وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، إلى بغداد، بحسب ما نقلت "وكالة الأنباء العراقية"، وهي زيارته الأولى إلى العراق، بهدف مساعدة هذا البلد على تأكيد "سيادته" في وقت يجد نفسه في وسط التوتر بين حليفين: واشنطن وطهران.
ويصل ماكرون إلى بغداد قادما من بيروت حيث أمضى يومين. وسيمضي بضع ساعات في العراق حيث يلتقي أبرز المسؤولين.
وهو أول رئيس دولة يزور العراق منذ تعيين مصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة في مايو.
ولأسباب أمنية، لم تكشف الرئاسة الفرنسية عن الزيارة إلا في اللحظة الأخيرة، علما أن مسؤولين عراقيين أعلنوا عنها منذ أيام.
وقال ماكرون، خلال مؤتمر صحافي مساء الثلاثاء، في ختام زيارته الثانية للبنان خلال أقل من شهر: "أؤكّد لكم أنّني سأكون غداً صباحاً في العراق لكي أطلق، بالتعاون مع الأمم المتحدة، مبادرة لدعم مسيرة السيادة" في هذا البلد.
وكان ماكرون قال الجمعة في لقاء مع الصحافيين، إن "المعركة من أجل سيادة العراق أساسية" للسماح "لهذا الشعب وهذا البلد اللذين عانيا كثيرا" بـ"عدم الخضوع إلى حتمية سيطرة القوى الإقليمية والإرهاب".
أضاف: "هناك قادة وشعب مدركون لذلك ويريدون أن يحددوا مصيرهم بأنفسهم"، مشيرا إلى أن "دور فرنسا مساعدتهم على ذلك".
وأشار ماكرون إلى أنه ينوي "بناء معهم مبادرة قوية، بالتعاون مع الأمم المتحدة، من أجل سيادة العراق".
يذكر أن العراق عالق منذ سنوات بين شريكيه الأكثر تفوذا واشنطن وطهران، وأصبح في موقع يزداد منذ 2018 صعوبة مع شن الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب حملة "ضغوط قصوى" ضد إيران.
كما يواجه العراق، الذي شهد العام الماضي حركة احتجاجية قوية، وضعا اقتصاديا صعبا.
وأدى وباء كوفيد-19 إلى تفاقم الصعوبات في العراق ثاني الدول المصدرة للذهب الأسود في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، الذي تأثر إلى حد كبير بهبوط أسعار النفط.
وفي بغداد، سيجري ماكرون محادثات مع الرئيس برهم صالح، الذي سبق أن التقاه في باريس في 2019، ورئيس الوزراء. وسيتناول الغداء مع مسؤولين آخرين.
وقال مستشار رئيس الوزراء العراقي هاشم داوود، الثلاثاء، إن الزيارة "ترتدي أهمية كبيرة، كونها الثالثة لمسؤول فرنسي في شهر".
وستلتقي الرسالة التي يحملها الرئيس الفرنسي مع رسالة وزير خارجيته جان إيف لودريان الذي زار بغداد في يوليو، وشدد فيها على "أهمية النأي بالنفس عن توترات المحيط". وفي 27 أغسطس، زارت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي بغداد وإربيل، مشددة على ضرورة مواصلة مكافحة تنظيم داعش.
وقالت "نحن مقتنعون بأن المعركة ضد داعش لم تنته. ونحن نقف إلى جانبكم".
"خفض التصعيد"
وفي يناير، دعا إيمانويل ماكرون الى "خفض التصعيد" بعد نجاح الولايات المتحدة في اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، لدى وصوله إلى بغداد. وقتل في الهجوم نفسه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس. وردّت طهران بقصف قوات أميركية في غرب العراق.
كما أن فصائل مدعومة من إيران استهدفت مرات عدة بالصواريخ السفارة الأميركية ومصالح عسكرية وتجارية أميركية في البلاد.
وتأتي زيارة ماكرون بعد أن أعلن دونالد ترامب في 21 آب أنه سيسحب قواته من العراق، من دون تحديد برنامج زمني لذلك. ولا يزال يوجد حوالي 5 آلاف جندي ودبلوماسي أميركي في العراق.
وتدعم إيران قوات الحشد الشعبي، وتطالب بانسحاب الأميركيين من العراق.
وغادرت آخر القوات الفرنسية العراق في وقت سابق هذه السنة
الإرهابيون الفرنسيون في العراق
وردّاً على سؤال بشأن الإرهابيين الفرنسيين المسجونين في العراق، قال الرئيس الفرنسي، إن "أولئك الذين اختاروا بحرية أن يذهبوا للقتال في ساحات خارجية وأن يدانوا بارتكاب أعمال إرهابية في دولة ذات سيادة" يجب "أن يحاكموا في هذه الدولة".
ومن أصل 150 فرنسياً اعتقلوا بتهمة الانضمام إلى تنظيم "داعش"، فإن الغالبية العظمى من هؤلاء محتجزون في معسكرات ومراكز اعتقال تابعة للإدارة الكردية في شمال شرق سوريا، في حين أن 11 إرهابيا فرنسياً محتجزون في العراق حيث حُكم عليهم بالإعدام.
التدخل التركي وسيادة العراق
وقال مسؤول عراقي إن زيارة ماكرون حول "سيادة العراق" تشكل أيضا رسالة غير مباشرة الى تركيا.
ونفذت تركيا عملية عسكرية جوية وبرية هاجمت فيها مقاتلين أكرادا في شمال العراق في يوليو، ما أثار غضب بغداد التي نددت بانتهاك أراضيها.
والتوتر على أشده حاليا بين فرنسا وتركيا على خلفية النزاع في ليبيا، حيث البلدان متهمان بدعم طرفين متقاتلين، والخلافات في شرق المتوسط حول التنقيب عن الغاز.
ولن يزور ماكرون إربيل، وفق مصادر عراقية أشارت إلى أنه سيلتقي مسؤولين أكرادا في بغداد.
وقام ماكرون في 2017 بعيد وصوله الى الإليزيه، بوساطة بين السلطات الكردية والحكومة العراقية بعد خلافات نشأت بسبب تنظيم الأكراد استفتاء على الاستقلال عارضته بغداد.
وقال ماكرون في حينه "أن يكون العراق قويا ومتصالحا وتعدديا، وأن يعترف بكل مكون من مكوناته هو شرط للاستقرار الفوري وعلى المدى المتوسط" للشرق الأوسط.
العربية.نت