أخبار لبنان

عون أمام خيارين .. لا ثالث لهما!‏

تم النشر في 14 أيلول 2020 | 00:00

‏ كتبت صحيفة " الشرق الأوسط " تقول:‏‎ ‎يواجه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون خيارين ‏لا ثالث لهما مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها الرئيس ‏الفرنسي إيمانويل ماكرون بموافقة ‏أركان الدولة والقيادات السياسية التي التقاها في قصر الصنوبر بداية سبتمبر ‏الجاري، لولادة ‏الحكومة الجديدة: الأول أن يبارك التشكيلة الوزارية التي يحملها معه الرئيس المكلّف ‏بتشكيلها ‏السفير مصطفى أديب إلى القصر الجمهوري في بعبدا بعد إخضاعها إلى تنقيح ‏وتعديلات طفيفة لا تطيح بالإطار ‏العام الذي رسمه ماكرون، وبذلك يكون قد أنقذ الثلث الأخير ‏من ولايته الرئاسية‎.‎

أما الخيار الثاني فيكمن في رفض عون التشكيلة بذريعة أنها مفروضة عليه كأمر واقع، لغياب ‏التشاور في الأسماء ‏معه، وبذلك يكون قد أغضب صاحب المبادرة، أي الرئيس ماكرون، وفتح ‏الباب بملء إرادته أمام بداية نهاية ‏‏"العهد القوي"، إلا إذا ارتأى سلوك طريق الخيار الثالث من ‏خلال موافقته على مضض على التشكيلة الوزارية ‏لوضع الرئيس أديب في مواجهة مع البرلمان، ‏رغم أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري باقٍ على موقفه بإسناد ‏وزارة المال إلى شخصية شيعية، ‏ولم يفلح الرئيس الفرنسي في إقناعه بتعديل موقفه والسير قدماً إلى الأمام في ‏تطبيق مبدأ ‏المداورة في توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف‎.‎

وعلمت "الشرق الأوسط" من مصادر نيابية أن ماكرون اتصل ببري في أعقاب إصراره على أن ‏تكون وزارة ‏المال من حصة الشيعة، وهذا ما أبلغه لزعيم تيار "المستقبل" الرئيس سعد ‏الحريري، في اجتماعهما الذي عُقد ‏ظهر أول من أمس (السبت)، في مقر الرئاسة الثانية في عين ‏التينة‎.‎

وكشفت المصادر نفسها أن المعاون السياسي للرئيس بري، النائب علي حسن خليل، وقبل شموله ‏بالعقوبات ‏الأميركية، كان قد زار مع حسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" ‏حسن نصر الله، وبناءً على ‏طلبهما، الرئيس أديب، وسلّماه لائحة تضم أسماء عدة من المرشّحين ‏الشيعة لتولّي وزارة المال من دون أن يكون ‏هؤلاء من المنتمين حزبياً مباشرةً أو بصورة غير ‏مباشرة إلى "الثنائي الشيعي‎".‎

وقالت إن هذه الأسماء من وجهة نظر "الثنائي الشيعي" تنطبق عليهم المواصفات والمعايير التي ‏تؤكد أن صفتهم ‏الحزبية منزوعة عنهم ويعود لأديب اختيار أحدهم، ورأت أن هذا الثنائي مع ‏تسهيل مهمة الرئيس المكلف بتشكيل ‏الحكومة لتفادي الصدام السياسي مع ماكرون باعتبار أنه ‏يقف وراء المبادرة الإنقاذية لوقف الانهيار المالي ‏والاقتصادي‎.‎

واعتبرت هذه المصادر أن "الثنائي الشيعي" لم يقفل الباب في وجه أديب وأبدى كل مرونة، لكنه ‏سرعان ما ‏اضطر إلى تبديل موقفه على خلفية رفضه للعقوبات الأميركية على النائب خليل ‏وبالتالي تمسكه بموقفه في وجه ‏هذه العقوبات، وصولاً إلى شد العصب الشيعي وعدم الرضوخ ‏للإملاءات الأميركية‎.‎

وبكلام آخر، فإن الموقف الشيعي قبل شمول النائب خليل بالعقوبات الأميركية لم يعد قائماً كما ‏كان بعد صدورها، ‏خصوصاً أن بري أكد لماكرون الذي اتصل به إصراره على إسناد وزارة ‏المال إلى شخصية شيعية وإلا ينأى ‏بنفسه عن التدخل في تشكيل الحكومة أو المشاركة فيها من ‏دون أن يعيق إقرار التشريعات الإصلاحية في حال ‏إحالتها على البرلمان‎.‎

