أخبار لبنان

صيدا..بداية الحلم: 16 سنة ورفيق الحريري لا يفارق مدينته!

تم النشر في 14 شباط 2021 | 00:00


خاص-رأفت نعيم

منذ ظهيرة الرابع عشر من شباط 2005 ، ولستة عشر عاماً تلت ، ورفيق الحريري لا يفارق مدينته صيدا .. يرافقها طيفاً ونهجاً وثوابت .. في كل المحطات الصعبة التي مرت ولا تزال يمر بها لبنان ..

كانت صيدا المدينة المتجذرة في الأرض والتاريخ والإيمان والقيم المجتمعية ، الغنية بتنوع العائلة اللبنانية، وبمداها الرحب المنفتح بحرا على العالم ، المهد المحفز والمحرك لأفكار وأحلام رفيق الحريري له ولعائلته ولمدينته .. ولاحقا لوطنه وأمته ..

ومن هنا كانت البداية :

الزمان : 1 تشرين الثاني عام 1944

المكان : بيت صغير يتوسط بستان ليمون واكي دنيا في بستان ابو ظهر وسط مدينة صيدا (المكان الذي يقوم فيه مبنى سنترال صيدا حالياً بحي الست نفيسة) .

في ذلك التاريخ وذاك البيت ولد رفيق الحريري وربي ونشأ في كنف عائلة مؤلفة من الأب المرحوم الحاج بهاء الدين الحريري الذي كان يعمل بستانياً وبالكاد يستطيع تأمين قوت يوم اسرته المؤلفة من الأم المرحومة الحاجة هند حجازي والأبناء " رفيق وهو اكبرهم ، شفيق وبهية " ، فتحمل الابن الأكبر المسؤولية باكراً ليساعد عائلته ، فراح يجمع بين الدراسة ( في مقاصد صيدا ) وبين العمل أيام العطل وفي اجازة الصيف بعدة مجالات لتأمين مصروفه . فحيناً كان يتنقل بين بساتين صيدا مساعدا والده في قطاف الليمون والأكي دنيا.. وحيناً آخر يقصد بساتين وحقول الجنوب او البقاع او الشمال للعمل بقطاف الحمضيات والتفاح وغيرها من ثمار المواسم لقاء اجر يعينه على تأمين مصاريف دراسته . وفي بعض الأحيان كان يعمل ببيع الأقشمة أو الخضار او "السندويشات" ، فلم يكن لديه مشكلة في امتهان اي عمل طالما أنه عمل شريف.



كان يضع نصب عينيه دائماً هدفاً ويحققه ، وكان هدفه الأول تحسين اوضاع عائلته وشكل ذلك حافزاً اضافياً له ليثابر ويجتهد في دراسته ويتفوق ويستفيد من منح لمتابعة تعليمه وقاده تفوقه الى مصر التي نال فيها " التوجيهية" ، ثم عاد ليلتحق بكلية التجارة في الجامعة العربية في بيروت وتخصص في التجارة والمحاسبة، وعمل بالفترة نفسها بالتوازي مع دراسته مصححاً لغوياً في دار الصياد الى ان سافر سنة 1965 الى المملكة العربية السعودية وعمل في جدة مدرساً قبل الظهر ومدقق حسابات بعده . ومن ثم استقال من التدريس ليتابع في العمل الآخر لسنوات ، ونتيجة مثابرته وعلاقاته دخل عالم المقاولات مؤسساً اكثر من شركة بدأ يتعهد مشاريع كبيرة، ثم تعرف في باريس على صاحب شركة اوجيه وبدأ يتعاون معهم ويدير مشاريع لهم وسنة 1977 اشترى رفيق الحريري شركة اوجيه العالمية .



في العام 1979 وفي وقت كانت صيدا تواجه غياب الدولة والاجتياحين الاسرائيليين الأول عام 1978 والثاني عام 1982 ، ثم الاحتلال الإسرائيلي للمدينة حتى العام 1985 ، وبعده أحداث شرق صيدا مع كل المآسي والآثار المدمرة الناجمة عن تلك الأحداث جاءت المبادرة سريعاً من رفيق الحريري أولاً بتأسيس مؤسسة الحريري التي كان اسمها حينها " المؤسسة الاسلامية للثقافة والتعليم " التي شرعت ابواب العلم لعشرات الآلاف من طلاب لبنان في كبرى جامعات العالم ، وثانياً بمد يد المساعدة والدعم لبلدية صيدا في مواجهة آثار الاجتياح والعدوان الإسرائيلي بأعمال الإغاثة ورفع الأنقاض والترميم واعادة البناء والمشاريع التي قامت بها " هيئة مشاريع بلدية صيدا " آنذاك ، وتهيئة المدينة لدخول مرحلة جديدة من النمو والازدهار ..



وبدءا من العام 1993 وبعد تسلم رفيق الحريري رئاسة الحكومة لأول مرة دخلت صيدا فترة الاستلحاق الرسمي لما فات المدينة طيلة عقود من مشاريع إنمائية واقتصادية واجتماعية ، فشهدت المدينة في عهده نهضة انمائية غير مسبوقة طالت كافة المرافق والقطاعات بالتوازي مع تلك التي كانت تشهدها بقية المناطق في عهد حكوماته المتعاقبة ورغم كل المعوقات والصعوبات والعراقيل التي كانت توضع في طريقه قبل الاستهداف السياسي والذي تبين لاحقاً انه لم يكن سوى استباق للإستهداف الجسدي فكانت جريمة الاغتيال التي غيبته جسداً لكنها لم تستطع تغييبه نهجاً ومشروعاً وثوابت .



منذ ذلك الحين ، تتوالى الأزمات تلو الأزمات وتتلقى صيدا مع كل لبنان ارتداداتها المباشرة وغير المباشرة .. ومع كل ازمة تشعر المدينة اكثر بحجم الخسارة بغياب ابنها ورفيقها رجل الاعتدال ورجل الدولة والمؤسسات وتستحضر في كل محطة ومناسبة مبادراته وانجازاته التي عمت كل الوطن ، وتستحضر في الوقت نفسه ماذا كان ليفعل لو كان حاضراً بيننا اليوم ، وعزاؤها في ذلك ان مسيرته ونهجه مستمرين مع نجله الرئيس سعد الحريري ومع شقيقة الرئيس الشهيد النائب بهية الحريري سيراً على خطاه في العمل على حماية لبنان ودفع الأخطار عنه والسعي لإيجاد الحلول لكل المشكلات التي يعانيها اللبنانيون .