أخبار لبنان

كارثة إضافية: الفيروسات في كلِّ صحن... "أخطر من كورونا" ‏

تم النشر في 24 تشرين الثاني 2020 | 00:00

صدور دراستين حديثاً تتعلقان بنتائج فحوصات مخبرية أُجريت على اللحوم والدجاج والالبان ‏والتوابل، سيعيد الى الواجهة حكماً ملف سلامة الغذاء. واللافت انّ احدى هذه الدراسات تعود الى ‏عينات اتُخذت ما بين عامي 2015 و 2017، والثانية من عينات أُخذت في العام 2018، اي ‏في زمن ما كان يُعرف بـ"البحبوحة"، مقارنة مع الأحوال التي وصل اليها اللبنانيون عام 2020. ‏فهل من يراقب اليوم ماذا يأكل اللبناني؟ وماذا يُطرح في الاسواق في ظلّ هذه الضائقة ‏الاقتصادية؟

‏"غير مطابق للمواصفات" عبارة درجت كثيراً ابّان حملة سلامة الغذاء التي أطلقتها الحكومة ‏اللبنانية خلال الاعوام (2015-2017) بعدما جرى أخذ عينات من الغذاء، تمّ جمعها عشوائياً ‏من جميع انحاء البلاد لفحصها، لكن لم يتمّ تحليلها لتحديد الأطعمة عالية الخطورة وسبب ‏الملوثات الأكثر انتشاراً على المستوى الوطني أو عبر المحافظات وتحديدها.‏

من هذه النقطة انطلق عمل قسم التغذية وعلوم الغذاء في كلية العلوم الزراعية والغذائية في ‏الجامعة الأميركية في بيروت ‏AUB، من فريق من الدكاترة المتخصصين، ضمّ سامر خروبي، ‏نيفين نصر، مروى دياب الحركة، عبدالله الحاج سليمان، وعصمت قاسم، بالتعاون مع مركز ‏سلامة الغذاء، قسم علوم وتكنولوجيا الأغذية في جامعة جورجيا في الولايات المتحدة، الذي ‏اجرى تحليلاً إحصائياً متعمقاً للبيانات، والذي تضمّن 11625 عينة طعام فردية، فتكشّفت ‏الكارثة، إذ اظهرت التحليلات أنّ نسبة 55% من عينات المياه المختبرة، و49.3% من التوابل ‏و34.4% من اللحوم الحمراء و30.9% من الدواجن و28.3% من منتجات الألبان، لم تطابق ‏المعايير الجرثومية.‏

كما أظهرت الدراسة، انّ الملوثات البيولوجية الأكثر شيوعاً التي تمّ اكتشافها في هذه الاطعمة، ‏هي البكتيريا الكبريتية ‏sulfate-reducing bacteria‏ بنسبة (34.7%)، الايكولاي ‏Escherichia coli‏ بنسبة (32.1%) وهو مؤشر لتلوث بالبراز والذي قد يؤدي الى امراض ‏مستعصية، القولونيات ‏coliforms‏ بنحو 19.6% (وهي بكتيريا تدل الى تلوث بالبراز)، ‏المكورات العنقودية الذهبية ‏Staphylococcus aureus stecoq‏ بنسبة 12.8% جرثومة ‏تفرز مادة مسمّمة في الطعام، والسالمونيلا ‏Salmonella‏ بنسبة 11.6%.‏

توزيع مناطقي: عند تقييم توزيع العينات غير المقبولة حسب المحافظة (الموقع الجغرافي)، لوحظ ‏أنّ 31.7% من جميع العينات من محافظة الشمال تمّ رفضها، إما لأنّها ملوثة جداً او لأنّها ‏عفنة، بينما 29.9% و 27.3% من العينات غير مقبولة في جنوب لبنان وجبل لبنان على ‏التوالي. فيما سجّلت بيروت أدنى نسبة (23.8%) من العينات غير مقبولة. وكشف تحليل ‏إضافي للبيانات، أنّ الفئات الغذائية ذات النسب الأعلى من العينات غير المقبولة شملت اللحوم ‏الحمراء ولحوم الدواجن والألبان والتوابل في محافظات الشمال والجنوب وجبل لبنان والبقاع. ‏ومع ذلك، كانت اللحوم الحمراء والتوابل والأطعمة الأخرى هي الفئات الثلاث الأكثر خطورة في ‏محافظة بيروت.‏

تلوث العينات:‏

‏- أظهرت عينات اللحوم الحمراء والتي شكّلت 65.2% من جميع العينات المرفوضة، ملوثة ‏بمستويات غير مقبولة من بكتيريا ‏S. aureus‏ ، و 46.2% بـ ‏SRB‏ ، و 55.3% ‏Escherichia coli‏ ، و 52.5% بـ ‏L. monocytogenes‏ ، و 32.6% بـ ‏Salmonella ‎spp‏.‏

‏- شكّلت عينات لحوم الدواجن 62.0% من جميع العينات المرفوضة، ملوثة بمستويات غير ‏مقبولة من ‏Salmonella spp‏ بنسبة 33.8% مع ‏SRB %23.2‎‏ بكتيريا هوائية، و 22% مع ‏L. monocytogenes‏ .‏

شكّلت عينات الألبان 38.7% من جميع العينات المرفوضة، ملوثة بمستويات غير مقبولة من ‏القولونيات بنسبة37.1% بالخميرة/الفطريات، 23.7% بـ ‏L. monocytogenes، و9.7% ‏بـEscherichia coli

