المصدر: الجمهورية
مع انتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة التي اجراها الرئيس المكلّف سعد الحريري في المجلس النيابي أمس، يدخل تأليف الحكومة مرحلة السباق بين التسهيل والتعطيل. هذا السباق، سيضع القوى السياسية على اختلافها امام لحظة الاختيار لواحد من الأمرين، اللذين لكلّ منهما ارتداداته على مجمل الوضع الداخلي.
نظرياً، تُظهر المواقف المعلنة من غير اتجاه سياسي، انّ تأليف الحكومة يحتل صفة الإستعجال لديها، للدخول في أسرع وقت ممكن في مرحلة الإستثمار الحقيقي للفرصة المتاحة عبر المبادرة الفرنسية، والشروع في تنفيذ مندرجاتها الإصلاحية والإنقاذية.
إلاّ أنّ التجارب اللبنانيّة وبشهادة الداخل والخارج في آن معاً، لا تشجّع، بل تشهد على أنّ السمة السياسية العامة، كانت فقدان الصدقيّة، وأنّ كل ما كان يُقال قلّما كان يقترن بما يترجمه من خطوات واجراءات علاجية جدّية، بل كان يضيع في سوق المزايدات، وخلف متاريس المكايدات والتناقضات وتضارب المصالح السياسية التي حكمت لبنان على مدى سنوات طويلة، واوصلته الى ازمته المستعصية.
واذا كان تكليف الرئيس سعد الحريري قد تجاوز حقل الألغام السياسية التي زُرعت في طريقه، فإنّ الندوب والتفسّخات والتهشّمات التي خلّفها في الجسم السياسي، تُطرح امام فريق التأليف وكلّ المكونات السياسية: كيف سيتمّ تجاوزها، وكيف لتأليف الحكومة أن يعبر من خلالها؟ وهل ثمة من الاطراف السياسية من سيسعى الى ابقائها على تورّمها، بما يشكّل عامل تعطيل للتأليف؟ وهل ستبرز إرادة مشتركة لتنفيسها بما يشكّل عامل تسهيل لهذا التأليف فتولد الحكومة في القريب العاجل؟
القراءات السياسية لمرحلة ما بعد التكليف، تتقاطع عند اعتبار أنّ الوضع المضطرب سياسياً كما هو سائد حالياً، لا يبشّر استمراره بالذهاب الى تأليف سلس للحكومة، رغم الحاجة الماسة اليها.
وتعطي هذه القراءات لكل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، الدور الاساس في فكفكة الالغام السياسيّة. وهذا يتطلب جهداً مضاعفاً ونوعيًّا من كليهما لتدوير زوايا التناقضات السياسية وتنفيس احتقاناتها وتضييق الفجوات بين بعض الأطراف، وذلك حتى لا تتورّم أكثر وتسدّ معبر تأليف حكومة، يُراد لها أن تقوم على أرض صلبة وبالحدّ الأعلى من التحصين والتفاهم الداخلي.
إلاّ انّ هذا الوضع وعلى صعوبته، وكما يؤكّد مرجع سياسي لـ"الجمهورية"، ليس عصياً على امكان تبريده، فمرحلة ما قبل التكليف كانت مرحلة انفعالات، ولكل طرف اسبابه، أما ما بعد إتمام التكليف، فصرنا أمام لحظة الحقيقة وأمر واقع جديد، صار الجميع محكومين بالتعاطي معه، خارج اطار انفعالات ما قبل التكليف.
وقال المرجع: "لنكن صريحين، كل الاطراف محشورون، وهوامش المناورات صارت في اضيق حدودها لدى كل الاطراف من دون استثناء اي منها، خصوصا أنّ هذه الاطراف لا يملك أيّ منها مفتاحاً للحل، وبالتالي مهما ارتفعت الاصوات والاعتراضات ومهما علت النبرات، ستصطدم بحقيقة أنّ أحداً لا يستطيع أن يهرب من الفرصة الإنقاذية التي توفّرها المبادرة الفرنسية، والكلّ مدركون أنّ لا مصلحة في تأخير ولادة الحكومة، وأنّ اللبنانيين متعلقون بهذه الفرصة، وضياعها معناه انتقال لبنان الى وضع كارثي، فهل هذا هو المطلوب".
ويلفت المرجع المذكور الى ما يصفها بـ"بارقة أمل" تلوح في أجواء الرئيسين عون والحريري، "فكلاهما متمسّكان بتلك الفرصة، واجواؤهما تعكس رغبة مشتركة في التعاون الى أبعد الحدود، وصولاً الى الاتفاق على صيغة حكومية تعبّر عن تطلعات اللبنانيين بالإنقاذ والإصلاح".
