المصدر: "النهار"
اذا قيست الاستشارات النيابية الملزمة التي حددت رئاسة الجمهورية مواعيدها يوم الاثنين المقبل بالمسافة الزمنية القصيرة المتبقية أمامها، فيمكن القول قبل يومين من إجرائها انها من اكثر الاستشارات اثارة للغموض والتشويش والشكوك، ما لم تطرأ حتى صباح الاثنين تطورات نوعية او مفاجئة. ذلك ان تحديد مواعيد الاستشارات الاثنين المقبل كما كان متوقعا لم يقترن بمعطيات أخرى كافية للجزم بان هذا الاجراء الدستوري الذي جرى تأخيره الى حدود الاضطرار القسري أخيرا الى اتخاذه تحت وطأة الزيارة الثانية التي سيبدأها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت مساء اليوم نفسه، سينتهي الى النهاية الطبيعية بتكليف شخصية سياسية سنية تأليف الحكومة الجديدة. اقله هذا ما اوحت به المعطيات والمعلومات المتصلة بمجمل التحركات والاتصالات والمشاورات المحمومة التي تجرى منذ أيام والتي تصاعدت بقوة امس مع اقتراب العد التنازلي للاستشارات من نهايته بما يملي حسم المواقف السياسية والنيابية من تسمية الرئيس المكلف. وإذ سابقت الأجواء الضبابية الاستعدادات الجارية للاستشارات قبل ظهر الاثنين كما لوصول الرئيس الفرنسي مساء الاثنين، بدا التعويل على حركة بيت الوسط ولا سيما لجهة رصد موقف "كتلة المستقبل" كما موقف رؤساء الحكومات السابقين الأربعة سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام كمحور دافع أساسي لاستحقاق التكليف ثم التأليف بما عكس تطورا بارزا يبدو ان الأسابيع الأخيرة قد افضت الى تثبيته. هذا التطور تمثل في انطباع سياسي واسع بان معظم القوى السياسية والكتل النيابية قد تسلم بالاسم الذي قد يطرحه الفريق الأقوى تمثيلا للسنة أي "كتلة المستقبل" ورؤساء الحكومات السابقين، ولم يدل على ترجمة هذا الانطباع من تعمد ادراج دوائر البروتوكول في قصر بعبدا موعد "كتلة المستقبل" في مقدم الكتل بعد أدوار رؤساء الحكومة السابقين بما يعني ان مواقف الكتل الأخرى ستتحدد في ظل موقف الفريق السني الأقوى تمثيلا. ولذا اتخذت السيناريوات التي طرحت لنتائج الاستشارات طابعا معقدا وغامضا بعدما انتهى اجتماع رؤساء الحكومة السابقين الأربعة مساء امس في بيت الوسط الى إبقاء مشاوراتهم مفتوحة وعدم تسمية أي مرشح للتكليف بعد وترك الامر لموعد الاستشارات حصرا. وإذ جرى التأكد من ان أي تسمية لم تحسم بعد ظل اسم الرئيس سعد الحريري من دون منازع كمرشح وحيد من جهات خارجية ابرزها فرنسا وداخلية باعتباره رجل المرحلة المؤهل للاستجابة لمتطلبات المرحلة الإصلاحية داخليا وتوفير غطاء الدعم الدولي للبنان. ولكن ذلك لم يكفل المعطيات الكافية لتبديد الغموض المحيط بيوم الاستشارات خصوصا ان ثمة سيناريو سلبي اثير حيال امكان الا يسمي الفريق السني الأكثر تمثيلا أي مرشح فيتبعه فريق 8 آذار ويمتنع عن التسمية الامر الذي قد يطيح الاستشارات ويدفع نحو تحديد مواعيد أخرى لها لاحقا. ويبدو واضحا ان أي معطيات واضحة لن تبرز قبل مساء الاحد او صباح الاثنين علما ان الرئيس الحريري لم يكن حتى البارحة في وارد تسمية أي مرشح. وفي الوقت نفسه بدا مؤكدا ان الثنائي الشيعي يتجه الى تأييد ترشيح الحريري اذا سماه الفريق السني الأكثر تمثيلا علما ان الخليلين كانا ابلغا النائب جبران باسيل بهذا القرار .
