عرب وعالم

أبعد من زيارة البابا للعراق

تم النشر في 19 آذار 2021 | 00:00

أضاف وباء كورونا (كوفيد-19) الذي أودى حتى الآن بحياة الملايين من الناس في القارات ‏الخمس، تحدياً جديداً الى التحديات الثلاث الكبرى التي تواجهها الإنسانية.‏

‏ وهذه التحديات هي:‏

• الحرب النووية

• التغيير المناخي

• الذكاء الاصطناعي

لا تستطيع أي دولة ان تبني جداراً يعصمها من آثار وتداعيات الانفجار النووي إذا وقع ، وفي ‏أي مكان يقع. أو أن يحميها من أخطار التغيير المناخي الذي بدأ يطرق الأبواب وخاصة أبواب ‏الدول الشاطئية نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحار . أو يصونها من التطور المتسارع للذكاء ‏الاصطناعي الذي يسابق الزمن في إعادة صناعة المجتمعات الانسانية ، خاصة من حيث ‏عمليات التجسس والمراقبة عبر الاقمار الاصطناعية التي تطوف فوق رؤوسنا في الفضاء .‏

لم تنجح أي دولة رغم ترساناتها العكسرية والعلمية الضخمة والمتطورة في بناء جدار يصدّ عنها ‏تسلّل فيروس لا يُرى بالعين المجرّدة ، شلّ حركتها ، ولوى ذراع اقتصادها ، وعطّل مدارسها ‏وجامعاتها، وأقفل أسواقها وملاهيها. وقلبَ أسلوب حياتها رأساً على عقب .‏

أثبتت الوقائع ان سلامة انسان واحد هي من سلامة الناس جميعاً. فالعدوى لا تقف عند حدود ‏خاصة بعد ان تلاشت الحدود العامة بفضل التداخل العميق بين شعوب العالم ،وبسبب اختصار ‏المسافات بينها الى حدّ الإلغاء .‏

ما كانت الأسرة الانسانية متداخلة كما هي اليوم . حتى بات يصحّ فيها القول (استعارةً من قول ‏النبي محمد عليه الصلاة والسلام) انه إذا اشتكى منها شعب تداعت له سائر شعوب العالم بالحمى ‏والسهر :-‏

من ووهان في الصين الى دبي في الإمارات ، ومن نيويورك ولوس انجلوس في أميركا ، الى ‏لندن وباريس ومدريد وروما وبرلين في أوروبة ، ومن أدغال الأمازون في البرازيل ، الى ‏أعماق صحراء مالي في افريقيا .. ومن جزر القمر الى جزر هاواي ، ومن كيبتاون الى ‏استوكهولم وكوبنهاغن .. الفيروس واحد . والانسانية واحدة . وكذلك الوقاية والعلاج.‏

صنعت التقنيات الالكترونية الحديثة جاسوسية من دون جواسيس . ما عادت هناك حاجة لجيمس ‏بوند ومغامراته . يكفي الضغط على أزرار صغيرة على حاسوب الكتروني متخصص لاقتحام ‏أقدس الملفات السرية في وزارات الدفاع أو المالية للدولة المستهدفة ، وربما حتى اختراق اللوحة ‏السرّية جداً والخاصة جداً بالمفاتيح السرية التي تحملها الحقيبة النووية لرئيس هذه الدولة الكبرى ‏أو تلك .‏

سقطت دبلوماسية "الجدران المرتفعة" حول الحدود الوطنية . أو انها على الأقل لم تثبت أي ‏فعالية أو جدوى . وأثبتت سياسة الإنغلاق على الذات والانكفاء عن القضايا الانسانية انها مجرد ‏وهم أو حلم "ليلة صيف". فالعالم كله انتقل في تكوينه الواقعي من حالة "القلاع المتحاربة" الى ‏القرية المنفتحة .. ولكن غير المتسامحة . وهنا المشكلة . من هنا تبرز أهمية وثيقة الأخوّة ‏الانسانية التي صدرت في ابو ظبي عن بابا الفاتيكان فرنسيس وإمام الأزهر الشريف الشيخ أحمد ‏الطيب . ليس في بعديْها الاسلامي والمسيحي فقط ، انما في بُعدها الانساني في الدرجة الأولى . ‏ولعلها أول وثيقة تصدر عن مرجعيتين دينيتين تتجاوز الإنتماء الديني الى الإنتماء الانساني ‏الأوسع واللامحدود.‏

فالوثيقة تعاملت مع الإنسانية كوحدة أو كأسرة واحدة : المصيبة واحدة والسلامة مشتركة .‏

تواجه هذه الأسرة مشاكل متداخلة ومعقدة . في مقدمة هذه المشاكل عدم التصدي لهذه المشاكل ‏معاً وتبادل قذف الاتهامات بالمسؤولية على الآخر . حددت الوثيقة هذه المشاكل . وحددت أسس ‏التصدي لها معاً ، فبرزت كظاهرة إيجابية وسط الظواهر السلبية المتداخلة التي تهدد المصالح ‏الإنسانية المشتركة .‏

حمل البابا فرنسيس نداء الأخوة الى العراق ، فكانت جولته التي أعادت ترميم جسور الأخوة ‏الانسانية بين مسلمي العراق ومسيحييه . صلى في الكنيسة التي دمّرها الداعشيون الذين وصفهم ‏الأزهر بأنهم عصاة على الاسلام وليسوا منه في شيء . وأعادت هذه الصلاة البابوية الى ‏الذاكرة وصية رسول الله محمد عليه السلام باحترام الكنائس والأديرة وأهلها وتحريم استعمال اي ‏حجر منها في بناء للمسلمين حفاظاً عليها لأنها من بيوت الله .‏

يردّد أهل الأديان المختلفة في العراق كما في العالم كله مقولة واحدة وهي : " ان الدين من أجل ‏الانسان ، وليس الانسان من أجل الدين ".‏

البابا فرنسيس ترجَمَ ذلك عملياً في جولاته : من القاهرة (الأزهر) الى أبو ظبي ، ومن المغرب ‏الى العراق . وقبل ذلك الى الأردن والقدس ، ليس لترميم ما تهدّم من صروح العلاقات الاسلامية ‏المسيحية فقط ، إنما ليبني صرح الأخوّة الانسانية مفتاحاً لسلام العالم كله .‏




محمد السماك