كتبت صحيفة "النهار" تقول: ان تكون أزمة تأليف الحكومة العتيدة عادت بمجملها الى ما دون مربع البدايات فليس في الامر ما يفاجئ، ولكن ان يحصل هذا التقهقر على وقع احتدامات وضغوط ديبلوماسية متصاعدة متنوعة الاتجاهات، فهنا يمكن التطور الأشد سلبية والأكثر مدعاة للقلق حيال الآتي من التطورات. بدا، بعد أيام شهدت تصاعداً لافتا لحماوة ديبلوماسية الضغوط الفرنسية والمصرية وما بينهما، تحريك الاستعدادات الجاهزة والمساعي الحميدة لوساطة جامعة الدول العربية، ان ثغرة ما يفترض ان تشق طريقها الى جدار الازمة المسدود بتراكم بات مخيفاً للعداوات الجدية بين الافرقاء المعنيين بتشكيل الحكومة ولا سيما منهم تحديداً رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. ولكن الحصيلة الاجمالية لهذا الغليان الديبلوماسي الذي توجته تحذيرات فرنسية من اقتراب زمن محاسبة معطلي الحل في لبنان، ولعلها التحذيرات الأشد تعبيرا عما بلغه السخط الفرنسي من الاستهانة اللبنانية بالواقع الداخلي المتجه بسرعة مخيفة نحو الانهيار الأسوأ والاكبر والأخطر، هذه الحصيلة شكلت بذاتها الصدمة الإضافية في ظل ما بدا من تبخر كل إمكانات تعويم الوساطات داخلية كانت ام خارجية وعودة احتدام السجالات الحادة والعنيفة والمفعمة بنبرات العدائية بما يسقط واقعياً أي انتظارات لمخارج ممكنة وقريبة المدى. ولعل اللافت في سياق رصد مواقف الافرقاء المعنيين بالحركة الدبلوماسية والضغوط المتصاعدة لتأليف الحكومة الجديدة ان المشهد الداخلي بدا عرضة لتبدلات سريعة في عناوين السجالات التي تشتعل وتهمد في تخبط واسع يكشف انعدام وجود نيات جادة لحسم الصراع على الملف الحكومي وهو الامر الذي برز بوضوح في اشعال العهد اول من امس عنوان التدقيق المالي الجنائي واستنفر على أساسه بعض الشارع العوني في بعبدا ومن ثم انتقل عنوان المعركة امس الى توجيه العهد الاتهامات المباشرة المستجدة للرئيس المكلف بانه يعتمد سياسة تخويف الدول من المس بالطائف.
وفي ظل هذه الدوامة بدت الجهات المواكبة للحركة الداخلية والخارجية شديدة التشاؤم بإزاء احتمالات التوصل الى أي مخرج للازمة وأعربت عن خشيتها من ان يكون ثمة استهانة كبيرة لدى البعض من التحذيرات التي ارتفعت وتيرتها في الأيام الأخيرة بإمكان بدء مرحلة عقوبات أوروبية جدية ستضع الازمة في مرحلة مختلفة تماما عن كل ما سبق.
وفي هذا السياق أفادت وكالة "رويترز" امس ان فرنسا والاتحاد الأوروبي يعكفان على إعداد مقترحات قد تسفر عن تجميد أصول وفرض حظر سفر على ساسة لبنانيين لدفعهم للاتفاق على حكومة لإنقاذ البلاد من انهيار اقتصادي. وقال ديبلوماسيان إن فريق لو دريان يدرس كيف يمكن للاتحاد الأوروبي إعداد عقوبات تشمل حظر السفر وتجميد الأصول.
الطائف … والتهديد!
وفي ظل هذه المعطيات بدا تحرك جامعة الدول العربية عقب زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي اغضب بعبدا لاستثنائه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل من لقاءاته، كأنه سباق مع الوقت ومع التدهور السياسي الآخذ في التفاقم. اذ ان الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، عرض في جولته على المسؤولين المساعدة في التقريب بين المتنازعين للاسراع في التأليف "قبل فوات الاوان".