وبحسب معلومات "الجمهورية"، فإنّ هذا التعاون بين عون والحريري جرى التأكيد عليه في "اللقاء الثلاثي" الذي عُقد بعد استشارات التكليف في القصر الجمهوري بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري. والذي وصفت اجواؤه بالمريحة جدًا.
وتشير المعلومات، الى انّ رئيس المجلس، سمع من الرئيسين عون والحريري "كلاماً دافئاً جداً من كليهما تجاه بعضهما البعض، واظهرا الرغبة الجدّية بالتعاون بينهما، وهذا ما شجّعه على أن يدلي بتصريح مقتضب بهذا المعنى على باب القصر الجمهوري".
وبحسب المعلومات، فإنّ الاولويّة لدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، هو ان تُشكّل الحكومة الجديدة في وقت قياسي، وهو في هذا الاتجاه سيشكّل في المقابل عاملاً مساعداً الى اقصى الحدود للولادة الحكومية السريعة، وفي الوقت نفسه عاملاً مساعداً على تبريد الاجواء المتوترة على خط الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل ومن خلفهما تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر". فهذا التبريد إن حصل، من شأنه ان يشكّل قوة دفع الى مزيد من الايجابية وبالتالي الى مزيد من الاستقرار المطلوب في الزمن الحكومي الجديد.
هذا الجو، وكما تقول مصادر معنية بالملف الحكومي لـ"الجمهورية"، "يمكن البناء عليه لإنجاز الحكومة في اقرب وقت ممكن خلافاً للاجواء السابقة لتكليف الحريري، والتي أوحت بأنّ معركة التأليف ستكون حامية الوطيس بين عون وفريقه من جهة، وبين الحريري وفريقه من جهة ثانية".
وعلمت "الجمهورية"، انّ تفاهماً شبه نهائي أمكن التوصل إليه بين الجهات المعنيّة بالتأليف، على تشكيل حكومة مصغّرة من 14 وزيراً. مع الاشارة الى مطالبات نيابية بحكومة اكثر تمثيلاً، ويبرز هنا ما اكّدت عليه "كتلة الوفاء للمقاومة" للرئيس الحريري، بضرورة الذهاب الى حكومة من 24 وزيراً لكل وزير حقيبة فيها.
واكّدت المعلومات انّ التفاهم محسوم بين طرفي التأليف، اي عون والحريري لتأليف الحكومة وفق منطوق الدستور بالتعاون والتشاور بينهما. ولا خلاف على الاطلاق على مواصفاتها التي سبق وحدّدها الحريري بحكومة اختصاصيين من غير الحزبيين.
وبحسب المعلومات، فإنّ "التفاهم على حكومة الاختصاصيين اللاسياسية، لا يعني أن تُشكّل الحكومة كيفما كان، بل هو يضع فريق التأليف أمام تحدّي الاختيار السليم لوزراء هذه الحكومة. اذ أنّ المطلوب هو حسن الاختيار، ذلك انّ سوء الاختيار ستكون نتيجته الحتمية الفشل والتداعيات السلبية التي لا يحتملها الوضع اللبناني".
وعلى ما تقول مصادر المعلومات، فإنّ "المطلوب ليس اختيار وزراء من حَمَلة الشهادات فقط، اذ لا يعني ان من يحمل شهادة يكون بالضرورة ناجحاً، وتتوفر فيه مواصفات القيادة والادارة الحكيمة المطلوبة في هذه المرحلة الدقيقة. بل المطلوب الى جانب تلك الشهادات، وحتى لا نقع بمثل ما وقعت به الحكومة السابقة، هو اختيار شخصيات على مستوى عالٍ من الخبرة العمليّة، تشكّل رسالة ايجابية الى الداخل اللبناني، كما الى المجتمع الدولي، وتؤكّد المضي نحو تشكيل حكومة توحي بالثقة، من اهل الخبرة والاختصاص، بما يخلق مناخاً ايجابياً مريحاً على مستوى الداخل، وتفتح الباب لتدفق المساعدات الخارجية واعادة استثمار المال في لبنان على كل المستويات".
وعلمت "الجمهورية"، أنّ التفاهم بات شبه محسوم، على ان يتمّ اختيار الاصلح والذي تتوفر فيه المواصفات المطلوبة، واهمها الخبرة الاقتصادية والمالية للتوزير في الحكومة الجديدة، لأنّ المتطلبات والتحدّيات كبيرة جداً.
