أخبار لبنان

الحريري ينتظر ولن يعتذر

تم النشر في 11 كانون الأول 2020 | 00:00

‎ ‎كتبت صحيفة "نداء الوطن" تقول: لا يكاد يمرّ يوم إلا ويسطّر فيه رئيس الجمهورية ميشال ‏عون تغريدة "ملحمية"، تارةً تحاكي "استقلالية القضاء ومكافحة الفساد"، وطوراً تتحدث ‏عن"الإصلاح واحترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية" والمساواة بين الفرد والآخر "أياً كان ‏انتماؤه الديني أو السياسي"... أما على أرض الواقع فلا يكاد يمرّ يوم على اللبنانيين من دون ‏تلمّس لمس اليد في يومياتهم مدى تدهور المؤشرات الحيوية على مختلف هذه الأصعدة في ظل ‏العهد العوني، حيث استقلالية التشكيلات القضائية محتجزة في أدراج قصر بعبدا، والفساد بلغ ‏مستويات قياسية، وحقوق اللبنانيين وكرامتهم الإنسانية مهدورة، وحكومة المهمة الإصلاحية ‏أسيرة معيار "الانتماء الديني والسياسي" الذي يشترطه رئيس الجمهورية لتوزيع الحقائب ‏الوزارية، من زاوية ما وضعته مصادر بعبدا أمس، في معرض تبريرها تصدي رئيس ‏الجمهورية لتشكيلة الرئيس المكلف سعد الحريري بتشكيلة مضادة، في خانة إحقاق "التوازن ‏السياسي والطائفي" في الحكومة‎.‎

ووسط هذا الظلام الحالك المهيمن على مصائر اللبنانيين، لاحت أمس بارقة عدل أمام أعينهم ‏عبر خطوة قضائية شجاعة تنقل ملف التحقيقات في تفجير المرفأ إلى مستويات أعلى على سلّم ‏المسؤوليات وهرمية السلطة، لتطال رئيس حكومة 8 آذار حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، ‏علي حسن خليل، غازي زعيتر ويوسف فنيانونس، بعدما ادعى عليهم المحقق العدلي في القضية ‏القاضي فادي صوان، بجرم "الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة" بالإضافة إلى ادعائه على مدير ‏أمن الدولة اللواء طوني صليبا. وسرعان ما تلطّى دياب خلف حصن السراي الكبير في مواجهة ‏الإدعاء عليه معلناً رفضه المثول أمام القضاء، لكنّ مصادر قضائية أكدت لـ"نداء الوطن" أنّ ‏تمنع دياب لن ينزع عنه صفة "المطلوب الاستماع إليه أمام العدالة بصفته مدعى عليه ولو بعد ‏حين". أما عون الذي أكد على الملأ بأنه "كان يعلم" بوجود شحنة النيترات في العنبر رقم 12 ‏وأقرّ بأنه اطلع على التقارير التي تحذر من خطورة تخزينها في المرفأ، فحسابات مقاضاته ‏مختلفة "بحكم موقعه في سدة رئاسة الجمهورية، نظراً لكونه يخضع بكل أفعاله إلى المجلس ‏الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والقرار بمحاكمته يحتاج إلى قرار من أكثرية مجلس ‏النواب"، وبالتالي هذا الأمر غير متاح راهناً لكون تكتله النيابي يشكل جزءاً أساسياً من أكثرية 8 ‏آذار النيابية‎.‎

