عرب وعالم

تيغراي.. حرب استنزاف طويلة وأزمة لاجئين يتكبّدها السودان

تم النشر في 22 تشرين الثاني 2020 | 00:00

صعوبات كبيرة تواجه العاملين في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية في معسكرات استقبال ‏اللاجئين الإثيوبيين، الفارين من القتال الدائر منذ الرابع من تشرين الثاني بين الجيش الإثيوبي ‏ومقاتلين تابعين لجبهة تحرير تيغراي، في المنطقة المتاخمة لحدود إثيوبيا مع السودان وإريتريا، ‏وسط توقعات بأن يتحول القتال إلى "حرب استنزاف طويلة الأمد".‏

وأكد مصطفى أنور، ممثل معتمدية اللاجئين في معسكر "أم راكوبة" القريب من مدينة القضارف ‏شرقي السودان، أن المئات من الأطفال والنساء والرجال يعبرون يوميا إلى البلاد، في ظل ‏‏"ظروف إنسانية بالغة التعقيد".‏

وأوضح أن هؤلاء يضطرون للمشي لمسافات تصل إلى أكثر من 40 كيلومترا، وقد رصدت ‏أكثر من حالة ولادة في العراء لحوامل، قبل وصولهن إلى المعسكرات، نتيجة الإرهاق الشديد. ‏كما يصل معظم الأطفال وكبار السن في حالة مزرية بسبب عدم قدرتهم على تحمل السير ‏لمسافات طويلة.‏

وتعمل العديد من المنظمات الإنسانية، مثل منظمة "الطفولة والأمومة" (يونيسيف)، وبرنامج ‏الغذاء العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، على استقبال اللاجئين خارج المعسكرات، لتقديم ‏الرعاية الغذائية والصحية الأولية.‏

ورغم التضارب الكبير في أعداد اللاجئين الواصلين إلى الأراضي السودانية خلال الأسبوعين ‏الماضيين، فإن التقديرات تشير إلى ما بين 36 و45 ألفا.‏

وتزداد المخاوف من ارتفاع العدد إلى أكثر من 200 ألف خلال الأسابيع المقبلة، في ظل توقعات ‏بـ"طول أمد الحرب".‏

وتوقع تقييم سري للأمم المتحدة، بأن يواجه الجيش الإثيوبي "مقاومة شديدة وعمليات استنزاف ‏طويلة" في حربه مع "جبهة تحرير شعب تيغراي"، المندلعة منذ الرابع من تشرين الثاني، والتي ‏قتل فيها المئات من الجانبين.‏

وأعلنت القوات الحكومية، السبت، تقدمها نحو عاصمة الإقليم ميكيلي، وتمكنها من تأمين عدد من ‏المناطق الرئيسية في المنطقة، لكن تقرير نشرته صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية، قال إنه وفقا ‏لإفادات أدلى بها نحو 12 من العاملين في مجال الإغاثة بالإقليم، فإن طبيعة المنطقة واحتماء ‏مقاتلي "جبهة تيغراي" بالجبال المحيطة، يجعل من الصعب على القوات الحكومية "حسم المعركة ‏في وقت قريب".‏

ويشير تقييم الأمم المتحدة إلى "مخاوف جدية" من أن تعمق حرب إقليم تيغراي زعزعة ‏الاستقرار الهش في شرق إفريقيا، مع تزايد نزوح اللاجئين إلى الأراضي السودانية ووصول ‏شظايا الحرب إلى العاصمة الإريترية أسمرة.‏

واستبعد التقييم أي "نهاية سريعة وحاسمة" للقتال، فرغم التقدم الملحوظ الذي حققته القوات ‏الحكومية في الأيام الأولى من بدء القتال، فإنها أصبحت تواجه صعوبات كبيرة بسبب طبيعة ‏المنطقة، التي يمكن أن تقلب الموازين.‏

ويبدو أن مقاتلي جبهة تيغراي باتوا يستفيدون من قدرتهم على التأقلم مع تضاريس المنطقة ‏الصعبة، فبعد أن أعلن الجيش الحكومي سيطرته على بلدات رئيسية مثل هوميرا ودانشا ‏وشيرارو وألاماتا وشير، تجدّد القتال مرة أخرى.‏