ولم يكتفِ ماكرون بالاتصال ببري وإنما أوعز إلى فريقه الذي اختاره لمساعدته في الملف ‏اللبناني بضرورة ‏التواصل مع قيادة "حزب الله" من خلال السفير الفرنسي في بيروت فورنو ‏فوشيه، للوقوف على رأيها، مع أنها ‏كانت قد اتخذت قرارها بالتموضع تحت عباءة رئيس ‏المجلس لينوب عنها في المشاورات الجارية لتشكيل ‏الحكومة‎.‎

كما أن ماكرون كلّف مستشاره الخاص سفير فرنسا السابق في لبنان إيمانويل بون، بالتواصل مع ‏رئيس الحزب ‏‏"التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، رغم أن الأخير كان اتخذ قراره بعدم المشاركة ‏في الحكومة، محذّراً من ‏تفويت الفرصة التي قد تكون الأخيرة لإنقاذ لبنان، لأن عدم الالتزام بها ‏سيواصل انزلاق البلد نحو الهاوية لغياب ‏من ينوب عن ماكرون لتولّي الجهود لوقف الانهيار‎.‎

لذلك تسأل مصادر مواكبة للمشاورات الجارية في اللحظة الأخيرة لإنقاذ المبادرة الفرنسية ‏وترجمتها بتشكيل ‏حكومة مُهمّة لتنفيذ الإصلاحات التي تتيح للبنان الإفادة من دعم المؤتمر ‏الدولي الذي يتولى ماكرون التحضير له، ‏تسأل عما إذا كان موقف "الثنائي الشيعي" غير قابل ‏للتعديل مع أنه يدخله في اشتباك سياسي مع ماكرون في ظل ‏غياب البديل، وبالتالي التفريط ‏بعلاقته مع فرنسا والإطاحة بعودة الاهتمام الدولي بلبنان؟

إلا أن بري، كما تقول المصادر، لن يدخل بالنيابة عن "الثنائي الشيعي" في مواجهة مع ماكرون، ‏وتعزو السبب ‏إلى أن المشكلة داخلية وليست فرنسية، وأنه أول من أيّد ودعم التحرك الفرنسي ‏باعتبار أنه يشكّل الفرصة الأخيرة ‏لإنقاذ لبنان من أزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية والتي ‏بلغت ذروتها بعد الانفجار المدمّر في مرفأ بيروت ‏والذي أملى على البلد والحكومة مهام جديدة ‏أولاها إعادة إعمار ما أصاب بيروت من دمار، ناهيك بأن بري الذي ‏تربطه علاقة وطيدة ‏بفرنسا لن يوفّر الذرائع لمن يخطط للإطاحة بهذه المبادرة لوأدها في مهدها قبل أن تُترجم ‏إلى ‏خطوات عملية تكون بمثابة برنامج للانتقال بلبنان إلى مرحلة تؤشر ببدء الانفراج والتعافي‎.‎

أما على المقلب الآخر، فإن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل قدّم نفسه في كلمته ‏إلى المحازبين ‏والمناصرين ومن وجهة نظر خصومه على أنه "الملاك الحارس" لدعم المبادرة ‏الفرنسية، رغم أنه غمز من قناة ‏الرئيس المكلف بعدم التشاور كما يجب مع رئيس الجمهورية ‏حول تشكيل الحكومة، وسأل: لماذا يراد حشره؟ ‏وأيضاً لماذا تغييب الكتل النيابية عن المشاورات ‏وهي وحدها المعنية بمنح الحكومة الثقة؟

وفي هذا السياق علمت "الشرق الأوسط" أن أديب تشاور مع معظم الكتل النيابية بناءً على طلبها ‏وأن مشكلة ‏باسيل تكمن في أنه يطلب منه بدعوته بذريعة أنه يتزعّم أكبر كتلة نيابية، إضافة إلى ‏أن توسيع المشاورات يمكن ‏أن يُكثِر من يشارك فيها الطلبات التي من غير الجائز التسليم بها، ‏خصوصاً إذا ما تجاوزت الخطوط الحمر التي ‏رسمها ماكرون لإنجاح مبادرته‎.‎

وعليه، يبقى السؤال: كيف سيتعاطى عون مع أديب الذي يُفترض أن يلتقيه في أي لحظة؟ هل ‏سيتجاوب بلا أي ‏تحفّظ مع المبادرة الفرنسية أو أنه سيطلب تمديد المشاورات لعله يتمكن من ‏تحسين شروطه في التشكيلة الوزارية؟ ‏وإن كان يعلم سلفاً أن محاولةً كهذه سترتدّ عليه ولا يملك ‏ما يسمح له بتسديد الكلفة السياسية المترتبة على تأجيل ‏ولادة الحكومة، وأيضاً كيف ستتعاطى ‏طهران مع ماكرون؟ وهل تتدخل لدى "حزب الله" لتسهيل مهمته لأن لا ‏علاقة له بالعقوبات ‏الأميركية؟


الشرق الاوسط