أخبار لبنان

عون يتمايز..هل بدأ سقوط "مار مخايل"؟

تم النشر في 22 أيلول 2020 | 00:00



المصدر:"النهار"


اذا كان رئيس الجمهورية اللبنانية لا يملك حين يختار مخاطبة مواطنيه سوى دق جرس الإنذار من “اننا رايحين على جهنم” اذا لم تتشكل الحكومة الجديدة ومن ثم يستدرك ان لتشكيلها “يمكن ان تحصل أعجوبة ” للدلالة على استعصاء الازمة، فلماذا اذن الاستغراب ان يعم الجمهورية سؤال واحد احد امس هو لماذا اطل الرئيس ميشال عون على الناس ما دام على هذه السوية من العجز والارباك واليأس؟ واذا كان رأس هرم الدولة والمؤسسات الدستورية بلغ هذا القدر من العجز امام تداعيات ازمة تأليف الحكومة الذي بدا ظاهراً وصادماً في مؤتمره الصحافي فهل ترانا أصبحنا امام استعادة اشد سوءاً وخطورة للازمات السياسية المفتوحة ام سنكون هذه المرة امام ازمة حكم ونظام لا احد يدري حدود مضاعفاتها وتفاعلاتها الخطيرة؟

الواقع ان المعطيات المتصلة بأزمة انسداد الاستحقاق الحكومي وجمود الجهود للخروج من مأزق تأليف حكومة مصطفى اديب كانت ماثلة بقوة منذ الخميس الماضي على الأقل، ولكن الجديد الذي أضافه المؤتمر الصحافي للرئيس عون والبيان الذي تلاه خلاله تمثل في مجموعة دلالات متناقضة تناقضا صارخا. الدلالة الأولى برزت في ان رئيس الجمهورية بدا مدركا من الحرف الأول لبيانه ان أي مبادرة او اقتراح حتى منه، لن يبدل حرفا في الازمة التي رمى كل تبعاتها على فريقي رؤساء الحكومات السابقين الداعمين للرئيس المكلف مصطفى اديب من جهة، والثنائي الشيعي من جهة أخرى، وبرأ صفحته وصفحة تياره ضمنا منها. الدلالة الثانية تمثلت في تعمد الرئيس عون تحميل الفريقين بالمساواة والتوازن مسؤولية الانسداد الحاصل سواء بعدم تشاور الرئيس المكلف مع الكتل النيابية ام بإصرار الثنائي الشيعي على حقيبة المال وتسمية الوزراء الشيعة لكي يظهر بصورة الحكم. الدلالة الثالثة محاولة عون تسويق اقتراحه الذي يدرك انه لن يحظى بموافقة حليفه “حزب الله” في الحد الأدنى بتوزيع الحقائب السيادية على مختلف الطوائف بلا تخصيصها بطوائف معينة ولكنه بدا فعلا اعجز من ان يمسك بدفة المبادرة بعدما تأخر كثيرا في محاولة استرجاع صورة الحكم المتوازن علما ان اقتراحه هذا لا يعدو كونه تبنيا للاقتراح نفسه الذي سبق لـ”التيار الوطني الحر” ان طرحه في نهاية الأسبوع الماضي. اما الدلالة الأهم والأبرز فتمثلت في ازدياد منسوب التمايز بين موقف عون وموقف حليفه “حزب الله” خصوصا لجهة تشديده على انتفاء التبرير الدستوري لموقف الثنائي الشيعي وتشديده على العودة الى التزام الأصول الدستورية، وهو الامر الذي بات يرتب تداعيات وتفاعلات لم تعد خافية عن عمق المشهد الحالي. وقد ذهب بعض المطلعين الى ابراز صورة الاعتراض المسيحي الواسع على موقف الثنائي الشيعي بدءا ببكركي والقوات اللبنانية والكتائب ومرورا الان بالتيار الوطني الحر ومن ثم موقف رئيس الجمهورية. وتساءل :هل بدأ سقوط تفاهم مار مخايل فعلا هذه المرة ؟