ويرى خبراء عسكريون أنه كلما تقدمت القوات الحكومية، كلما "زاد انكشافها"، مما يجعلها ‏عرضة لهجمات مباغتة من الخلف.‏

أما سياسيا، فلا يبدو أن هناك حلا قريبا في الأفق، إذ تُصرّ الحكومة الإثيوبية على الاستمرار في ‏القتال حتى تستعيد كامل سيادتها على الإقليم.‏

وحتى الآن، لم تظهر نتائج محسوسة لجهود الوساطة التي شارك فيها الاتحاد الإفريقي والرئيس ‏الأوغندي والرئيس النيجيري الأسبق أولوسيغون أوباسانغو.‏

‏ واندلع القتال في إقليم تيغراي بعد توتر دام أسابيع، بسبب خلافات حول الانتخابات المحلية، ‏واتهام الحكومة الإثيوبية مقاتلي تيغراي بمهاجمة قواعد لقوات الجيش في المنطقة.‏

ورغم أن تيغراي أقلية صغيرة في إثيوبيا الواقعة بالقرن الإفريقي، إذ يبلغ عدد أفرادها نحو 7 ‏ملايين من مجمل السكان البالغ تعدداهم 110 ملايين نسمة، لكنهم كانوا يسيطرون على السلطة ‏منذ عام 1991، عندما أطاحت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية بنظام منغستو هايلي ‏ماريام، وهو عسكري ماركسي حكم البلاد بقبضة حديدية لنحو 17 عاما.‏

وبعد تسلّم أبي أحمد السلطة عام 2018، أبدى تيغراي رفضهم، وخلال الأشهر الأخيرة تعرضت ‏حكومته لضغوط كبيرة من القوميين في تيغراي، الأشد حماسا لانفصال الإقليم.‏

وتزايدت النزعة الانفصالية بشكل أكبر في أيلول الماضي، بعد أن تحدّت جبهة تحرير شعب ‏تيغراي قرار حكومة أبي أحمد القاضي بتأجيل انتخابات محلية لاختيار حكومة جديدة للإقليم، ‏كان من المقرر إقامتها في أغسطس، بسبب جائحة كورونا.‏

وبالفعل، أجريت الانتخابات في العاشر من أيلول، وهو ما اعتبرته الحكومة المركزية في أديس ‏أبابا "عملا غير شرعي ويشكل تهديدا للوحدة الوطنية".‏

في الواقع، كانت إثيوبيا تعاني أصلا من انقسامات عرقية وأزمات اقتصادية كبيرة عندما تسلم ‏أبي أحمد السلطة فبل نحو عامين، ففي عام 2017 أجبر أكثر من مليون إثيوبي على النزوح ‏لأسباب تتعلق بصراعات عرقية، وأخرى ترتبط بموجات جفاف ونقص كبير في الغذاء ‏والخدمات في بعض المناطق.‏

لكن أبي أحمد واجه اختبارا كبيرا، عندما سقط قرابة 240 قتيلا في أعمال العنف والاحتجاجات ‏التي اندلعت في تموز الماضي، عندما اندلعت اشتباكات عرقية على خلفية مقتل المغني الشعبي ‏هاشالو هونديسا، الذي يعتبره الكثير من أفراد إثنية الأورومو، التي ينتمي إليها أبي أحمد، صوتا ‏لمعاناتهم من التهميش.‏

واندلعت تلك الاحتجاجات في العاصمة أديس أبابا وفي منطقة أوروميا المحيطة التي تتحدر منها ‏أكبر قومية في البلاد، لطالما شعرت بأنها مهمشة ومضطهدة في البلد متعدد الأعراق.‏

لكن الكثير من المراقبين يعتبرون أن الأزمة الحالية في إقليم تيغراي، ربما تشكل اختبارا أكبر ‏لأبي أحمد، نظرا لتعقيداتها المحلية والإقليمية خصوصا لجهة تداخلاتها في العلاقة مع الجارتين ‏السودان وإريتريا.‏



سكاي نيوز عربية