‏- وفي النتائج، شكّلت التوابل 74.1% و 35% من العينات المرفوضة بسبب الأفلاتوكسين ‏والخميرة/ الفطريات على التوالي. وكشف تحليل إضافي عن وجود علاقة ذات دلالة إحصائية ‏بين مجموعة الطعام والملوثات الميكروبية (قيمة ‏p <0.001‎‏).‏

وقد خلصت الدراسة الى انّ لبنان يحتاج إلى برامج صارمة ومستدامة لمراقبة جودة وسلامة ‏الأغذية، ونظرًا لنقص الموارد. وأوصت بضرورة التركيز على برامج التوعية المكثفة التي ‏تهدف إلى تعزيز المعرفة بسلامة الغذاء من المزرعة إلى الشوكة.‏

دراسة عن اللحوم: أما الدراسة الثانية، فتمحورت حول اللحم المفروم النيء، كونه من بين أكثر ‏منتجات اللحوم استهلاكاً، لتخلص الى انّه مصدر قلق كبير، وأنّ سلامة الغذاء في لبنان تعاني ‏من تحدّيات موثقة. فقد تمّ قياس انتشار وكميات القولونيات البرازية والإشريكية القولونية لتقييم ‏القبول الميكروبيولوجي للحوم البقر المفروم في لبنان. بالإضافة إلى ذلك ، تمّ تحديد أنماط ‏مقاومة المضادات الحيوية، اي مدى مقاومة المضادات الحيوية لهذا النوع من الميكروبات. ‏وجرى تحليل 50 عينة لحوم و120 عزلة من ‏Escherichia coli‏. وأظهرت النتائج أنّ 98% ‏و 76% من عينات اللحوم احتوت على القولونيات البرازية والإشريكية القولونية ‏fecal ‎coliforms and E. coli‏ أعلى من مستوى قبول الميكروبات على التوالي. وكانت جميع ‏E. ‎coli‏ مقاومة لمضاد حيوي واحد على الأقل، بينما كانت 35% من العزلات مقاومة للأدوية ‏المتعددة ‏multidrug-resistant (MDR‏. كما اظهرت نتائج فحوصات أُجريت على لحوم ‏الدجاج (الاسفينة) انّ 85.5% مرفوضة جرثومياً.‏

وخلصت الدراسة الى انّ لبنان بحاجة إلى تحديث أنظمة سلامة الأغذية، لتتبع وتقليل مستويات ‏التلوث المحتمل في الأطعمة المهمة، وتنفيذ برامج للسيطرة على انتشار مقاومة مضادات ‏الميكروبات في النظم الغذائية.‏

قراءة لنتائج الدراسات: في هذا السياق، أكّد أحد المشاركين في إعداد هاتين الدراستين، ويعمل ‏في الجامعة الاميركية- اللبنانية وجامعة جورجيا في الولايات المتحدة وأحد مؤسسي ‏food ‎safety prog‏ في ‏AUB‏ الدكتورعصمت قاسم، انّ النتائج التي توصلت اليها هذه الدراسات تؤكّد ‏انّ لدينا نسبة كبيرة من التلوث الغذائي في لبنان، بحيث انّ 28.7 % من أصل 11500 عينة ‏مرفوضة جرثومياً، بما يعني انّ وجبة من كل 4 وجبات نأكلها يومياً يُحتمل ان تكون ملوثة ‏وهذه مخاطرة كبيرة. ولفت الى انّ العينات التي اخذتها وزارة الصحة لم تدرس كل انواع ‏الملوثات (جرثومية، بيولوجية، كيمائية (زئبق رصاص..) الفيروسات الملوثة (مثل ‏norovirus‏ ‏الذي يُعدّ أكثر مسببات التلوث في الاكل). لذا انطلقت الدراسة على تحليل اسباب التلوث ‏ومكامنه، لأنّ هذه الأسباب تسبّب عوارض صحية، وغالباً ما تؤدّي الى نتائج مميتة، والأسوأ انّ ‏غالبية هذه الملوثات باتت قادرة على مقاومة المضادات الحيوية.‏

وشدّد قاسم على انّ عدم معالجة سلامة الغذاء سيؤدّي الى خسارة في السياحة والصحة والتصدير ‏الصناعي والزراعي. وقد أظهرت الارقام انّ المناطق الاكثر فقراً تعاني اكثر من الملوثات ‏الغذائية، حيث يصعب الحصول بسهولة على الخدمات الصحية، فكيف الحال اليوم في ظلّ هذا ‏التراجع في المستوى المعيشي والصحي ووسط انتشار مجتمعي لوباء كورونا؟

وشدّد قاسم على انّ الحفاظ على صحة المواطن هو استثمار على المديين القريب والبعيد، وفي ‏الحرص على توفير سلامة الغذاء انعكاسات ايجابية على اقتصاد البلاد والسياحة والصحة، ‏خصوصاً أنّها عامل جذب وثقة في البلاد، وكل دول العالم تتشدّد في هذا الإطار.‏

وقال: "للأسف انّ التلوث في لبنان أكل الاخضر واليابس. وفي حال لم يعِ المسؤولون خطورة ‏هذا التلوث، لا سيما في الغذاء والمياه، فستصبح البيئة في لبنان خطراً على مواطنيها، ووقعها ‏اخطر من الكورونا".‏



الجمهورية - ايفا ابي حيدر ‏