ماكرون : التحضيرات والتحذيرات
وسط هذا الغموض الواسع الذي يحوط مصير الاستشارات اكتملت الاستعدادات للزيارة الثانية التي سيقوم بها الرئيس ماكرون في اقل من شهر للبنان بدءا من مساء الاثنين. وفي مواقف لافتة جديدة قبيل عودته حذر ماكرون امس في باريس من "حرب أهلية في لبنان اذا تخلينا عنه". وقال "اذا تخلينا عن لبنان في المنطقة واذا تركناه بطريقة ما في ايدي قوى إقليمية فاسدة فستندلع حرب أهلية وسيؤدي ذلك الى تقويض الهوية اللبنانية ". وأشار الى "القيود التي يفرضها النظام الطائفي والتي اذا أضيفت الى المصالح ذات الصلة أدت الى وضع يكاد لا يوجد فيه أي تجديد سياسي وحيث يكاد يكون هناك استحالة لاجراء إصلاحات". كما حذر من انه في حال عدم تنفيذ الإصلاحات "فان الاقتصاد اللبناني سينهار والضحية الوحيدة ستكون اللبنانيين".
واتسم البرنامج المعد للزيارة كما كشفته مصادر الرئاسة الفرنسية امس بمزيج لافت من المبادرات والرمزيات التي حرصت عليها باريس لإظهار عراقة علاقتها بلبنان في ذكرى مئة عام على اعلان لبنان الكبير، كما من المواقف السياسية القوية الدافعة نحو تثبيت الرعاية الفرنسية لحل داخلي عاجل يبدأ بإخراج البلاد من متاهات انهياراته. وإذ يبدأ البرنامج بزيارة معبرة للسيدة فيروز ويمر برحلة الى غابة جاج لزرع شجرة أرز فرنسية وسط تحية استعراضية يؤديها سرب من الطائرات الفرنسية التي ستحضر الى الأجواء اللبنانية خصيصا يوم الأول من أيلول، يبدأ الشق السياسي بلقاءات في قصر بعبدا ومن ثم تنتقل الى قصر الصنوبر حيث يلتقي ماكرون في مبادرة خاصة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي نظرا الى دور بكركي التاريخي في قيام لبنان الكبير، ومن ثم سيعقد ماكرون لقاء موسعا مع ممثلي القوى السياسية (9 شخصيات ) ينتظر ان يتمحور على الحكومة الجديدة وخريطة الطريق التي اقترحها الجانب الفرنسي لمهمتها.
اربع مهمات
ونقل مراسل "النهار" في باريس سمير تويني عن مصادر رئاسية فرنسية ان هناك العديد من الخيارات المطروحة من اجل تشكيل "حكومة مهمات" او من اجل اهداف معينة ستؤدي في النهاية الى انتخابات برلمانية. وحددت هذه المصادر أربعة أمور طارئة يجب على الحكومة الجديدة وضعها كأولويات محددة بذلك خطة عمل الحكومة وهي: إعادة بناء مرفأ بيروت ، مكافحة انتشار وباء كورونا ، القيام بالإصلاحات الاقتصادية والمالية ، التحضير للانتخابات النيابية، اذ ان باريس تعتبر ان هناك حاجة الى فتح افق سياسي جديد من خلال انتخابات نيابية تجدد الطاقم السياسي . وإذ اكدت المصادر الرئاسية الفرنسية ان الدعم لهذه الحكومة سيكون متوافرا ذكرت بما كان ماكرون قد أعلنه خلال زيارته السابقة من انه لن يترك اللبنانيين وهذا يعني التزاما فرنسيا لمزيد من الضغط لتنفيذ هذه الخطة وان ماكرون لا يشكل الحكومة اللبنانية طبعا لكنه سيستمر في ضغوطه لتطبيق البرنامج الإصلاحي الضروري.
وغداة زيارة ماكرون للبنان سيصل الى بيروت مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر في الثاني من أيلول ضمن جولة له على الكويت وقطر ولبنان . وأفادت وزارة الخارجية الأميركية ان شينكر سيلتقي ممثلي المجتمع المدني وسيناقش الجهود المتعلقة بالمساعدات الأميركية في أعقاب انفجار مرفأ بيروت وسيحث القادة اللبنانيين على تنفيذ إصلاحات تستجيب لرغبة الشعب اللبناني في الشفافية والمساءلة وحكومة خالية من الفساد .