فن

كورونا تخطف ميشال تابت.. شرير الدراما صاحب القلب الطيب!

تم النشر في 10 شباط 2021 | 00:00

زياد سامي عيتاني*


غيب الموت بالأمس فناناً قديراً من الجيل المؤسس للدراما اللبنانية في زمن رقيها وريادتها بين الدراما العربية، إنه الفنان الخلوق ميشال تابت، الذي لم يستطع التفوق على جانحة "كورونا"، بعدما كان طيلة مشواره الفني يتفوق في كل الأدوار التي أداها.

لعب الراحل ميشال تابت أدواراً هامة ورئيسية في السينما والتلفزيون والمسرح، وشارك أيضاً في تقديم برامج منوعات،  وكان له دور متميز وهام في النقابة الفنية، حيث كان رئيس نقابة ممثلي السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة بلبنان لمدة كبيرة.

كان الراحل أحد أرباب الفنّ الراقي وسيّد الممثلين كما أحب كثيرون تسميته، تميّز بأدواره وأتقنها حتى بات أحد أحجار الارتكاز للذاكرة الدرامية.

ببساطة هو جسد تاريخاً من العطاء، فيتجسد به التاريخ ويتجسد هو في التاريخ، إنه ميشال تابت الذي صنع مجد الدراما اللبنانية وساهم في تعزيزها عبر اعمال حفرت في تاريخنا وقلوبنا، فأصبح هو الدراما. 

فميشال تابت، ذاك الاب الذي عرفناه حنونًا تارةً وطاغية تارة أخرى، تبادله الشاشة الصغيرة اليوم شعور اشتياقه اليها..

**

•بداياته:

بدأ الفنان الراحل ميشال ثابت مشواره الفني في سن صغير، فقد درس التمثيل في مدرسة مار نوهرا، ولم يستمر في تعليمه، وبدأ حياته الفنية في عام 1943، ثم التحق بفرقة فنية تسمى “النهضة”، وبعدها انضم إلى معهد الفنون المسرحية، ثم في عام 1966 قام بإنشاء فرقة “الأرز” الفنية وذلك بمشاركة أصدقائه جورج قاعي وميشال تامر.

قدمت الفرقة عدد من العروض المسرحية وكان أولها عرض مسرحي بعنوان “العاشق الشارد”، ثم غيرت الفرقة نشاطها وأصبحت تهتم بالسينما، فقد قدمت فيلم “عذاب الضمير” في عام 1975، وأفلام أخرى كثيرة شارك فيها ميشال ثابت.

**

•حلاق و"ماكيير":

ثم بعدها انفصل عن الفرقة، ليعمل في مهنة الحلاقة التي يحبها، وأيضاً عمل كماكيير في بعض الأفلام، على الرغم من عمله في هذه الوظائف إلا أنها لم تؤثر على عمله كممثل صاعد لديه موهبة تمثيلية متميزة، وأثبت مكانته في السينما والمسرح.

**

•من مؤسسي تلفزيون لبنان:

بعد تأسيس التلفزيون في لبنان، كان الممثل الأول الذي يظهر على شاشته في «المدير الفني»، برنامج أسبوعي انتجه الملحن المصري والمغني والممثل يوسف صالح ونفذه.

بعد ذلك عرض عليه تقديم برنامج منوعات، رفض في البداية لأنه لم يحبذ ظهوره كمقدم برامج، لكن سرعان ما تراجع عن قراره وقدم عشرين حلقة منه تقريبًا. ثم قدم «صندوق الفرجة» واستمر حوالي ثلاث سنوات، في ما بعد انتقل الى الدراما التلفزيونية وشاركت في اعمالٍ كثيرة.

**

•رصيده الفني:

في رصيده أكثر من ألفي حلقة تلفزيونية، في أعمال طبع كثير منها الذاكرة الفنية اللبنانية بينها: "بربر آغا" و"المعلمة والأستاذ" و"إبراهيم أفندي" و"للحب وجه أخر" و"صائمون ...ولكن" و"اسمها لا" و "دوار يا زمن" و"بوبليق" و"الاسيرة" و "إمرؤ القيس" وغيرها...

كذلك شارك في عدد من الأفلام السينمائية بينها "لمن يغني الحب" و"الغافلون" و"فتيات الرقم الصعب" و"عذاب الأمهات" و"الرؤيا" و"عودة البطل" و"المغامرون" و"الممر الأخير" و"نساء في خطر" و"عذاب الأمهات" و"المتوحشون"، وسواها.

وتولى كذلك بصوته دبلجة برامج الرسوم المتحركة والمسلسلات الأجنبية، منها: "بينجان" و"سانشيرو" و"نينجا كابامارو" و"ساندي بيل" و"بيل وسبستيان".

**

•زوجته تمنحه كليتها..والحياة:

بالرغم من أن جانحة "كورونا خطفت" ميشال تابت، إلا أنه لا بد من كلمة حق وشهادة للتاريخ، وذلك من خلال واقعة انسانية راقية وعميقة الأثر في النفوس بطلتها غير التمثيلية روزيت (الزوجة الثانية في حياة ميشال بعد وفاة زوجته الاولى) التي تبرعت بإحدى كليتيها لزوجها، بعدما تعطلت كليتاه وأجبر على الاستعانة بكلية صناعية لم تخدمه كثيراً بانتظار عثوره على كلية صحيحة تنقذه من الموت المحتم.

فجأة روزيت الزوجة الوفية وبإلهام كامل تقصد الطبيبين المشرفين على حال الفنان تابت عارضة اخضاعها لفحوصات مخبرية ومعرفة الامكانية المتاحة لكي تتبرع بكلية من كليتيها له، وجاءت النتيجة مذهلة حقاً، لقد تبين انها مناسبة مئة في المئة لجسمه.

وأمام الجميع قدمت الزوجة حياة جديدة لـ ميشال، نعم لقد اعطته ما يعينه على البقاء معها زوجاً ومع ابنتها ليلى اباً.

لقد ربحت حياتها وبيتها، والكل تندر بما فعلته هذه السيدة مع زوجها في لحظات حرجة جداً.

**

•حمل وجع الممثلين:

ميشال تابت الذي وعلى مدار سنوات كان نقيباً للممثلين اللبنايين حمل همهم، دافع عنهم وكانت كلمته قاطعة كالسيف، فهو عايش وجعهم وساعد بحل مشاكلهم وفعل دور النقابة بشكل ملفت، ورغم تنحيه عن منصب نقيب الممثلين إلا أنه ما زالت قراراته التي إتخذها حين كان نقيباً للممثلين هي ملجأهم.

**

ميشال تابت الذي عاصر الكبار صنع مجداً سيبقى خالداً في ذاكرة التاريخ، كما صنع مكانة يصعب على الكثيرين الوصول إليها.

فهذا العظيم من لبنان قدم آلاف الأدوار على الشاشة فدخل قلوب الناس، وتربع على عرش النجومية الحقيقية، ليثبت أنها  تكمن في محبة الناس للفنان، وأنها تُصنع  نتيجة  العمل الصادق...

**


*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.