ولكن رئيس الجمهورية ميشال عون الذي رحب بأي مبادرة تقوم بها جامعة الدول العربية لم يفوت الفرصة في توجيه اتهامات الى الرئيس الحريري وذلك من باب "تأكيده التزام لبنان تطبيق اتفاق الطائف الذي انبثق منه الدستور والذي يجب ان يكون محترما من الجميع، والعمل استنادا الى بنوده لاسيما في كل ما يتصل بإنشاء السلطات الدستورية وعملها وانحلالها ". واعتبر ان "كل ما يقال خلاف ذلك او يوحي بأن اتفاق الطائف مهدد، هو كلام لا يستند الى الواقع وتروجه جهات معروفة ومعنية بالتأليف". واقترن ذلك بتوزيع موقف لمصادر قصر بعبدا اتهمت فيه رئيس الحكومة المكلّف بالعمل في جولاته الخارجية على "بثّ أفكار تؤذي إستقرار لبنان إذ تكرّرت على لسان مسؤولين وسفراء عرب عبارات الخوف على الدستور ووثيقة الوفاق الوطني التي تم توقيعها في الطائف واعتبرت ان إختلاق مخاوف غير موجودة هو في حد ذاته ضربٌ للطائف من بيت أبيه، لافتة الى ان إيهام الدول العربية بوجود خطر على الطائف هو بحدّ ذاته خطر على الدستور وعلى الميثاق، ومن شأنه أن يفتح الباب لما هو مرفوض منا أي البحث في تعديل الدستور بالإنتقال من المناصفة الى المثالثة". لكن المفارقة التي واكبت الدفاع الرئاسي عن موقفه من الطائف تمثلت في تسريب تهديدات تتحدث عن ان دوائر قصر بعبدا ترجح أن يُقدِم الرئيس عون على خطوة إجرائية تجاه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من دون ان تكشف عن طابع هذا الإجراء" علما ان أي خطوة محتملة كهذه تتصل بصلاحيات مجلس الوزراء مجتمعاً.
في المقابل، استغرب الرئيس الحريري تغييب رئيس الجمهورية لموضوع تأليف الحكومة من كلمته التي ألقاها الأربعاء. وقال: "التدقيق الجنائي الذي يجب أن يشمل مصرف لبنان وجميع الإدارات والوزارات هو قانونٌ أقرّه المجلس النيابي ووافقت عليه كتله السياسية جميعها لكنّ تطبيقه على نحوٍ فعالٍ وسليم يحتاج الى حكومة" . واضاف:"أستغرب تغييب الرئيس عون في كلمته موضوع تأليف الحكومة على أهميته وحاجة البلد إلى حكومة جديدة".
اما بالنسبة الى تحرك الجامعة العربية فأوضح زكي انه عرض استعداد الامين العام للمساعدة في الاتصالات بين الاطراف الرئيسية في هذه الازمة إذا كان هناك داع للتدخل من الجامعة العربية . واكد ان الجامعة "مستعدة للقيام بأي دور يطلب منها، سواء من خلال ديبلوماسية مكوكية بين الأطراف اللبنانية الرئيسية أو في شكل توفير سقف عربي متمثل بالجامعة، للقاء الافرقاء السياسيين اللبنانيين، وعندما أتحدث عن الافرقاء لا أعني أطرافا محددة بل جميع الافرقاء". وإذ شملت لقاءاته بعبدا وعين التينة وبيت الوسط والسرايا قال انه استمع من الرئيس المكلف لوجهة نظره بالكامل في موضوع التأليف، وأين تكمن العقبات التي يواجهها في التأليف الآن "وأعتقد أن لديه فكرة بأن الطرح الذي خرج من عند الرئيس نبيه بري هو فكرة مقبولة إلى حد كبير، وأنا بصدد إجراء المزيد من الاتصالات لتبيان الموقف ومساعدة الأطراف في الوصول إلى مخرج للوضع الحالي".
"الوفاء للمقاومة"
وسط هذه الأجواء برز موقف لـ"كتلة الوفاء للمقاومة" تميز باتباع توازن سياسي وتشديد على اعتماد الواقعية والتوصل الى تفاهم حول الحكومة . واعلنت الكتلة انه "لا يصح لأحد أن يتوهم في نفسه أو في جماعته القدرة على أخذ البلاد وحده حيث يشاء أو يريد. ولن يكون في مقدور فريق أن يصوغ معادلة في الحكومة تكرس تحكمه في القرارات التي ستصدر عنها" وشددت على "أن التفاهم يصبح مدخلا ضروريا وآمنا لتشكيل الحكومة، ويستحسن حينذاك اعتماد الواقعية اجمالا لتقدير الأحجام والأوزان والفعالية وسط حالة الغرق التي تنحو نحوها البلاد في هذه المرحلة، ويصير مطلوبا من كل المعنيين التخفف ما أمكن من أثقال الأنانية والاستخفاف بالآخرين خصماء أم أصدقاء، والتهيب تاليا من الفشل والمذلة والسقوط في أفخاخ الإذعان للخارج ولشروطه وإملاءاته.إذا فلنبادر، كل من موقعه، إلى تذليل العقبات عبر الحرص على التفاهم الوطني العام بدل الاستقواء ضد بعضنا بعضا".
النهار