجار 4 آب او في ما يتصل ‏بالموروث الهائل لانهياراته المالية والاقتصادية والاجتماعية او في ما يتصل أيضا وأيضا في ‏الانفجار الوبائي المتدحرج لفيروس كورونا الذي تحول اجتياحا مخيفا لمدن لبنان وبلداته ‏وقراه في كل المناطق. مع كل هذا فان الساعات الاتية ستضع لبنان امام منقلب تاريخي ‏غير مسبوق سواء اعترف بذلك المكابرون من هنا وهناك، ام ظلوا على سياسات النعامة ‏يغطون رؤوسهم بالرمال الحارقة.

الآتي هذا اليوم من مدينة لاهاي، عاصمة ومركز المحاكم ‏الدولية او ذات الطابع الدولي، هو الحكم الذي طال انتظاره في قضية العصر التي اطلقت ‏اشرس حرب اغتيالات عرفها لبنان في حروبه الداخلية او الحروب الخارجية عليه والتي ‏حصدت نخب الحركة السيادية والاستقلالية بمنهجية إجرامية قلما عرفها بلد في العالم الا ‏حيث الأنظمة الديكتاتورية العاتية تحت حكم الطغاة الدمويين. اليوم هو يوم احكام العدالة ‏الدولية في قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء الذين سحقوا وحرقوا وقتلوا ‏بأبشع الصور الاجرامية التي عرفتها جريمة اغتيال جماعية في العالم بل هي كانت مجزرة ‏إجرامية بكل معايير المجازر الوحشية. منذ مطالع الحرب في لبنان، كاد اللبنانيون يقعون ‏في لجة اليأس من العدالة المحلية بعدما فقدوا نخبا سياسية وزعماء ورجال سياسة وفكر ‏واعلام في حقبات مختلفة وأحيلت عشرات الجرائم على المجلس العدلي وعبثا ونادرا ما ‏انكشفت حقيقة او اعتقل قاتل او اقتيد مجرم الى السجن. لم تنكسر هذه الحلقة القاتمة في ‏تاريخ الجرائم السياسية والإغتيالات والتصفيات السوداء واستباحة دماء الخصوم ‏والمناضلين الا في تلك المعركة الطويلة المضنية التي خاضها المعسكر السيادي المتمثل ‏بثورة الأرز وانتفاضة 14 آذار عقب انطلاق حرب الاغتيالات ومحاولات الاغتيال وزلزال ‏اغتيال الرئيس رفيق الحريري بحيث صار انشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الحدث ‏المنقلب الأكبر في مجريات الحدث اللبناني داخليا وامميا بانتزاع حق وإنجاز انشاء هذه ‏المحكمة الدولية الأولى ذات الاختصاص الحصري بجرائم الإرهاب وإحالة جريمة اغتيال ‏الحريري عليها والجرائم المترابطة ضمن اطار زمني يبدأ بمحاولة اغتيال مروان حمادة ويمتد ‏حتى جريمة اغتيال الشهيد جبران تويني. بين 14 شباط 2005 تاريخ اغتيال الحريري الى 18 ‏آب 2020 سيقيم الحكم الذي ستلفظه المحكمة الخاصة بلبنان اليوم جدارا فاصلا بكل ‏المعايير التاريخية بين عصر الإفلات من العقاب وفجر عصر المحاسبة والعقاب المشروع ‏والعدالة التي ستلف حقائقها الساطعة الحاسمة غير الخاضعة لاي معيار غير معيار الحقائق ‏العلمية مهما شكك المدانون ومن حركهم ومن دفعهم ومن امرهم ومن تواطؤ على السلم ‏الأهلي والاستقرار والاعمار والتطور اللبناني عبرهم سواء لأهداف ذاتية ام تبعا لاهداف ‏تآمرية خارجية. اليوم ومهما تفنن المشككون في حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ‏وزعموا انه صناعة عدوة سيكون تاريخ نهاية عصر الترهيب الذي يتوسل التصفية الجسدية ‏والشخصية الاجرامية وسيلة لفض النزاعات السياسية واثارة الفتن النائمة واشعال ‏الحساسيات الطائفية والمذهبية بلوغا الى تقويض الأمان الاجتماعي والأمني..

