أخبار لبنان

المشاورات قطعت "نصف الطريق‎"

تم النشر في 28 تشرين الأول 2020 | 00:00

المصدر:"لشرق الأوسط "


تحرك الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري على خطين: الأول باتجاه ‏رئيس الجمهورية ميشال عون للتوصل معه إلى مقاربة موحّدة من شأنها أن ‏تُسرع في ولادة الحكومة باعتبار أنها تشكل الإطار العام المتعلّق بتوزيع ‏الحقائب الوزارية على الطوائف تمهيداً للدخول في دراسة متأنّية للوزراء لتأتي ‏التشكيلة الوزارية على قياس خريطة الطريق التي اتفق الرئيس الفرنسي ‏إيمانويل ماكرون مع أبرز المكوّنات السياسية التي التقاها في قصر الصنوبر ‏حول عناوينها الرئيسية الكفيلة بإنقاذ المبادرة الفرنسية لوقف الانهيار المالي ‏والاقتصادي‎.

أما الخط الثاني الذي يتحرك على أساسه الحريري فيكمن في التحرك بصمت ‏بعيداً عن الأضواء لتفكيك العقد التي يمكن أن تؤخر ولادة الحكومة، خصوصا ‏أن مصادر مواكبة لتحرّكه تعترف بوجود بعض الصعوبات تستدعي منه ‏استيعابها لقطع الطريق على تمديد المشاورات لأنه لا مصلحة في تأخير تشكيلها ‏خوفاً من زيادة طلبات التوزير من قبل بعض الأطراف التي ترفض أن تتعظ من ‏التجارب السابقة التي أثبتت عدم قدرة الطبقة السياسية على إدارة البلد بذهنية ‏المحاصصة وتقاسم المغانم‎.

وفي هذا السياق، كشف رئيس حكومة سابق، فضّل عدم الكشف عن اسمه ‏لـ"الشرق الأوسط"، أن المشاورات التي حصلت حتى الساعة بين عون ‏والحريري قطعت أكثر من نصف الطريق المؤدي إلى تشكيل الحكومة التي ‏يُفترض أن ترى النور قبل نهاية هذا الأسبوع لقطع الطريق على من يحاول ‏زرع الألغام لتأخير ولادتها‎.

ويخشى من أن يؤدي التأخير إلى تراجع موجة التفاؤل لأن الكلمة الفصل تبقى ‏عالقة على مدى استعداد الأطراف للتأسيس على الأجواء الإيجابية السائدة حالياً ‏بين عون والحريري والانطلاق بها للعبور إلى إعلان ولادة الحكومة، ولا يرى ‏من جدوى لتأخير ولادتها وربطها بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، ويعزو ‏السبب إلى أن مجرد التأخير يمكن أن يؤثر على الاندفاع الدولي المؤيد للإسراع ‏في تشكيلها‎.

ويؤكد رئيس الحكومة السابق أنه وزميليه في نادي الرؤساء يدعمون الجهود ‏التي يبذلها الحريري لتذليل العقبات وبعضها مصطنع لعله ينجح في إنجاز ‏التشكيلة الوزارية قبل نهاية هذا الأسبوع لأن عامل الوقت قد لا يكون لصالح ‏تأخيرها، خصوصا أنه لا صعوبات مستحيلة الحل شرط أن يتحلى الجميع بروح ‏المسؤولية‎.‎

وتوقفت المصادر السياسية أمام الاجتماعين اللذين عُقدا بين الحريري وعون في ‏إطار التشاور في ملف تشكيل الحكومة، وكشفت لـ"الشرق الأوسط" أن ‏الاجتماع الأول خُصص في جانب منه لتقويم أبرز المحطات التي مرت فيها ‏العلاقة بينهما منذ إبرام التسوية التي توصلا إليها معاً وانهارت لاحقاً من دون ‏أن يعني ذلك أن هناك إمكانية لتعويمها‎.

