ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس رأس السنة في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة قال فيها: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، وأن نتبادل التهاني والتمنيات معكم ومع كل الذين يشاركوننا عبر وسائل التواصل الإجتماعي. نسأل الله أن يجعلها سنة خير وسلام، فنطوي فيها مرحلة المآسي والضيق والقلق على الغد والمصير. ولكن لا بد من أن نشكر الله على عنايته الخفية التي مكنت اللبنانيين من الصمود بوجه القلق الوجودي على أمنهم القومي، وأمنهم الفردي، وأمنهم السياسي، وأمن حرياتهم، ولو أنهم في معظمهم فقدوا الإبتسامة والسعادة والفرح والطمأنينة على الغد".
أضاف: "على الرغم من كل المآسي التي عشناها من أزمة سياسية وإقتصادية ومالية وتجارية، إلى إنفجار مرفأ بيروت وما خلف من ضحايا ودمار ونكبات، وإلى عرقلة التحقيق العدلي، فإلى جائحة كورونا التي شلت الحياة عندنا وفي العالم، فإنأ نواصل السعي باسم يسوع مع مطلع هذا العام الجديد من أجل بناء مجتمع أفضل وحماية وطن أسلم".
وتابع: "إعتادت اللجنة الأسقفية "عدالة وسلام" على الإحتفال بيوم السلام العالمي في الأحد الذي يلي رأس السنة، لأسباب عملية. وهذا ما سنفعله في كنيسة الكرسي البطريركي الأحد المقبل. ولكن لا بد من أن نقدم بإيجاز رسالة قداسة البابا فرنسيس لهذا اليوم وهي بعنوان: "ثقافة العناية مسار السلام". وسنتبسط في مضمونها الأحد المقبل، غير أننا نختصر أفكارها الأساسية من أجل مواكبة قداسة البابا والكنيسة في الصلاة من أجل السلام والتعمق في مضامينه"
ورأى أن "ثقافة العناية بالآخرين في حاجاتهم واجب على كل واحد وواحدة منا، وعلينا كجماعات، هذا ما فعله ويفعله المتطوعون والمحسنون والمنظمات الخيرية والمبادرات الجماعية، والبطريركية والمؤسسات التابعة لها والأبرشيات والرعايا والرهبانيات والأديار، والمنظمات الرسولية والشبيبة وهي تنسق الخدمة فيما بينها عبر هيئة "الكرمة" لتشمل كل الأراضي اللبنانية. وهذا ما فعلته الدول، وعلى رأسها الكرسي الرسولي، التي هبت للمساعدة المتنوعة منذ إنفجار مرفأ بيروت".
وأكد أن "واجب ثقافة العناية يقع على ضمير الجماعة السياسية التي وجدت من أجل تأمين الخير العام "الذي منه خير كل مواطن وخير كل المواطنين". وهو "مجمل أوضاع الحياة التشريعية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي تمكن الأشخاص والجماعات من تحقيق ذواتهم تحقيقا أفضل". وسأل: كيف يمكن توفير هذا الخير العام من دون حكومة دستورية تمثل السلطة الإجرائية مع ما لها من صلاحيات، وما عليها من واجبات يحددها الدستور بوضوح ولا سيما "وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات لتطبيقها، ومتابعة أعمال الإدارات والمؤسسات العامة، والتنسيق بين الوزراء، والإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة، وتعيين الموظفين"، وسواها من الصلاحيات (راجع المادتين 64و65 من الدستور). حيث لا حكومة هناك شلل أخطر من جائحة كورونا، لأنها تتسبب بحياة الفوضى في البلاد".
وشدد على أنه "فلا يحق لأحد أو لأي فريق من الجماعة السياسية، أكانوا معنيين مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، أن يعرقلوا تشكيل الحكومة من أجل حسابات ومصالح آنية أو مستقبلية، وقد إنطوى شهران وعشرة أيام على التكليف، فيما لبنان سائر سريعا نحو الإنهيار الكامل والإفلاس. يا لها من مسؤولية تدميرية أقوى وأشمل من تدمير مرفأ بيروت، وهدم نصف العاصمة، والتسبب بمئات الضحايا البريئة وآلاف العائلات المشردة، لأن دمارها يطال الشعب كله وحياة الدولة بكاملها"!
واردف: "من المعيب حقا أن تبدأ السنة الجديدة من دون أن تكون الحكومة مؤلفة ومنكبة على العمل. ومعيب أيضا على المعطلين التعاطي بالشأن اللبناني كأنه حجر من أحجار شطرنج الشرق الأوسط أو الدول الكبرى. فلتتذكر الجماعة السياسية أن تأليفَ حكومة هو واجبها الأول والأساسي ومبرر وجودها، ومن أجلها ومن أجل الوطن يرخص كل شيء ويبوخ".
وختم الراعي: "بالمناسبة، نحن حريصون على أن يكون أي حل للقضية اللبنانية، أكان نتاج الإرادة اللبنانية وحدها أم بالتعاون مع المجتمع الدولي والعربي، لمصلحة لبنان وجميع اللبنانيين. وهي مصلحة تكمن في الانتقال إلى دولة القانون حيث نعيش معا في شراكة ومحبة في ظل شرعية مدنية واحدة، وجيش وطني واحد، ودستور عصري واحد، وعلم لبناني واحد. هذه القيم والمبادئ تحتاج إلى فعل سياسي وولاء للبنانَ دون سواه".