زياد سامي عيتاني*
بالتأكيد لم يكن يخطر على بال النجم الكبير يحيى الفخراني عندما دخل مجلس الشعب في مسلسله الأشهر "ليالي الحلمية"، الذي أدى فيه شخصية "سليم البدري"، وهي شخصية المصري الأرستقراطي، سليل عائلة البدري الثرية، أن هذا الدور التمثيلي سوف يتحول مع مرور السنين إلى حقيقة، عندما سماه مؤخراً الرئيس محمد السيسي عضواً في مجلس الشعب المصري عن الفن إلى جانب الفنانة سميرة عبد العزيز.
**
فمن المفارقات أن الفخراني أدى في "ليالي الحلمية" شخصية سليم البدري، الذي دخل مجلس الشعب المصرى بعد منافسة شرسة مع سليمان غانم، الذي جسده وقتها الفنان الكبير صلاح السعدني.
الجدير بالذكر أن "ليالي الحلمية" كتبها أسامة أنور عكاشة، وصور فيها التاريخ المصري الحديث منذ عصر الملك فاروق حتى مطلع التسعينيات في عدة أجزاء، وكانت بداية عرض الجزء الأول عام 1987. والمسلسل يؤرخ التاريخ المصري من خلال تاريخ حي "الحلمية"، الذي كان في بدايته حياً راقياً للباشوات والطبقة الأرستقراطية، ثم تحول إلى حي شعبي يقيم فيه البسطاء من عامة الناس، وشارك في أجزاء المسلسل نخبة من ألمع نجوم الفن في تتابع مستمر للأحداث والشخصيات.
العمل الذي كتبه المبدع الراحل أسامة أنور عكاشة وأخرجه الراحل إسماعيل عبد الحافظ، قدِّم في 5 أجزاء، حاصداً نجاحاً كبيراً في كل أجزائه.
و قد قُدّم جزؤه الأول عام 1986 وإستطاع أن يكرّس شخصيات درامية ما زالت حاضرة في الذاكرة حتى اليوم أهمها شخصية الباشا سليم البدري الذي جسّده يحيى الفخري، وكرّسه هذا العمل نجماً رمضانياً فيما بعد، إضافة إلى شخصية نازك السلحدار التي جسّدتها صفية العمري، والعمدة سليمان غانم (صلاح السعدني) والعالمة سماسم (سهير المرشدي) والمعلم زينهم السماحي (سيد عبد الكريم)، وعلي البدري الذي أدّاه ممدوح عبد العليم وقد أعطاه هذا الدور نجومية رمضانية كبيرة، وناجي السماحي (شريف منير) وعادل البدري (هشام سليم)، إضافة إلى الكثير من شخصيات العمل التي رسمت بدقة وبراعة أسرت المشاهدين على مدى 5 أجزاء.
ولكن ما لا يعرفوف عن العمدة سليمان غانم والباشا سليم البدري،
رغم نجاح شخصيتي العمدة سليمان غانم التي أجاد تقديمها الفنان القدير صلاح السعدني ونجاح يحيى الفخراني بدور الباشا سليم البدري، أنّ دور العمدة لم يكن معروضاً على السعدني، بل رشِّح له الفنان الكوميدي سعيد صالح لكنّ ظروف إرتباطه بالمسرح جعلته يعتذر عن عدم قبول الدور.
أما دور الباشا سليم البدري، فكان مرشحاً له الفنان محمود ياسين، لكنه إعتذر ثم عرض على محمود عبد العزيز الذي إعتذر هو الآخر، فذهب الدور إلى صلاح السعدني الذي أداه ببراعة كبيرة.
والطريف أنّه كان يُفترض أن يجسّد يحيى الفخراني شخصية العمدة، فيما يؤدي صلاح السعدني دور الباشا، الا أنّ الفخراني رفض شخصية العمدة وإختار الباشا، ليخرج العمل بهذه الصورة التي جعلته من أجمل الانتاجات الدرامية.
**
وإختيار الرئيس السيسي النجم يحيى الفخراني لهذا المنصب ليس مصادفة أو من فراغ، فيكفي أن إسم الفخراني صك نجاح لأي عمل فني، فبمجرد ظهور إسمه على "تيتر" أي مسلسل درامي يضمن أن المشاهد سيكون أمام عمل مميز ومختلف.
فالفخراني يملك موهبة إستثنائية فى فن إختيار الأدوار، فهو يبحث في مناطق مغايرة داخل الواقع، وينقلنا بها إلى عالم مختلف، بمجرد عرض الحلقة الأولى من أي مسلسل من بطولته تنجذب للعمل ولا يمكنك أن تتوقع ما الخطوات التالية، فهي قدرة جذب وإثارة للمشاعر وللعقول فى ذات الوقت بأداء بسيط تلقائي يتبع مدرسة السهل الممتنع، إضافة إلى أنه يسخر طاقته الإبداعية كاملة للكشف عما بداخله من موهبة تتجدد بمرور السنوات.
والمبحر فى أعمال الفخراني يجده يجيد إختيار أدواره التى تستفز قدراته فيمتع جمهوره ومحبيه بأداء راق، وفى نفس الوقت يختار فريق عمله فتراه متجدداً، وهو يرى أن النجم لا بد أن يتدخل في إختيار فريق العمل، لأن النجاح الدرامي نجاح جماعي.
لم يركن الفخراني أبداً إلى النجاح الواحد والدور المكرر، ولم يعتمد على نفس الكاتب أو المخرج ليقدم نفس المسلسل كل عام، بل على العكس، فهو يغيِّر جلده باستمرار، ويذهب إلى مناطق أخرى غير معتادة تماماً...
**
يحيى الفخراني..خفة دمه تؤكد بساطة شخصيته، وهدوئه يعكس ملامح قوتها، وكل هذه المواصفات جعلته ينزلق بسهولة في تقمص الشخصية التي يجسدها، إنه الطبيب الذي أصبح فناناً، والذي أمتعنا بأدواره الجميلة في مسلسلاته الرمضانية، حيث إستطاع أن يكون أحد أهم كبار نجوم الدراما في مصر لسنوات طويلة حتى لُقب بـ"ملك الدراما"، ومن أهم أعماله التلفزيونية إضافة إلى "ليالي الحلمية": "التعلب فات"، "زيزينيا"، "للعدالة وجوه كثيرة"، "أوبرا عايدة"، "الليل وآخره"، "عباس الأبيض في اليوم الأسود"، "سكة الهلالي"، "يتربى في عزو"، "شرف فتح الباب"، "إبن الأرندلي"، "شيخ العرب همام"، "الخواجة عبد القادر"، "دهشة"، "ونوس" و "بالحجم العائلي"....
**
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.