كما علمت "الجمهوريّة"، انّه ومن باب التعجيل في تشكيل الحكومة وعدم وضع اي مطبات من اي نوع امام هذه الولادة، فقد تمّ تجاوز مسألة تسمية الوزراء، حيث اكّدت مصادر موثوقة لـ"الجمهورية"، أنّ هذه المسألة لم تعد تشكّل عقدة لدى الحريري او لدى اطراف اخرى، وخصوصاً بالنسبة الى الوزراء الشيعة في الحكومة، التي كانت العائق الاساس امام تأليف حكومة مصطفى اديب.
ولفتت المصادر، الى انّه حيال تسمية الوزراء الشيعة في حكومة الحريري، فإنّ الاجواء المحيطة بها، تؤكّد انّها لن تكون سبباً لاشكالية او لتجاذب حولها. واكّدت في هذا السياق، "انّه لن يكون هناك ايّ مشكل على الاطلاق في ما خصّ تسمية الوزراء، سواء اتت هذه التسمية من قِبل الرئيس الحريري أو من قِبل حركة "امل" و"حزب الله"، ذلك أنّ المطلوب فقط هو اختيار الاصلح وغير الحزبي بمعزل عمن يقترح الاسم".
الى ذلك، وعلى الرغم من اجماع الاطراف السياسية والمعنية بملف التأليف على ولادة سريعة للحكومة، فليس في الإمكان تحديد سقف زمني لهذه الولادة، لأنّ التجارب اللبنانية السابقة اكّدت انّ المناخ الايجابي إن كان سائداً بالكامل، فلا يُبنى عليه، لأنّ الشياطين كانت تظهر في التفاصيل في آخر لحظة، فتعيد الامور الى نقطة الصفر. ولكن إنْ اكملت "الايجابية" ورغبة التعاون المتبادلة على خطي الرئاستين الاولى والثالثة بالشكل الذي هي عليه حالياً، فيمكن افتراض انّ الحكومة ستكون في غرفة الولادة في القريب العاجل.
فرئيس الجمهورية، وعلى ما يؤكّد قريبون منه لـ"الجمهورية"، يدرك انّ لبنان لا يملك ترف الوقت وتضييع المزيد منه، وهو اكّد انفتاحه على كل ايجابية، وسيكون عاملاً مسهّلاً لتأليف حكومة معبّرة عمّا يطمح اليه اللبنانيون. تشرع فوراً في الخطوات الانقاذية التي تستدعيها الازمة المتفاقمة على كل المستويات.
اما الرئيس الحريري، فيؤكّد المقرّبون منه لـ"الجمهورية" على الآتي:
- مصمّم على تأليف الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية.
لن يترك مجالاً لأي محاولة تعطيلية.
- انّ المرونة التي سيعتمدها في مرحلة تأليف الحكومة، ستكون المفتاح الذي من شأنه ان يحلّ اي عقدة يمكن ان تبرز في الطريق.
- انّه يسعى الى حكومة معبّرة عن واقع البلد، وتحت سقف المهمة الانقاذية التي حدّدتها المندرجات الاصلاحية للمبادرة الفرنسية، وبالتالي هو لن يقفل الباب امام احد، لذلك يريد لهذه الحكومة أن تكون محصّنة بالنسبة الأعلى من الثقة بها من المكونات السياسية وبالتأكيد النيابية، وهذا ما يشكّل لها حافزاً وقوة دفع في اتجاه انجاز مهمتها بالنجاح الاكيد.
- يعتبر انّه لا بدّ من انجاح هذه الفرصة، لأنّ فشلها يعني السقوط الكامل، وانهيار كل امل بالإنقاذ الذي ينشده كل اللبنانيين.
- لا يريد الحريري ان يربط ولادة حكومته بأيّ مواعيد او استحقاقات خارجية، فهذا الاستحقاق لبناني، ولبنان لا يحتمل تضييع اي دقيقة تأخير.
- لن يتأخر الحريري في وضع مسودّة للحكومة في وقت ليس بعيداً، والارجحية لحكومة مصغّرة. (ربما خلال الاسبوع المقبل، بعد زيارة قد يقوم بها الى القصر الجمهوري مطلع الاسبوع المقبل للتداول مع رئيس الجمهورية في القواعد والمعايير التي ستُعتمد في عملية التأليف).