أمن وقضاء

هكذا تصدى الجيش لأزمة الطوابع المالية وإخراجات القيد!‏

تم النشر في 1 شباط 2021 | 00:00

بخلاف كل الأزمات التي تزداد تعقيدًا في لبنان، حُلت أزمة الطوابع المالية، وأيضًا ‏أزمة إخراجات القيد. كيف حصل ذلك؟ باختصار، الجيش وفّر الحل المناسب في ‏وقت قياسي فضلًا عن التوفير في الكلفة.‏

في العاشر من كانون الأول ٢٠٢٠، طرحت وزارة المالية في الأسواق اللبنانية ‏ثلاثة ملايين طابع مالي من فئة الألف ليرة، طُبعت في مديرية الشؤون الجغرافية ‏في الجيش اللبناني نتيجة اتفاق رضائي بين الطرفَين عُقد في ١٨ تشرين الثاني ‏‏٢٠٢٠، قضى بتلزيم المديرية ٢٠ مليون طابع من كل الفئات. هذا الاتفاق الذي ‏أدى إلى حل أزمة فقدان الطوابع في السوق اللبناني، أسهم أيضًا في توافر الأموال ‏على خزينة الدولة، وكذلك الأمر بما يتعلق بإخراجات القيد.‏

بدأت أزمة شحّ الطوابع المالية في السوق اللبناني منذ نهاية العام ٢٠١٩، وتفاقمت ‏بشكلٍ كبير في صيف العام ٢٠٢٠، ودخلت أسعار الطوابع في السوق السوداء ‏وأصبحت أسعارًا خيالية. كانت وزارة المالية قد حاولت مرارًا إجراء مناقصة ‏لتلزيم طباعة الطوابع المالية بدءًا من شهر حزيران ٢٠١٩ ولم تنجح لأسبابٍ ‏إدارية وارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع سعر الدولار.‏

بناء على القرار الرقم ١١ الصادر عن رئاسة الحكومة كُلّفت وزارة المالية ‏بالتواصل مع الجيش لمعرفة إمكان طباعة الطوابع في مطبعة الشؤون الجغرافية. ‏وبحسب مدير الشؤون الجغرافية، العميد المهندس محمد الجباوي، فقد ردّ الجيش على ‏الكتاب الذي ورده من الوزارة، معلنًا أنّ المديرية جاهزة لتنفيذ مشروع الطباعة ‏ضمن واحد من مسارين:‏

الأول: تعديل المواصفات وفق المعايير الخاصة بالطوابع العالمية ‏ISO 22382‎‏ ‏لمراعاة الجودة والأمان، وبما يتناسب مع المعدات الموجودة في المديرية، وذلك ‏بالتنسيق مع وزارة المالية.‏

الثاني: المحافظة على المواصفات عينها بشرط منح المديرية سلفة مالية ومهلة ‏زمنية لتجهيز المطبعة بمعدات إضافية.‏

ديوان المحاسبة حسم الأمر

وكانت أُجريت مناقصة لتلزيم الطوابع المالية ورسى التلزيم على إحدى الشركات ‏الخاصة إلا أنّه، وبعد إحالة ملف التلزيم إلى ديوان المحاسبة للتدقيق والبت بشأنه، ‏أعاد الديوان سؤال الجيش عمّا إذا كان بإمكان مطبعة الشؤون الجغرافية القيام بهذه ‏المهمة، فكان ردّنا بالإيجاب، يقول العميد المهندس الجباوي، مع إمكان اعتماد أحد ‏المسارَين اللذين اقترحناهما سابقًا. عندئذ، أبرمت وزارة المالية اتفاقًا رضائيًا مع ‏الجيش في ١٨/١١/٢٠٢٠ لطباعة عشرين مليون طابع من ثلاث فئات: ٨ مليون ‏طابع من فئة الألف ليرة، ٣ مليون طابع من فئة الألفَي ليرة، و٩ مليون طابع من ‏فئة المئتَين وخمسين ليرة، وذلك بعد إجراء بعض التعديلات على المواصفات التي ‏تمـت بموافقـة الطرفَيـن، وبمـا يراعـي المعاييـر العالمية ‏ISO 22382‎‏ التي تضمن ‏الجودة والأمان. وفي هذا الإطار، يشير العميد المهندس محمد الجباوي إلى التنسيق ‏الذي تم بين المديرية ووزارة المالية في مجال التعديل المذكور موضحًا أنّ هذه ‏التغييرات في المواصفات هي عملية ضرورية بعد سنوات من عدم التغيير حفاظًا ‏على السرية والأمان. أما بالنسبة إلى تكلفة هذه الطوابع، فقد بلغت ٣٧٠ مليون ‏ليرة لبنانية فقط، أي بمعدل ١٨ ليرة ونصف للطابع الواحد، وهي كلفة متدنية ‏مقارنة مع أسعار الشركات الخاصة.‏