كل ذلك ‏تحت ستار لغة مزدوجة تزعم الحرص على السلم الأهلي والاستقرار وتجنب كل ما من شأنه ‏اثارة الفتن! أيا تكن ردود الفعل الداخلية والخارجية المرحبة او الرافضة او المتحفظة او الـ ‏‏"ما بين بين " على الحكم الذي ستصدره "محكمة الحريري" كما صارت موصوفة في الاعلام ‏العالمي منذ إنشائها فليس هذا حدثا يتكرر ان يصدر حكم بأعلى مواصفات التحقيقات ‏والمحاكمات الأعرق في الاحتراف القضائي في هذه القضية بما يفتح الباب على الغارب ‏امام الامال المعلقة على استكمال سلسلة المحاكمات في القضايا المترابطة. لذا سيكون ‏لبنان بأسره مشدودا اليوم الى متابعة وقائع لفظ الحكم في قضية اغتيال الحريري باعتباره ‏يوم العدالة الدولية التي لا نقول انها ستثأر لدماء الحريري ورفاقه الشهداء الذين سقطوا ‏بتفجير طن ونصف الطن من المتفجرات بل ستحقق حكم العدالة في الجناة والمدانين ‏وترفع هذا الحكم علامة بدء العد العكسي لتسوأ عصور الاستباحة الدموية في فض ‏النزاعات‎.‎

‎ ‎

المحكمة والتحقيق الدولي


يصادف ان يصدر حكم الحريري اليوم في عز الجدل الصاعد في لبنان وخارجه حول ‏المطالبة اللبنانية المتسعة والكاسحة بتحقيق دولي أيضا في زلزال 4 آب الذي قضى على ‏نحو 200 شهيد لبناني وحول ايام لبنان في الأسبوعين الأخيرين مأتما قاتما لعشرات الشهداء ‏والشباب الامر الذي سيحتم اكثر فاكثر إلحاح المضي في هذا المطلب نظرا للانهيار التام ‏الناجز النهائي للثقة بالسلطات المحلية مهما تفننت الان في محاولة احتواء اكبر غضبة ‏لبنانية حيال مسؤولية هذه السلطة عن الانفجار المخيف وما تركه من خسائر مرعبة بشرية ‏ومادية ومعنوية. ولم يكن ينقص اهل السلطة من إدانات متراكمة سوى تغريدة المنسق ‏الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش مساء امس اذ كتب كاشفا انه "بقلق شديد ‏بحث اليوم (امس) سفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان الازمة المتفاقمة في البلاد ‏والتحذيرات الصارمة التي وجهها زوار رفيعو المستوى للسلطات والقادة السياسيين الذين ‏جاءت اغلب ردود افعالهم مخيبة للآمال‎ ".‎

‎ ‎

بين الحريري والحزب

اما من الناحية السياسية والوطنية وأيضا من زاوية الحق الشخصي الشرعي في تحصيل ‏العدالة واحقاق الحق ولو بعد 15 عاما من الجريمة المجزرة فان الأنظار ستتجه الى مضمون ‏البيان المهم الذي سيلقيه الرئيس سعد الحريري عقب صدور الحكم والذي سيتضمن ‏موقف الحريري الابن من نتائج الحكم على المتهمين الأربعة من "حزب الله" باغتيال والده ‏علما ان الحريري وصل امس الى لاهاي مع وفد يضم عددا من الأصدقاء والمستشارين ‏وأقرباء بعض الضحايا. واذا كان موقف "حزب الله" معروفا بتشكيكه بالحكم سلفا بل بعدم ‏اعترافه بالمحكمة فان ذلك لا يعني اطلاقا تجاهل الزلزال الذي سيفتحه الحكم في وجه ‏الحزب اذا جاء بإدانة عناصره الأربعة وسط ظروف تضعه في عين العاصفة القضائية ‏الدولية كما في عين عواصف أخرى. ومع ان الثابت عشية صدور الحكم ان لا الحريري ولا ‏الحزب يذهبان في اتجاه اذكاء مناخ فتنوي فان ذلك لن يقلل اطلاقا الأهمية الكبيرة لتأثير ‏صدور الحكم على مجريات الوقائع الصعبة التي يجتازها لبنان بدءا باستحقاق تلقي الحكم ‏وتردداته ومرور كل ذلك باستحقاق تشكيل الحكومة الجديدة وما بعدها‎