وقد اعترف عون بوضوح “اننا امام ازمة تشكيل حكومة لم يكن مفترضا ان تحصل ومع تصلب المواقف لا يبدو في الأفق أي حل”. وإذ تحدث عن طرحه “حلولا منطقية ووسطية لم يتم القبول بها من الفريقين” انتقد عدم اخذ الرئيس المكلف ومعه رؤساء حكومات سابقين برأي الكتل النيابية فيما انتقد الثنائي الشيعي لموقفه من فرض وزراء وحقائب فيما لا ينص الدستور على تخصيص أي طائفة باي وزارة . وإذ اقترح الغاء التوزيع الطائفي للوزارات السيادية قال ردا على سؤال عما يمكن ان يحصل اذا لم تشكل الحكومة “رايحين على جهنم ” وعن امكان تشكيلها قال “يمكن ان تحصل أعجوبة”.

الانسداد

في أي حال بدت المفارقة اللافتة عقب اطلاق عون موقفه ان أي اثر عملي لاقتراحه لم يشق طريقه الى جدار الازمة، فيما اكدت أوساط معنية بالازمة ان أي معطى عملي او إيجابي لم يظهر بعد وثمة اجواء سوداوية تغلف الجهود الفرنسية والداخلية لكسر المأزق علما انه جرى الضغط بقوة على الرئيس المكلف مصطفى اديب لتجميد إعلانه اعتذاره حتى الأسبوع الحالي ولكن أي شيء إيجابي لم يظهر في مقابل هذا التجميد بعد. وبادر اديب صباح امس الى اصدار بيان دعا فيه الى “تعاون جميع الأطراف من اجل تسهيل تشكيل حكومة محددة البرنامج سبق للأطراف ان تعهدوا بدعمها”. وتمنى على الجميع “العمل على إنجاح المبادرة الفرنسية فورا ومن دون إبطاء التي تفتح امام لبنان طريق الإنقاذ ووقف التدهور السريع”.

يشار في هذا السياق ان اقتراحا كان يتم التداول به في الكواليس يقضي بامكان اعطاء وزارة المال للثنائي الشيعي في حال اصدر بيانا اعلن فيه انه لا يعتبر

إعطائه اياه راهنا حقا دائما وميثاقيا. ولكن مصادر عليمة شككت بهذا الاقتراح باعتبار انه يناقض ما ذهب اليه الثنائي علنا وقد يعتبر انه يستطيع التعهد بذلك وراء الابواب المغلقة للفرنسيين او للرئيس ايمانويل ماكرون بالذات او حتى لرئيس الحكومة المكلف على ان يكون موضوع ميثاقية وزارة المال موضوعا يبحث لاحقا في مؤتمر للحوار تنوي باريس الدعوة اليه. ولكن هذا الاقتراح سرعان ما سقط في ظل مجموعة محاذير منها انه يجهض موقف المسيحيين الذي عبر عنه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي كما يجهض موقف رؤساء الحكومات السابقين الرافض لعدم المداورة في الحكومة ويوفر مكسبا خطيرا انقلابيا للثنائي الشيعي .

جنبلاط

وسط هذه الأجواء جاء اول رد فعل قيادي بارز على موقف عون على لسان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي تميز بعد عودته من زيارة خاصة لباريس بتوجيهه مروحة انتقادات للافرقاء المعنيين بالازمة الحكومية لم توفر أحدا باسثناء رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي حافظ جنبلاط على مرونته حياله . واعتبر جنبلاط في حديث ليل امس الى محطة “ام تي في ” انه لا يحق للرئيس عون ان يقول اننا ذاهبون الى جهنم لافتا الى ضرورة التوجه الى تسوية وقال انه من انصار التسوية “وعندما تهب العاصفة يجب ان نميل”. ووجه انتقادا ضمنيا الى

الرئيس سعد الحريري كاشفا انه اتصل به من باريس ولم يكن الاتصال إيجابيا، ولكنه برر موقف بري حين نقل عنه انه يتعرض للضغط بالنسبة لابقاء حقيبة المال مع الشيعة. كما انتقد الشيخ احمد قبلان لمطالبته بتغيير الطائف ولم يخف انتقادا مماثلا للبطريرك الراعي معتبرا انه لم يكن محايدا في موقفه الأخير. وأخيرا خاطب ايران قائلا انها وممثلها حزب الله يعطلان آخر فرصة لإنقاذ لبنان.