التنفيذ الفوري

بتوجيهاتٍ مباشرة من العماد قائد الجيش، باشرت مطبعة الشؤون الجغرافية العمل ‏في التاسع عشر من تشرين الثاني، أي صباح اليوم التالي لإبرام الاتفاق الرضائي، ‏وكانت في سباق مع الوقت لتيسير أمور المواطنين بعد أزمة فقدان الطوابع في ‏السوق اللبناني. بدأ العمل بجديّةٍ قصوى، وعلى مدى أربع وعشرين ساعة في ‏اليوم، فتم تحضير الطاقم البشري من بين الفنيين المتخصصين في الطباعة في ‏المديرية وجرى تدريبه كما يلزم، ورافق ذلك إعداد الدراسات اللازمة والتواصل ‏مع شركات عالمية متخصصة في طباعة المعلومات السرية للاستفادة من خبراتها ‏في هذا المجال. في هذه الأثناء، تم شراء بعض التجهيزات الضرورية للطباعة ‏الرقمية، بالإضافة إلى مستلزمات أخرى من قوالب التخريم، وحبر سرّي وورق ‏وغيره، وقد تم إيفاء ثمن التجهيزات كافة من إيرادات مديرية الشؤون الجغرافية، ‏لأنّ الجيش لم يتقاضَ مسبقًا ثمن طباعة الطوابع المالية. في العاشر من كانون ‏الأول ٢٠٢٠، أي في أقل من شهر من تاريخ التلزيم، تم التسليم وفق الجدول ‏الزمني المتفق عليه، إذ طُرحت في السوق اللبناني الدفعة الأولى من الطوابع ‏والمؤلفة من ثلاثة ملايين طابع من فئة الألف ليرة لبنانية، ومن المتوقع أن ينتهي ‏تسليم الكمية كاملة في مطلع العام ٢٠٢١.‏

حاليًا نحن بصدد استكمال اتفاقية مع وزارة المالية لتأمين حاجتها من الطوابع لمدة ‏سنة والتي تفوق المئة مليون طابع، يؤكد العميد المهندس الجباوي. ويضيف أنّ ‏طباعة الطوابع المالية شكّلت نقلة نوعية في عمل مطبعة الشؤون الجغرافية، ‏فالأعمال التي كانت تتولاها سابقًا كطباعة مجلة «الجيش» والكتب وكراسات ‏الامتحانات لوزارة التربية والجامعة اللبنانية، كانت مهمات اعتيادية تستدعي ‏السرعة في إنجاز العمل فقط، أما مجال الطوابع فمختلف، إذ يحتاج إلى تقنيات ‏وسرية ومعايير محددة. ‏

إخراجات القيد

في أزمة مشابهة لأزمة الطوابع، شحّت في دوائر النفوس ولدى المخاتير الأوراق ‏الخاصة بإخراجات القيد العائلية منذ مطلع العام ٢٠٢٠، وجرت مناقصة وضعت ‏فيها المؤسسات الخاصة أسعارًا خيالية، عندئذ، طلبت مديرية الأحوال الشخصية ‏في وزارة الداخلية من مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش طباعة بيانات القيد في ‏المطبعة العائدة لها. وبالفعل باشرت مديرية الشؤون الجغرافية طباعة خمسين ألف ‏إخراج قيد عائلي لتأمين حاجة السوق، فتم إنجازها بالسرعة المطلوبة ووفق ‏المواصفات التي تراعي الأمان والسرية، وبعدها عُقد اتفاق بين مديرية الأحوال ‏الشخصية في وزارة الداخلية ومديرية الشؤون الجغرافية لطبع مليون إخراج قيد ‏عائلي وإفرادي مع متمماتها (٧٠٠ ألف عائلي و٣٠٠ ألف فردي) لم تتجاوز ‏تكلفتها الستمئة مليون ليرة لبنانية وهذا السعر هو تقريبًا ثلث القيمة التي عرضتها ‏الشركات الأخرى.‏

إنّ التعاون التام والتنسيق المستمر بين المديرية ووزارتي المالية والداخلية أدّيا إلى ‏حل أزمتَي إخراجات القيد والطوابع المالية من جهة، وإلى توافر المليارات على ‏خزينة الدولة من جهة أخرى.‏

فكما أثبت الجيش مرارًا وتكرارًا جهوزيته لمعالجة الأزمات والقضايا المعقدة ‏بسرعةٍ وفعالية وشفافية، وكما لبّى نداء الواجب في كارثة المرفأ، كان تدخّله لحل ‏أزمتَي الطوابع وإخراجات القيد فوريًا وناجعًا، وقد أدى إلى توافر أموال هي أشد ما ‏تحتاج إليه المالية العامـة في هذه الظـروف الصعبـة.‏