كتب محمد عفيفي
فخامة الرئيس ،
عندما تنادى خصومك الى انتخابك رئيساً للجمهورية مخالفين المزاج العام لجمهور عريض من اللبنانيين والكثرة من النواب والسياسيين وأصحاب الرأي ، لم يكن أمامهم سوى هذا الخيار لإخراج البلاد من التعطيل المتعمد للمسار الدستوري وانهاء الفراغ في موقع الرئاسة الاولى .
تعلم فخامتك كما يعلم سائر الأعلام في القانون الدستوري وأهل الاختصاص في تدبيج الفتاوى الدستورية ، وفيهم من يقيم الى جانبك الآن في قصر بعبدا ، ان روح الدستور اللبناني ونصه يحددان آليات انتخاب الرئيس ولا يجيزان لأي سبب من الأسباب وضع موقع رئاسة الجمهورية في الحجر السياسي والحزبي ، وحشر المجلس النيابي امام أمر من اثنين ؛ إما اختيار اسمك للرئاسة او إبقاء البلاد رهينة الفراغ الى أبد الآبدين .
ولا يفوتني التذكير في هذا المقام الى الأثمان السياسية التي ترتبت على الرئيس سعد الحريري ، جراء التسوية مع فخامتك سواء على مستوى العلاقات مع بيئته وصداقاته وتحالفاته المحلية او على مستوى علاقاته العربية ، كما لا يفوتني التذكير بان اصرار الرئيس الحريري على السير في التسوية ، مرده التربية التي نشأ عليها وان قلبه لا يعرف الحقد بالفطرة والواقع ، وان العلاقة بينكما ارتكزت الى الاحترام المتبادل وموجبات توفير المصلحة العامة ، والرهان من جانبه دائماً على وجود فرصة جدية للسير في البلاد على طريق النمو والاصلاح والمصالحة وتجديد ثقة المواطن بدولته ومؤسساته .
ومن نكد الدهر على هذا البلد ومواطنيه ، ان رياح العهد والحكومات مشت بما لا تشتهي السفن والقباطين ، فواجهت الانواء والأعاصير بفعل تسليم زمام القيادة الى وطوائف القصر والحاشية الحزبية ، واصطدام سفن العهد القوي بالغضب الأقوى لشعب لبنان العظيم ودخول البلاد مجدداً في الانفاق المستطرقة للتعطيل والابتزاز وتغليب المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية .
وتحضرني على وهج الانهيار السياسي والاقتصادي والمعيشي القائم ، مقولة شهيرة نُسبت الى الرئيس نبيه بري بعد انضمام خصومك السياسيين الى معسكر المطالبين بانتخابك رئيساً ، وهي مقولة تختصر واقع المعاناة الذي يجعل من العهد القوي عهداً لا يليق بشخصية بحجم وتاريخ العماد ميشال عون . وفي المقولة ؛ انتبهوا يا جماعة ... نحن علينا انتخاب رئيس للجمهورية وليس انتخاب رئيسين . وكا ن المقصود بتلك المقولة التنبيه بسطوة جبران باسيل على قرار الرئاسة ، الذي يحوله الى قرار برأسين ورئاسة بكرسيين ؛ كرسي للعم وثانية للصهر وما بينهما جدار مفخخ بأدوات التنصت والتلقين .
فخامة الرئيس ،
هنا تكمن معضلة العهد ، وهنا يكمن المأزق الذي يواجه تشكيل الحكومة ، ويعترض المسار الدستوري الذي يحكم تأليف الحكومة بين فخامتك وبين الرئيس المكلف ، وكأن المطلوب من الرئيس الحريري تقديم تشكيلته الى رئيسين وتطبيق الدستور مع رئيس اصيل وآخر رديف .
انت أدرى يا فخامة الرئيس بما يكنه لك الرئيس سعد الحريري على المستوى الشخصي ، وتعلم حق العلم عاطفته وسريرته الطيبة تجاهك ، وحجم التضحيات والتنازلات التي قدمها في سبيل تذليل العقبات التي اعترضت العهد والمسيرة التي ارتضيتم معاً ان تكون انقاذية واصلاحية لا تشوبها شوائب الاصطفاف الطائفي والكيديات الحزبية .
فخامة الرئيس ،
البلاد تقف عند منعطف مصيري ، تحتاج فيه الى حكمتك والى رئيس يحكم بين الناس بالعدل ويفتح قلبه لكل اللبنانيين ، ينصت لهم جميعاً لا لواحدٍ منهم .
فخامتك لا تحتاج لجهابذة في السياسة وعلم القانون ، ليسقطوا عليك الافكار والفتاوى في كيفية تشكيل الحكومات ، فانت تعلم ونحن نعلم وكل اللبنانيين على علم بما ينص عليه الدستور ، والرئيس سعد الحريري ليس في وارد المماطلة والابتزاز ، وهو مكلّف بتشكيل حكومة وليس مكلفاً بتقديم الهدايا السياسية للاحزاب ولا بتعويم قيادات تعاني الهبوط السياسي ، فلا يغرنك أي كلام عن استقواء بالمبادرة الفرنسية والعقوبات الاميركية وبما ينال موقع رئاسة الحكومة من استهدافات ... ولا تستعجل اعتذار الرئيس المكلف تحت وطأة الفتاوى من المقربين والأبعدين ، لأن ما نحن فيه يستدعي المسارعة الى تأليف حكومة بمواصفات لا تقذف بغضب الناس وأوجاعهم الى سلال المهملات السياسية . حكومة من اهل الخبرة والاختصاص والكفاءة والنزاهة ، وليس من اهل البيت والاحزاب والتيارات ، بما في ذلك تيار المستقبل نفسه .
فخامة الرئيس ،
الفرصة ما زالت متاحة ، لرفع المأساة عن كاهل بيروت واهلها ووضع البلاد على سكة الاصلاح والانقاذ ووقف الانهيار ... اعطِ اذنيك ولو لمرة واحدة لغير المقيمين في زوايا القصر ، والكل سيكون تحت سقف الدستور والعدالة على اتم الاستعداد للمشاركة في قيامة لبنان عشية الميلاد المجيد وعلى شرفة العام الجديد .