أخبار لبنان

عون يتصلّب في التعطيل والحريري لن يتراجع

تم النشر في 13 شباط 2021 | 00:00

كتبت "النهار" تقول: لم تبدّل الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري لقصر ‏بعبدا غداة عودته من باريس وعقده الاجتماع الخامس عشر مع رئيس الجمهورية ميشال عون ‏في اطار اجتماعات مسار تشكيل الحكومة صورة الازمة الحكومية، وربما زادتها قتامة، ولكن ‏ذلك لم يحجب الدلالات البارزة التي تركها هذا التطور.‏

ذلك انه اذا كان الحريري نفسه صارح الرأي العام بعد نحو نصف ساعة استغرقها الاجتماع مع ‏عون بعد طول انقطاع بينهما بان أي تقدم لم يتحقق في تذليل العقبات امام ولادة حكومته، فان ‏ذلك استدعى تساؤلات فورية عما اذا كانت الازمة تحولت الى كباش مكشوف حول استمرار ‏رعاية الوساطة الفرنسية بقرار من الفريق المعطل للتشكيل أي العهد و"التيار الوطني الحر" بدعم ‏ضمني من "حزب الله"، وهل يملك هذا الفريق قرارا واضحا وتوقيتا واضحا للافراج عن ‏الحكومة وبأي شروط وبأي معايير إقليمية بعدما صارت قصة المعايير التي يرفعها اشبه بواجهة ‏شكلية ملبننة لاهداف إقليمية لم تعد محجوبة على احد. والواضح في هذا السياق ان الرئيس ‏المكلف في زيارته لقصر بعبدا غداة عودته من جولة خارجية شملت مصر ودولة الإمارات ‏وفرنسا وعشية احياء الذكرى الـ16 لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري غدا، أحدث تحريكا ‏للمستنقع السياسي والحكومي من خلال اثباته الرغبة في كسر الجليد مع عون وإظهار احترامه ‏لموقع الرئاسة باطلاعه على الأجواء التي توافرت له خلال جولته. ولكن الدلالة الأبرز تمثلت ‏في تمسك الحريري بموقفه الثابت من التشكيلة التي قدمها الى عون في الاجتماع السابق وعاد ‏امس الى تأكيدها بعدد وزرائها وتوزيع حقائبها الامر الذي عكس عودته بدعم واضح من ‏الفرنسيين كما من مصر والإمارات في هذا الاتجاه.‏

اذاً لم تأت زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بعبدا بأي جديد، بل زادت حدة المواقف ‏المتباعدة بينه ورئيس الجمهورية الذي اصر على اعتماد وحدة المعايير في تمثيل الكتل النيابية ‏والتمثيل المسيحي في الحكومة.‏

وخلافا لما تردد علمت "النهار" ان الرئيس الحريري لم يحمل الى اجتماعه الخامس عشر مع ‏رئيس الجمهورية تشكيلة جديدة او تشكيلة معدلة بل تمسك بالتشكيلة السابقة التي كان وضعها ‏امام رئيس الجمهورية في زيارتيه السابقتين المتتاليتين في 22 و23 كانون الاول الماضي.‏

بعد القطيعة

وعلم ان الحريري بادر عقب زيارته باريس الى الاتصال برئيس الجمهورية وطلب الموعد للقائه ‏بعد قطيعة بينهما استمرت شهرين الا اسبوع، لكسر الجليد وخطا باتجاه قصر بعبدا، بهدف ‏المصالحة والمصارحة والبحث عن قواسم مشتركة في عملية التأليف، لكنه فوجئ بمزيد من ‏التصلّب لدى رئيس الجمهورية. وعندها أكد كل منهما تمسكه بوجهة نظره وباعتباراته التي ‏تدفعه الى عدم التراجع.‏

فالرئيس عون يعتبر ان تراجعه يعني تنازلاً عن صلاحياته التي تعطيه حق الشراكة في تسمية ‏كل وزراء الحكومة وليس فقط الوزراء المسيحيين، وهذا ما لن يسجله على عهده. وبالنسبة اليه ‏ان حكومة اختصاصيين مستقلين لا ترأسها شخصية سياسية ولا يجوز ان يتفرد بتسمية وزرائها، ‏فضلاً عن انه بحكومة الـ18 وزيراً يعطي وزراء حقيبتين لا يمكن لأحد ان يجمع اختصاصاً في ‏كليهما كالخارجية والزراعة على سبيل المثال.‏

