المصدر:"نداء الوطن"
ليس أفضل من مسرح الأونيسكو، ولا أكثر منه تجسيداً للدور المسرحي الذي تلعبه السلطة أمام الناس، حيث لا يتوانى مَن نهب أموال اللبنانيين عن محاكاة "تمثيلية" استرجاع أموالهم المنهوبة، ولا يتردد أرباب الهدر والصفقات والسمسرات في وضع قناع العفة والإصلاح والضرب بسيف مكافحة الفساد... وليس أدلّ على هذا "الانفصام " الذي فتك بالخزينة وجفف منابعها، سوى تنظير "التيار الوطني الحر" بالأمس لإنجاز إقرار قانون "استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد"، بالتزامن مع الاستمرار في تمويل هدر "التيار" والفساد في قطاع الكهرباء، عبر إقرار سلفة خزينة جديدة بمئات ملايين الدولارات سيتم دفعها من جيوب المودعين تحت وطأة سياسة الابتزاز المزمنة بين السلفة والعتمة.
ولفتت مصادر معارضة لإقرار سلفة الكهرباء، إلى أنّ "الشعبوية بلغت مداها في المجلس النيابي أمس، إلى درجة التعمية على الإمعان في استنزاف ما تبقى من احتياطي بالعملات الصعبة من أموال المودعين لتمويل هدر الكهرباء، مقابل تسليط الضوء على مطاردة وهمية لـ"راجح" التحويلات المالية إلى الخارج، مع علم جميع القوى السياسية يقيناً بأنّ الأموال المنهوبة لن تتم استعادتها، لا سيما بعد اقتران شرط الاستعادة بإثبات كونها متأتية عن جرائم فساد، وهي أشبه بمهمة مستحيلة في ظل مافيا مال وسلطة حبكت سمسراتها وصفقاتها بشكل احترافي محكم طيلة عقود من الفساد الممنهج، هذا عدا عن تفخيخ القانون الجديد بربطه بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي لم يتم إنشاؤها حتى الساعة".
أما على المستوى الحكومي، فلا تزال معركة "الرسائل" تتطاير شظاياها بين قصر بعبدا وبيت الوسط، مرسخةً الانطباع "باستحالة عودة التعايش بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري"، حسبما لاحظت أوساط مواكبة للملف الحكومي، معربةً عن قناعتها بأنّ عون لن يتراجع عن "حرب الإلغاء" التي يخوضها ضد تكليف الحريري "حتى ولو حرقت نيرانها كل البلد"، وهذا ما يبدو جلياً من أحاديثه وتسريباته الصحافية، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد أكثر فأكثر بأنّ "الأمور تتجه نحو مزيد من التأزيم في ملف التأليف، سواءً في ظل الانسداد الداخلي، أو تحت وطأة دخول العامل الإيراني على خط التصدي للمبادرة الفرنسية وإجهاض مندرجاتها التخصصية في تكوين التشكيلة الوزارية".
وأمام هذا الواقع، طفح كيل باريس من "التعطيل المتعمّد" الذي تمارسه القوى السياسية اللبنانية وتمنع من خلاله محاولات إخراج البلد من أزمته المستفحلة، ليخلص وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لو دريان أمس إلى اعتبار أنّ "الأوان حان لتشديد الضغوط" الدولية على معرقلي تشكيل الحكومة الإنقاذية، مشيراً إلى أنه تحدث مع كل من الرؤساء عون والحريري ونبيه بري، مستنكراً "حالة الجمود" الحاصلة منذ أشهر في عملية التأليف "حتى مع استمرار البلاد في الغرق في أزمة اقتصادية واجتماعية وإنسانية وسياسية كبرى يدفع الشعب اللبناني ثمنها كل يوم وتضع البلاد في ظل توتر خطير وغير ضروري".
وإذ شدد على وجوب "وقف التعطيل المتعمّد فوراً"، استرعى الانتباه تصويبه بشكل خاص على "بعض المسؤولين الفاعلين في المنظومة السياسية الحاكمة" باعتبارهم يعرقلون ولادة الحكومة من خلال عودتهم إلى فرض "مطالب متهورة مضى عليها الزمن"، ملوّحاً في المقابل بالمناقشات التي أجراها مع نظرائه الأوروبيين "بهدف تحديد وسائل تعزيز الضغط الأوروبي" على المسؤولين اللبنانيين.
وفي هذا السياق، استشفت مصادر متابعة للحراك الديبلوماسي الداعم لتشكيل حكومة إنقاذية في لبنان من كلام لودريان أنّ باريس باتت تميل إلى توجيه "رسالة ضغط حازمة إلى معرقلي تأليف الحكومة وتنفيذ الإصلاحات المنشودة في الورقة الفرنسية لمساعدة لبنان"، موضحةً أنّ "العمل يتم راهناً على تنسيق موقف فرنسي - أوروبي مشترك مع الولايات المتحدة لوضع قائمة المستهدفين في الضغوط الدولية لدفعهم إلى وقف العرقلة، وعلى رأس هذه القائمة يتربع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بوصفه الطرف الذي تشير كل الأصابع إلى مسؤوليته المباشرة عن رفض رئيس الجمهورية توقيع مراسيم التشكيل، خصوصاً وأنّ أوساط الرئاسة الفرنسية لم تتردد في الآونة الأخيرة في تحميل باسيل بالاسم مسؤولية مباشرة عن العرقلة والتعطيل، وصولاً إلى حديث وزير الخارجية الفرنسي أمس عن أطراف لبنانية تشترط تحقيق مطالب توزيرية من الحقبة الماضية لتسهيل ولادة الحكومة، في إشارة واضحة إلى مطالبة باسيل بحصة وزارية تمنحه الثلث المعطل في التشكيلة المرتقبة".