كتبت صحيفة النهار تقول: على طريقة "اللهم إني بلغت" اطلق رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط نداءه للتسوية الحكومية من قصر بعبدا بعد زيارة مفاجئة عكس توقيتها بعد ظهر السبت السباق بين الوقائع القاتمة المتصلة بأزمة تشكيل الحكومة والموعد المفترض أن يكون حاسماً للقاء الـ18 بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري غداً الاثنين.
وإن كانت زيارة جنبلاط لبعبدا بعد طول قطيعة دامت نحو سنة ونصف السنة حملت بذاتها دلالات الخوف الكبير الذي يتملك جنبلاط حيال الأوضاع الانهيارية ومحاولته الدفع بقوة نحو إتمام تسوية بين عون والحريري من دون أن يتسبب بإشكالية مع أي الافرقاء المعنيين وخصوصاً الحريري فإن ذلك لا يسقط إمكان أن يلتحق نداء التسوية لجنبلاط بغيره من نداءات خارجية ودولية وداخلية ذهبت كلها إدراج الرياح أمام التعنت الذي يتحكم بمسار التعامل مع تشكيل الحكومة.
بل إن المعطيات والوقائع المباشرة التي سبقت زيارة جنبلاط لبعبدا وأعقبتها، والتي تولى ترتيبات إتمامها النائب فريد بستاني ناقلاً دعوة رئيس الجمهورية للزعيم الاشتراكي إلى اللقاء بعدما طالب جنبلاط قبل أيام بتسوية بين عون والحريري، حملت معالم التصعيد والتوتر وتالياً استبعاد أن يقترن اجتماع الاثنين بانفراج أو حل عجائبي في ظل هذه المعطيات. وبدا واضحاً أن جنبلاط تجنب الغرق في مسالة حجم الحكومة بين 18 و20 وزيراً لئلا تفسر زيارته استدارة يفيد منها عون على حساب الحريري فيما جنبلاط يتشدد في حصر حركته بالدعوة الى التسوية. وفهم أنه في حديثه مع عون كان بالغ التشاؤم في تحذيره من اضطرابات متنوعة وأزمات إضافية ستتعرض لها البلاد في ظل أزمة كورونا والأزمات المالية والاقتصادية ما لم يتم استدراك الوضع بتسوية حكومية سريعة.
وأما تداعيات النبرة التصعيدية والشروط والإملاءات والتهديدات التي عممها الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله " السيد حسن نصرالله فلم تغب إطلاقاً عن أجواء المشهد المأزوم خصوصاً أن "التيار الوطني الحر" عاود أمس في بيانه الأسبوعي للإشادة بالخطاب بما يعني ترسيخ الاعتقاد بأن نصرالله تعمد في خطابه إذكاء نزعة العهد وتياره إلى تصعيد الشروط والتعقيدات في مواجهة الحريري.
ثم أن بعبدا سربت عبر وكالة الأنباء المركزية أمس رواية من طرف واحد لاجتماع بعبدا يفهم منها توجيه إنذار إلى الحريري بوجوب العودة إلى بعبدا الاثنين بتشكيلة مختلفة عن تشكيلته المقدمة إلى عون وإلا تحولت الأزمة الحكومية إلى أزمة حكم تحملها بعبدا للحريري. وتبعاً لذلك اكتسب البيان البارز الذي أصدره رؤساء الحكومات السابقون فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام بعد ظهر امس أهمية كبيرة لكونه خاض بقوة في مواجهة الانتهاكات الدستورية للعهد وعكس الغطاء السياسي الذي يحظى به الحريري في مواجهته لعملية تعطيل مهمته وضربها بذرائع دستورية فيما اتهم رؤساء الحكومات السابقون الرئيس عون مباشرة وشخصياً بتشويه الدستور.
