أخبار لبنان

باسيل يضع أوراقه في السلة الإيرانية.. ويراهن على طهران لتعويمه رئاسياً

تم النشر في 27 كانون الأول 2020 | 00:00

كتب محمد شقير في "الشرق الاوسط": ‏


يحظى رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، بحضور مميز في القصر ‏الجمهوري، ليس من خلال رئيس الجمهورية ميشال عون فحسب، وإنما عبر «ودائعه» في ‏الفريق الاستشاري الرئاسي الذي لا يحرك ساكناً من دون العودة إليه، بخلاف ما يدعيه المكتب ‏الإعلامي في بعبدا في ردوده بالنيابة عنه على خصومه الذين يتهمونه بأنه الآمر الناهي الذي ‏يتصرف على أنه رئيس الظل الذي بيده الحل والربط في الأمور السياسية الشائكة، وآخرها ‏تعطيل الجهود الرامية للإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة‎.‎

ويروي خصوم باسيل أنه يتدخل في كل شاردة وواردة، وهو وحده صاحب القرار، والحاضر ‏على الدوام في اللقاءات التي يعقدها عون، أكانت محلية أم دولية، ويعود له حق النقض، وهذا ما ‏حصل في أثناء استقباله لمستشاره للعلاقات العامة طوني حداد، قبل أن يعفيه من مهامه المكلف ‏بها، بالتواصل بين واشنطن وبعبدا، مروراً بباسيل شخصياً، إضافة إلى أن عون لم يتردد في ‏احتضان صهره في اللحظة الأولى التي فرضت عليه واشنطن رزمة من العقوبات بتهمة توفير ‏الغطاء السياسي لـ«حزب الله» وامتداداته في الخارج. وتردد أن واشنطن أمهلت باسيل لعله يعيد ‏النظر في تحالفه مع «حزب الله»، في مقابل تجميد العقوبات التي استهدفته، لكنه أخل بوعوده ‏بعد أن استعصى عليه الحصول على ضمانات أميركية بدعم ترشحه لرئاسة الجمهورية‎.‎

وتردّد أن باسيل انقلب على وعوده لواشنطن لمصلحة تدعيم تحالفه مع «حزب الله»، اعتقاداً منه ‏أن الأخير لن يتخلى عنه، بذريعة أنه عوقب أميركياً بسبب رفضه الانقلاب على حليفه استجابة ‏لرغبة واشنطن. فباسيل بات مضطراً للالتحاق بلا شروط بـ«حزب الله» لأنه لم يعد من حلفاء ‏له سواه، بعد أن أقحم نفسه في اشتباكات سياسية متنقلة، وهذا ما ينسحب على عون الذي يتهمه ‏خصومه بأنه يستجيب على بياض لطلبات صهره الذي لم يتمكن من إقناع تكتل «لبنان القوي» ‏الذي يرأسه بمجاراته في الهجوم على واشنطن للثأر منها على عقوباتها التي استهدفته، ويبقى ‏الشاهد على موقف التكتل ما جرى من مداولات في اجتماع لجنة الشؤون الخارجية النيابية، ‏برئاسة النائب ياسين جابر، على جدول أعمالها النظر في العقوبات‎.‎

وتبين أن اللجنة النيابية لم تستجب لإصرار النائب في «حزب الله» حسن عز الدين على إصدار ‏بيان عنيف اللهجة ضد الإدارة الأميركية تضامناً مع باسيل، ما اضطره للتفرد في موقف اتسم ‏بنبرة عالية، في مقابل الموقف الذي أصدرته اللجنة، وفيه إشارة إلى أن النواب الأعضاء كانوا ‏في غنى عن هذه العقوبات التي تعيق تشكيل الحكومة، والتي كانت وراء اعتذار سفير لبنان لدى ‏ألمانيا مصطفى أديب عن تكليفه بتشكيلها، علماً بأن النائبين في التكتل إلياس بو صعب وفريد ‏البستاني التزما بموقف اللجنة، ولم ينضما إلى النائب عز الدين في تصعيده ضد واشنطن. كما أن ‏باسيل الوريث السياسي لعون يصر على اتباع سياسة إلغائية ضد خصومه، وصولاً إلى ‏التصرف -وفق قول هؤلاء الخصوم- كما كان يتصرف عون طوال فترة توليه رئاسة الحكومة ‏العسكرية بين عامي 1989 و1991‏‎.‎

ويؤكد الخصوم أن عون منذ وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى يصر في أدبياته على استرداد ‏حقوق المسيحيين، وإنما لمصلحة باسيل بصفته الممثل الوحيد لهم، بعد أن فتح النار على مناوئيه ‏في الشارع المسيحي، ظناً منه أنه يعيد تعويمه، وصولاً إلى فرض شروطه على الرئيس المكلف ‏بتشكيل الحكومة سعد الحريري الذي يرفض الاستسلام، ويصر على التمسك بالمبادرة الفرنسية. ‏لذلك فإن باسيل قرر الصمود في وجه العقوبات الأميركية، اقتداءً منه بصمود الرئيس السوري ‏بشار الأسد الذي تمكن من مواجهة الحصار الدولي الذي تعذر عليه إسقاط نظامه، وبالتالي قرر ‏أن يضع كل أوراقه في السلة الإيرانية -بحسب خصومه- وإنما بواسطة حليفه «حزب الله»، ‏وبغطاء مباشر من عون الذي يحيل كل من يراجعه في أمور ذات طابع سياسي على صهره‎.‎

وينطلق باسيل في رهانه على إيران من أن استمراره في تعطيل الحكومة يحوله إلى رقم صعب ‏في المعادلة الداخلية، مع أن خصومه يتهمونه بأنه يقدم خدمة مجانية لـ«حزب الله» الذي يتلطى ‏خلف شروطه التعطيلية لإبعاد الشبهة عنه بأنه يقف وراء تأخير ولادتها إلى ما بعد انتقال السلطة ‏في الولايات المتحدة الأميركية إلى الرئيس المنتخب جو بايدن‎.‎

وعليه، فإنه لا مشكلة لدى باسيل -كما يتهمه خصومه- في استمراره بزرع الألغام السياسية التي ‏تعيق تشكيل الحكومة بالنيابة عن «حزب الله»، وقد بات يراهن على أن بلوغ التأزم الداخلي ‏ذروته سيدفع بالإدارة الأميركية الجديدة للتفاوض مع إيران، تحت ضغط اقتراب الكيان اللبناني ‏من الزوال، بذريعة أن ما يميز بايدن عن سلفه دونالد ترمب جنوحه نحو التفاوض بدلاً من ‏المواجهة، أسوة بالرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي رعى التوقيع على الاتفاق النووي ‏مع طهران‎.‎

وبكلام آخر، فإن باسيل يراهن أيضاً على أن تصديه لتشكيل الحكومة سيؤدي إلى تراجع الاهتمام ‏الدولي بلبنان لصالح التفاوض الأميركي - الإيراني الذي يعيد له الاعتبار، بدءاً بإعادة النظر ‏بالعقوبات المفروضة عليه، انتهاءً بإحداث خلل في ميزان القوى يعيده للمنافسة على رئاسة ‏الجمهورية، بدعم من «حزب الله» الذي كان وراء تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ‏ولم يفرج عنها إلا بعد أن أيقن إيصال عون إلى سدة الرئاسة‎.‎