وفي حين بدأت معالم اشتباك سياسي - قضائي ترتسم في الأفق، استنفرت قوى 8 آذار ضد قرار ‏المحقق العدلي على وقع إثارة مصادرها شبهات حول "خلفيات ادعائه على جهة سياسية محددة ‏دون سواها، وانتقائه أسماء دون غيرها من الأسماء التي كان قد أدرجها ضمن كتابه إلى مجلس ‏النواب". بينما لم يتأخر مجلس القضاء الأعلى في إصدار بيان إسناد للقاضي صوان يتبنى قراره ‏ويؤكد احترام تحقيقاته الأصول القانونية، مع التأكيد على عزمه "مواظبة القيام بعمله وواجبه ‏بالسرعة الممكنة بهدف تحديد المسؤوليات بحقّ المرتكبين". كما سارع نقيب المحامين في ‏بيروت ملحم خلف إلى تبديد محاولات التشكيك بقانونية الادعاء على وزيرين سابقين من ‏المحامين دون إذن من النقابة، عبر إصداره بياناً يثني فيه على قرار المحقق العدلي رافضاً منح ‏‏"حصانات دستورية وقانونية وسياسية لأحد"، في سبيل إحقاق العدالة في جريمة المرفأ، ودعاه ‏إلى "المضي قدماً بالإدعاء على سائر من أظهرتهم التحقيقات الإستنطاقية أيّاً كانت مواقعهم في ‏هذه الجريمة الكبرى‎".‎

وعن الآلية المتبعة بعد رفض دياب استقبال المحقق العدلي الاثنين المقبل في السراي الحكومي ‏للاستماع إلى إفادته، أوضحت المصادر أنه "في حال حالت الحصانات السياسية دون استكمال ‏المحقق العدلي تحقيقاته مع المدعى عليهم، فله أن يقرر إما إصدار مذكرات توقيف بحقهم، أو أن ‏يستكمل ملف التحقيق والادعاءات ليعمد بعدها إلى ختمه وإحالته إلى مجلس النواب طالباً منه ‏تحمل مسؤولياته إزاء القضية، ربطاً بكون الجرم المدعى فيه على رئيس حكومة ووزراء سابقين ‏مقروناً بشبهة الإهمال الوظيفي والتقصير والإخلال بالواجب أثناء أداء مسؤولية عامة، ما يجعل ‏الملاحقة تالياً من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء"، لافتةً الانتباه في هذا ‏السياق إلى أنّ "عدم تعاطي المجلس بجدية مع كتاب المحقق العدلي والمستندات المرفقة، هو ما ‏دفعه إلى تحمل مسؤوليته القضائية وتسطير الادعاءات بموجب صلاحياته، وبالاستناد إلى ما ‏تبيّن له من التحقيقات الاستنطاقية التي أكدت وجود شبهات جدّية تتعلق بمسؤولية المدعى عليهم، ‏لناحية ثبوت عدم قيامهم بالإجراءات الواجبة إثر تلقيهم مراسلات خطية تحذرهم من الخطر الذي ‏نتج عنه انفجار المرفأ‎".‎

أما حكومياً، فتغريدة تختصر الموقف العوني وقرار رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ‏بإحباط عودة الحريري إلى السراي، عبّر عنها النائب زياد أسود على طريقته المعهودة بقوله ‏للرئيس المكلف: "بتعمل رئيس حكومة بس ترجع ستي من الدني التاني‎"!‎

وتحت هذا السقف، تتوقع مصادر مواكبة للملف الحكومي أن تسلك الأمور مساراً تصعيدياً ‏تصاعدياً في الفترة المقبلة بين عون والحريري، مؤكدةً لـ"نداء الوطن" أنّ المعطيات تفيد بأنّ ‏‏"رئيس الجمهورية سيسعى جاهداً إلى قطع الطريق أمام التشكيلة الوزارية التي قدمها إليه الرئيس ‏المكلف، عبر اتهامه بإهمال التصوّر الحكومي لعون وتهميش واجب الشراكة الدستورية في ‏التأليف مع الرئاسة الأولى"، في حين لفتت المصادر إلى أنّ "الرئيس المكلف يعتبر أنه قام ‏بواجبه وقدّم تشكيلته الوزارية، وبالتالي سينتظر جواب رئيس الجمهورية وتحديد موقفه النهائي ‏منها تماشياً مع صلاحيته الدستورية بالرفض أو القبول"، وفي المقابل "لن يسمح باستدراجه لا ‏إلى الخوض في هرطقات دستورية ولا إلى التنحي والاعتذار"، في حال تمنّع عون عن توقيع ‏التشكيلة المقدمة إليه‎.‎




نداء الوطن