إذاً دعا جنبلاط بعد لقائه عون إلى التسوية، معتبراً أنّها الحلّ الإنقاذي الوحيد في هكذا ظرف، ومؤكداً أنّ أحداً لم يطلب منه التوسّط، وهو يعبّر عن رأيه الشخصيّ في هذا السياق. وقال: "طلب مني الرئيس عون أن أقابله ولبّيتُ الدعوة، وعلى الجميع تجاوُز الماضي والحساسيات، فالبلاد لا تتحمّل"، مشيراً إلى أنّ التسوية مطلوبة، ولستُ مكلّفاً من أحد لنقل هذا الكلام، وهذا رأيي". ورأى أنّ "الأرقام لم تعد مهمة، ونعول فقط على ما تبقى من المبادرة الفرنسية"، مضيفاً: "وصلنا إلى الجمود المطلق وسط الانهيار الاقتصادي، والجوع دق أبواب الناس، والتسوية أصبحت ضرورية ولست مكلفا من أحد لأقول هذا الكلام"، مؤكداً: "ما من أحد من السفراء مهتمّ بلبنان، ونعلّق فقط على ما تبقّى من مبادرة فرنسية، لذلك مبدأي التسوية". وختم: "مهمّتي تقف عند الدعوة إلى التسوية، ولا مطلب درزياً لديّ".
أما الرؤساء ميقاتي والسنيورة وسلام، فاصدروا بياناً بعد اجتماعهم ظهر أمس أبدوا فيه "أسفهم للأسلوب الذي أقدم عليه رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن حسب ما نصّ عليه الدستور، في مخاطبته رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة عبر بيان متلفز"، ونوّهوا بـ"روح المسؤولية العالية الكاظمة للغيظ التي تمتع بها الرئيس المكلف سعد الحريري والتي أبداها بترفع واتزان، إزاء المحاولات المتكررة لجره إلى شجارات ونزاعات إعلامية، كان يمكن أن تطيح بآخر ما تبقى من صدقية للدولة المتهالكة"، واعتبروا أنّ "الكتاب الذي يجب أن تهتدي به الدولة اللبنانية في عملها هو الدستور الذي ينبغي أن يلتزم به الجميع وفي مقدمتهم فخامة الرئيس الذي هو الحَكَمْ بين جميع الفرقاء السياسيين، والذي أوكل إليه الدستور مهمة السهر على احترامه والحرص على عدم خرقه، والذي يقول في الفقرة الرابعة من المادة 53 في معرض إشارته إلى صلاحيات رئيس الجمهورية: (يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة)، ولم تنص على عبارة تشكيل بل إصدار، مشيرين إلى أنّ "مهمة التشكيل انيطت حسب الفقرة الثانية من المادة 64 برئيس الحكومة المكلف استناداً إلى الثقة التي منحته إياها الأكثرية النيابية بناء على الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية بناء على المادة 53 من جهة أولى، ومن جهة ثانية على مسؤولية الحكومة امام مجلس النواب هذا خصوصاً أن الحكومة التي تتشكل، عليها أن تتقدم من مجلس النواب ببرنامج عملها عبر بيانها الوزاري لكي تنال على أساسه الثقة. فرئيس الحكومة هو المسؤول أمام مجلس النواب الذي يمنحه وحكومته الثقة أو يحجبها عنه". واعتبروا "أن الممارسة التي يقدم عليها الرئيس عون تشير إلى تعد وتشويه لروح ونص ومقاصد النصوص الدستورية التي يجب أن يلتزم بها الجميع وفي مقدمتهم فخامة الرئيس" ورأوا أنّ "تشكيل حكومة تحظى بثقة اللبنانيين كل اللبنانيين هي المهمة المركزية التي يجب التمسك بها، وهي الباب الواجب ولوجه للعبور من حالة الانهيار الشامل إلى بداية الاستقرار الذي تبدأ الحكومة من خلاله باستعادة الثقة بها وبالدولة اللبنانية لدى اللبنانيين ولدى أشقاء وأصدقاء لبنان في العالم، وذلك بعيداً من التهويل والترهيب ومحاولات السيطرة والتحكم من أي طرف".
النهار