اما الرئيس الحريري فينطلق من ان الاهم من تأليف الحكومة هو قبولها من الدول والجهات ‏المانحة التي تشترط ابعاد السياسيين عنها لتمنحها الثقة ولتقدم لها المساعدات المطلوبة في عملية ‏الانقاذ. فإذا جاءت هذه الحكومة على صورة الحكومات السابقة من ممثلين عن الاحزاب والقوى ‏السياسية فلن يساعدها احد ولن يدفع للبنان فلس واحد. لذلك، يصرّ الرئيس الحريري على ‏التشكيلة التي كان قدمها ويعتبر ان الاسماء التي اختارها لا تخص أحداً وهي من شخصيات ‏مستقلة لا يمكن لأحد ان يسجل عليها ملاحظة. فالأهم بالنسبة اليه هو المجيء بحكومة قادرة ‏على تنفيذ خريطة طريق الاصلاحات التي نصت عليها المبادرة الفرنسية والتي التزم بها جميع ‏الاطراف السياسية في لبنان، خلال اللقاء مع الرئيس ايمانويل ماكرون. وقد تيقّن الحريري من ‏خلال رحلاته الخارجية واللقاءات التي عقدها ولاسيما لقاؤه الاخير مع الرئيس ماكرون ان ‏المبادرة الفرنسية هي مبادرة الانقاذ الوحيدة المدعومة اوروبياً واميركياً وحتى عربياً وهي ‏مشروطة بتنفيذ ورقة الاصلاحات كمدخل وحيد لأي مساعدة من الدول والجهات المانحة. وسعى ‏الرئيس المكلف في الوقت المستقطع داخلياً الى تحريك صداقاته والتحرك باتجاه الدول الداعمة ‏للبنان للتحضير والحشد لمؤتمر الدعم المنتظر عقده من اجل مساعدة لبنان ما ان تشكل الحكومة، ‏وازداد اقتناعا بأن برنامج الحكومة يتقدّم على اي شيء آخر، وهو لن يقبل بحكومة قد تعمّق ‏الازمة وقد تقضي على اي أمل بالنهوض.‏

ولم يخف عن وجه الحريري وهو يغادر المكتب الرئاسي استياءه لاسيما عندما اعلن ان لا تقدم ‏في عملية التأليف. وكانت لافتة عودته الى المنبر بعد ان ابتعد عنه امتاراً ليقول إن الحكومة التي ‏يتمسك بها هي من 18 وزيراً ولا ثلث معطلاً فيها لأحد.‏

التشنج نفسه سرعان ما عكسه ايضاً بيان مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية، الذي قال "إن ‏رئيس الجمهورية استقبل رئيس الحكومة المكلف بطلب منه وتشاور معه في موضوع تشكيل ‏الحكومة العتيدة بعد الجولات التي قام بها الرئيس الحريري الى الخارج، حيث تبين ان الرئيس ‏المكلف لم يأت بأي جديد على الصعيد الحكومي".‏

امام هذا الافتراق على الصعيدين الشخصي والحكومي بين شريكي التأليف، اقفلت ابواب التسوية ‏الحكومية داخلياً ويبدو واضحاً ان الأمل بالحل تطاير كورقة في مهب رياح التحوّلات الاقليمية ‏والدولية. واستوقف المراقبين قول الحريري "المشكل اليوم انه طالما لا حكومة من ‏الاختصاصيين غير التابعين لاحزاب سياسية، فلا يمكننا القيام بهذه المهمة، واذا كان هناك من ‏يعتقد انه اذا ضمت هذه الحكومة أعضاء سياسيين، فان المجتمع الدولي سيبدي انفتاحا حيالنا او ‏سيعطينا ما نريده فنكون مخطئين، ومخطئ كل من يعتقد ذلك. الفكرة الأساسية هي تشكيل ‏حكومة تضم وزراء اختصاصيين لا يستفزون أي فريق سياسي ويعملون فقط لانجاز المشروع ‏المعروض امامهم. تشاورت مع فخامة الرئيس وسأتابع التشاور، لم نحرز تقدما ولكني شرحت له ‏أهمية الفرصة الذهبية المتاحة امامنا". واكد رداً على سؤال ان "موقفي ثابت وواضح وهو ‏حكومة من 18 وزيرا جميعهم من الاختصاصيين ولا ثلث معطلا فيها وهذا ما لن يتغير لدي".‏

وسط هذه الأجواء تتجه الأنظار غدا الى مضمون الكلمة التي سيلقيها الحريري في مناسبة ذكرى ‏اغتيال والده. واعلنت المفوضية الأوروبية، في بيان امس "أننا لا نستطيع دعم لبنان من دون ‏حكومة قوية وقادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة".‏

من جهته، حاول "حزب الله" تبرئة ساحته من تهمة التعطيل، فأعلن رئيس المجلس السياسي في ‏الحزب السيد ابرهيم أمين السيد ان "الجميع يعلم حرص الحزب على تشكيل الحكومة وفي أسرع ‏وقت ممكن"، رافضا "ربط عملية التأليف بالاتفاق النووي الإيراني"، واضعا ذلك "في إطار ‏المبالغة"، واعتبر أن "الانتظار لا معنى له وهو يدلل على فشل بعض السياسيين الراغبين برمي ‏المسؤولية على الآخرين" .‏



النهار