من لا يعرف السبب الفعلي للحركة الناشطة التي شهدتها أسواق صيدا وجوارها على مدى الأيام الثلاثة الأخيرة ( منذ الاثنين وحتى اليوم الأربعاء ) يعتقد للوهلة الأولى ان المدينة على ابواب عيد ..
ومن يعرف السبب الحقيقي لهذه الحركة وهو ان المدينة كما بقية المناطق على موعد جديد مع تعبئة عامة واقفال واستثناءات لهما للحد من تفشي وباء كورونا ، وانهما سيمتدان هذه المرة حتى مطلع شباط.. سيكون امام مفارقة لافتة.. تحت عنوان استباق الإغلاق وتجنبا لما سيفرض من تدابير رادعة وما تلوح به الدولة من محاضر ضبط للمخالفين ، يتحول ازدحام الشوارع والأسواق ومحال بيع المواد الغذائية بالناس والاكتظاظ الذي لم يخل من الاختلاط في بعض الأماكن وان بالتزام جزئي بالكمامات ومحدود بالتباعد، وبلغ حد الاختناق المروري في بعض الأماكن بالنسبة للسيارات ، يتحول بحد ذاته الى مصدر وسبب لتفشي الوباء.. !
تهافت المواطنين على شراء حاجياتهم وخاصة الغذائية منها وعلى انجاز ما عليهم من التزامات او اعمال لم يحجب تفاقم عبء الأزمة المالية وارتداداتها على الأوضاع المعيشية ، حيث قفز الدولار في السوق السوداء ليلامس التسعة آلاف ليرة ، ويشعل من جديد اسعار السلع الأساسية وغيرها ، فيما قدرتهم المالية المتلاشية نتيجة تدهور العملة الوطنية و" حجز" البنوك لودائعهم – اذا وجد – وتقنينها صرف الأموال تحت سقف معين " باللبناني" .. فأقبل بعضهم على صرف آخر " بارة " كان ادخرها في يومه الأبيض ليومه الأسود ليس فقط لأنه بلغ فعلا هذا اليوم الكالح السواد ، بل لأنه ايضا لن يستطيع الصمود اكثر من ذلك قبل ان " يبيع " ثيابه" اذا اضطر لذلك .. فيما وجد آخرون في قطعة ذهب كان اقتناها " ايام العز " ملاذا يعينه على تأمين ما يعينه ليصمد شهراً آخر .. بالمقابل تزدهر تجارة بيع وشراء الذهب في اسواق المدينة منذ بدء الأزمة المالية ، ويلقى الاقبال على شرائه رواجا من جهة من قبل بعض التجار الذين يجدون فيه تجارة مضمونة ، او من جهة بعض من يريد حماية مدخراته المالية بالاحتفاظ بها ذهباً .. كي لا تتحول بين يديه تراباً بفعل انهيار الليرة وفقدان الدولار !
امام هذا الواقع ، تستعد عاصمة الجنوب لإختبار اكثر من ثلاثة أسابيع متواصلة من الاغلاق وفق مقررات التعبئة العامة في ظل تصاعد اعداد الاصابات بفيروس كورونا ضمن نطاق المدينة واتحاد بلديات " صيدا – الزهراني " .
وعلى الرغم من عدم رضاهم على قرار الاقفال بما يلحظه من استثناءات "غير عادلة" ، قرر تجار مدينة صيدا الالتزام مبدئياً بالقرار حرصاً على صحة المواطنين لكنهم بدورهم يعتبرون ان الأسبوع الأول من الاقفال سيكون اختبارا بالمقابل لمدى قدرة الدولة على فرض الالتزام بهذه المقررات .
وفي هذا الصدد يؤكد رئيس جمعية تجار صيدا وضواحيها علي الشريف " انه رغم اعتراضنا على الاقفال شكلا ومضمونا سنلتزم به ، فالاستثناءات طالت كل القطاعات الا القطاع التجاري وهو الوحيد الذي سيقفل !.. وقد سبق ودفع هذا القطاع والعاملون فيه الثمن في فترات الاقفال السابقة والتي لم تعط النتائج المرجوة !.
ويقول" لا توجد عدالة في الاستثناءات ، فقد شملوا بالاقفال القطاع الذي هو بحالة موت سريري. والآن سينزعوا عنه انبوب الأوكسجين ليلفظ انفاسه الأخيرة .. بينما استثنوا قطاعات تشهد اكتظاظا .. وقبل ذلك رأينا كيف غضوا النظر عن التفلت الذي شهدته المناطق خلال الشهر الماضي حتى تفشى الكورونا أكثر .. لأنهم ايضا لم يفرضوا ولم يراقبوا مدى الالتزام بتطبيق اجراءات التباعد والوقاية خلال فترة الأعياد . فكان التفلت على غاربه . وبدلاً من منع هذا التفلت الذي ادى الى هذا التفشي الغير مسبوق لفيروس كورونا جاءوا اليوم ليحملوا قطاعات معينة تبعات واعباء اضافية ومنها القطاع التجاري .. "
ويضيف الشريف "رغم ذلك وامام صحة المواطن نحن ملتزمون كليا بالاقفال لكن سنراقب التطبيق في صيدا وضواحيها وفي كل لبنان وسنرى كيف ستكون الية التنفيذ خلال الأسبوع الأول وعلى ضوئها نتخذ القرار بالنسبة للأسبوع الذي سيليه " لافتا الى ان هناك تنسيقاً مع جمعيات التجار في كل المناطق وجميعهم بهذا الجو " وقال" سنعطي فرصة لنرى ما اذا كانت الية التطبيق سليمة لكن في ظل الاستثناءات التي وضعوها لا نرى ان هذا سيعطي نتيحة " .
ويعتبر الشريف ان الحركة الناشطة التي شهدتها صيدا عشية الاقفال امر طبيعي في مثل هذه الحالات ، لكنه يشير الى ان هذه الحركة تتركز فقط وبشكل اساسي على "الأكل والشرب والتموين والحاجيات الأساسية " بسبب الأزمة المالية والمعيشية .
ويلفت الشريف الى ان اصحاب المؤسسات التجارية يتكبدون خسائر فادحة جراء الاقفال تضاف الى ما لحق بهم من خسائر ونكسات بسبب الأزمة المالية وفترات الاقفال السابقة ، ويقول " هناك تجار اذا لم يبيعوا لا يأكلون ولا يعودون بقوت يومهم الى عائلاتهم.. ومن يخسر منهم بنسبة 30% و40% يستحق ان يعلق له وساما ، لأن لا احد قادر على ان يؤمن نصف مصاريفه ، وكل منهم يأكل ويعيش من لحمه الحي.. " .
ويضيف " لم يعد الجسم التجاري قادر على التحمل اكثر دون مردود يمكنه من الصمود، وهذا سينعكس سلبا على مداخيل الدولة منه من الرسوم والضرائب والكهرباء والايجارات ورسوم اشتراكات الضمان .."
ويرى الشريف ان "الوضع لا يبشر حتى الآن بالخير لأن هناك من لا يريد تشكيل حكومة ومن لا يريد ان تمد الدول يد المساعدة الينا ..والدولة مربكة في مواجهة الأزمات". ويقول " لا يريدون حكومة وهم يتركون الناس لتواجه مصيرها .. لكن التاريخ لن يرحمهم" .
رأفت نعيم