تختصر كلمة "من فضلكم!"، التي استخدمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ندائه للقوى السياسية لتشكيل الحكومة، حال اللبنانيين الذين ينتظرون حلولاً توقف الانهيار في البلاد، خصوصاً أن قطار ترشيد الدعم انطلق ومحطاته المقبلة ستكون أكثر قساوة على المواطنين.
يتابع السيسي الملف اللبناني بدقّة، ويرفض مقولة إن "العرب تخلوا عن لبنان"، لكن في الوقت نفسه تحوّل لبنان خلال فترة قصيرة من بلد هادئ على خط تماس مشتعل، يجذب المجتمع الدولي للحفاظ على هدوئه، إلى أصغر البلدان المحترقة في المنطقة. ومن أهم الدول المصرفية إلى أسوئها، ما أعطى اشارة واضحة إلى المجتمع الدولي بإدارة ظهره للبنان والاهتمام بالبلدان الأكثر اشتعالاً، وتُرجمت سياسة "إدارة الظهر" في مؤتمر باريس الأخير بشكل واضح، إذ تحوّل من ورشة لتأمين الدعم للبنان الدولة إلى مؤتمر لتقديم المساعدات الغذائية والطبية للبنانيين، أي أشبه بسياسة التعاطي مع الصومال.
ورغم ثورة "17 تشرين" ومعاناة اللبنانيين، لم تستقل القوى المسيطرة على البلاد من أدائها "الوقح"، بل ظلّت متمسكة بـ"المحاصصة" والبحث عن المكاسب السياسية على مصلحة الشعب اللبناني، فاستقال المجتمع الدولي عن دعمها. فالرئيس ميشال عون بات غير معني بعهده ولا بالبلد وشعبه، ويستمر بخوض معركة "ما بعد العهد"، بالتمسك بـ"ثلث معطّل" في الحكومة التي يسعى إلى تشكيلها الرئيس سعد الحريري، هي حكومة تعتبرها بعبدا مجلساً لإدارة البلاد إلى ما بعد تشرين 2022، خصوصاً في ظل مؤشرات من "الوطني الحر" و"حزب الله" لدفع مجلس النواب إلى التمديد للابقاء على الاكثرية نفسها، ولو ببعض التغييرات التي تفرضها انتخابات فرعية او انشقاقات من صفوف "التكتل الباسيلي".
وبمواجهة هذا الجمود، يستكمل الرئيس الحريري الفرصة الأخيرة لوقف الانهيار ووضعه على سكة التموضع الاستراتيجي الجاذب مجدداً، خصوصاً أن كل البلاد باتت تتنفس من رئة واحدة هي مطار رفيق الحريري الدولي، فيما هناك في بعبدا نقاش حول كيفية احباط محاولة الحريري، إذ تواردت إلى أحد المراكز الديبلوماسية معلومات عن اجتماع بين أجنحة فريق العهد، لمناقشة خطوات الحريري، ووضع خيارات الرد في حال قدّم تشكيلة وزارية إلى عون لا تناسب الأهواء الباسيلية، وانقسم الرأي:
- فريق أول طرح فكرة توقيع التشكيلة لتعود وتخسر الثقة في مجلس النواب، فجاء الرد من طرف ثانٍ بأنه من دون "الوطني الحر" و"حزب الله" وبعدد النواب الذين سموا الحريري في التكليف ستحظى الحكومة بالثقة، فتم استبعاد الخيار.
- طرح الفريق الثاني خيار رفض التشيكلة "جهارة" وعدم توقيعها، فتدخل الفريق الأول معتبراً أن هذه الخطوة ستدفع اللبنانيين والقوى السياسية والمجتمع الدولي إلى تحميل رئاسة الجمهورية المسؤولية عن استمرار الانهيار، فتم استبعاد الخيار.
- ونال الخيار الثالث الاجماع بعنوان "لا توقيع ولا رفض"، واعتماد سياسة "الترقيع" عند كل زيارة، إلى حين تأمين الهدف: "الثلث المعطل".
وهو خيار لا يعكس اطلاقاً متطلبات الحكومة، فهي تحتاج وفق أحد المراقبين "ثلاث صفات" تمكّن الحريري من تسويقها في المجتمع الدولي:
أولاً: استعادة فكرة الحكومات المصغرة التي لم يتم اللجوء إليها منذ ما قبل "اتفاق الطائف".
ثانياً: اعادة "حزب الله" إلى صيغة ما قبل التحالف الرباعي وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2005.
ثالثاً: تغيير النمط السائد عن الحكومات، ورفع السيطرة الحزبية عن وزارات الجباية السياسية كـ"الاتصالات والطاقة".
... وتزامناً مع البدء بترشيد الدعم وعودة اللبنانيين إلى الشارع رفضاً للواقع، تبقى الكرة في ملعب الرئيس عون... "من فضلكم" فخامة الرئيس اتركوا لبنان يعيش!