ولفتت إلى أن تقويم هذه المرحلة تخلّلها مصارحة في العمق وتبادل للعتب، ‏وقالت إنها مهّدت للدخول في صلب المشاورات المتعلقة بتشكيل الحكومة، ‏وأكدت أن الأجواء بينهما اتسمت بالإيجابية انطلاقاً من رغبتهما المتبادلة للتعاون ‏لإنقاذ المبادرة الفرنسية باعتبارها الوحيدة لإخراج البلد من أزماته، وهذا ما ساد ‏اللقاء الثاني بينهما‎.

وكشفت أن عون يميل إلى تشكيل حكومة من 24 وزيراً في مقابل استعداد ‏الحريري لرفع عدد الوزراء من 14 وزيراً إلى 18 وزيراً، وقالت إنه يمكن ‏التوصّل إلى حل وسط يقضي بأن تتشكّل من 20 وزيراً، وأكدت أن التسريبات ‏التي تتناقلها وسائل الإعلام بخصوص ما دار بين الرئيسين لا أساس لها من ‏الصحة، وأن المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية اضطر للتدخّل موضحاً ونافياً ‏كل هذه التسريبات مع أن من تولى تسريبها عوتب من قبل عون وبات معروفاً‎.

وأوضحت المصادر نفسها أنه لا خلاف بين عون والحريري حول تطبيق مبدأ ‏المداورة في توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف وإن كان الحريري صارح ‏عون باستثناء وزارة المال ولمرة وحيدة في الإبقاء عليها من حصة الشيعة لأنه ‏كان تدخّل في السابق، وقبل أن يعتذر سلفه السفير مصطفى أديب عن تشكيل ‏الحكومة وأيد أن تكون من حصتهم رغبة منه بإخراج عملية التأليف من التأزّم ‏الذي يحاصرها‎.

ويقف رؤساء الحكومة السابقون خلف الحريري ويصرّون على عدم التعاطي ‏مع الملف الحكومي عبر وسائل الإعلام ويكتفون بنقل الأجواء الإيجابية التي ‏يعكسها الحريري الذي يتواصل معهم باستمرار‎.

وفي المقابل يرى المصدر السياسي أنه يجري حالياً التداول في حال تقرّر تطبيق ‏المداورة ببعض الأفكار التي تحبّذ عدم حصر توزيع الحقائب السيادية بالطوائف ‏الأربع الرئيسية (الموارنة، والسنة، والشيعة، والأرثوذكس)، وبالتالي لا مانع من ‏أن تكون من نصيب الطوائف الأخرى بذريعة أنه لا مبرر لمثل هذا التمييز بين ‏الطوائف‎.

ويؤكد أن الحريري يدرس حالياً ملفات العشرات من المرشحين لشغل المناصب ‏الوزارية، ويقول كما يسمع، إن زمن المحاصصة والثنائيات والتسويات المنفردة ‏قد ولّى وأصبح من الماضي لكنه يعتبر أن العبرة في التنفيذ لئلا يصاب الغالبية ‏العظمى من اللبنانيين بالإحباط في حال أن التشكيلة موروثة من الماضي‎.

ويكشف لـ"الشرق الأوسط" أن الحريري ليس منزعجاً من الصرخة التي ‏أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي، ويؤكد أنه يتفهّم هواجسه ومخاوفه، ‏وهذا ما أُحيطت به بكركي عبر قنوات التواصل القائمة بينها وبين "بيت ‏الوسط"، خصوصا أن ما طرحه من مخاوف يدعم موقفه وسيتكشف قريباً أنه ‏ليس واردا أن يدير ظهره للمسيحيين وللطوائف الأخرى أو أن يوافق على أن ‏يحتكر هذا الفريق أو ذاك التمثيل المسيحي في الحكومة، وبالتالي فإن الراعي ‏يمثل خط الدفاع الأول الداعم لتوجّه الحريري الذي ينشد التوافق مع عون‎.‎