أكد الرئيس فؤاد السنيورة أن مصر والجامعة العربية تلعبان دوراً هاماً في دعم استقرار لبنان وصموده والتأكيد على استقلاله وسيادته واستمراره في الحفاظ على نظامه الديمقراطي وعلى حرياته العامة.
ولفت السنيورة، الى أن "لبنان اصطدم عملياً باستعصاءين: الاستعصاء الأول ويتمثل بما يمارسه رئيس الجمهورية وإلى جانبه صهره رئيس التيار الوطني الحر واللذان يصران على أن تكون الحكومة ممثلة من مختلف الأحزاب الطائفية والمذهبية. والاستعصاء الآخر وهو الطرف الذي يتلطى وراء رئيس الجمهورية وهو حزب الله الذي لديه أهداف أخرى ويريد أن يستمر بإمساكه بهذه الرهينة التي هي لبنان والدولة اللبنانية من أجل ان يستعملها كوسيلة ضغط لكي تزيد من القدرة التفاوضية لإيران.
وشدد على أن "المشكلة ليست في اتفاق الطائف بل في تلك الممارسات التي لا تستند الى الدستور اللبناني وبالتالي تحاول هذه الأطراف أن تحرف نظر الناس عن جوهر المشكلات التي يعاني منها لبنان.
الى ذلك، قال السنيورة إن "عون وجماعته رفضوا ما تقدمت به حكومتي للتدقيق المالي منذ 14 عاماً بمشروع قانون من أجل إخضاع جميع ما يتعلق بمالية الدولة اللبنانية في إداراتها ومؤسساتها للتدقيق الخارجي الذي تجريه شركات عالمية مرموقة".
كلام السنيورة جاء خلال حوار أجراه مع تلفزيون "الشرق" حول الاوضاع الراهن في لبنان وابعاد التحرك العربي الراهن وفي ما يلي نصه:
س: كيف تقرأ المساعي العربية وهل ستنجح هذه المساعي؟
ج: بدايةً مساء الخير لك ولجميع المشاهدين.
مما لا شك فيه ان هذه الزيارات التي حصلت البارحة واليوم من قبل وزير الخارجية المصري ومن نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية هي محاولات مشكورة ومقدّرة. إذ لطالما كانتا ولا تزالان مصر والجامعة العربية تلعبان دوراً هاماً في دعم استقرار لبنان وصموده والتأكيد على استقلاله وسيادته واستمراره في
الحفاظ على نظامه الديمقراطي وعلى حرياته العامة. وهما اليوم يقفان معه ويدعمانه، ولاسيما وأنّ لبنان يمرّ بظروف شديدة الصعوبة، وحيث تشتد عليه المخاطر بسبب تراكم وتعاظم الاستعصاء لعدم القيام بالإصلاحات التي طال تأخيرها، وكذلك بسبب ما يعانيه لبنان من عدم التجاوب مع ما يطلبه اللبنانيون من اجل ان تتألف حكومة إنقاذ ذات مهمة محددة تحظى بثقة اللبنانيين وبثقة المجتمعين العربي والدولي.
هذه الحكومة هي التي تمثلها المبادرة الفرنسية التي تقدم بها الرئيس الفرنسي ماكرون، والذي حضر الى لبنان مباشرة بعد الانفجار المريب الذي حصل في مرفأ بيروت. وهو اجتمع بالعديد من اللبنانيين واستمع لما يقوله اللبنانيون الشباب الذين طالبوا بحكومة من الاختصاصيين الكفوئين المستقلين غير الحزبيين وبضرورة أن تسود وجهة نظر وممارسة جديدة في عملية تأليف الحكومة الجديدة تختلف عن الممارسات السابقة في تأليف الحكومات، والتي كانت تستند الى التحاصص بين الأحزاب على الحقائب وعلى المراكز في الحكومة. وهي الممارسات التي اثبتت فشلها على مدى السنوات الماضية والتي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه من الانهيارات الحاصلة كبيرة أسهمت فيها انهيارات في آليات المساءلة والمحاسبة على أساس الأداء، والتي هي جوهر النظام الديمقراطي في تحقيق التغيير المنشود.
الوضع الذي أصبحنا عليه الآن، هو أنّ لبنان اصطدم عملياً باستعصاءين: الاستعصاء الأول ويتمثل بما يمارسه فخامة الرئيس وإلى جانبه صهره رئيس التيار الوطني الحر، واللذان يصران على أن تكون الحكومة ممثلة من مختلف الأحزاب الطائفية والمذهبية، وهي عندما تؤلف على هذا الأساس فإنها تخالف المبدأ الذي انطلقت منه المبادرة الفرنسية ومخالفة للقاعدة التي طالب باعتمادها اللبنانيون الذين يطالبون أن تتألف هذه الحكومة من اختصاصيين كفوءين
مستقلين غير حزبيين. وبناء على ذلك، فإنها تستطيع أن تمارس الدور التي عجزت عنه الحكومات الماضية في القيام بالإصلاحات.
ليس هذا هو الاستعصاء الوحيد الذي يمارسه رئيس الجمهورية. إذ أنّ الاستعصاء الآخر، وهو الطرف الذي يتلطى وراء رئيس الجمهورية، وهو حزب الله الذي لديه أهداف أخرى. إذ أنه من جهة أولى يريد أن يستمر بإمساكه بهذه الرهينة التي هي لبنان والدولة اللبنانية من أجل ان يستعملها كوسيلة ضغط لكي تزيد من القدرة التفاوضية لإيران في مفاوضاتها القادمة مع الولايات المتحدة.
ليس ذلك فقط بل هو قد أوصل الأمور تدريجيا إلى أن تصبح عملية تأليف الحكومة وكأنها جزءاً من عملية الاستحقاق الرئاسي القادم بالنسبة لرئاسة الجمهورية. هذا هو الامر الذي يريده حزب الله، وهو الإمساك بمسألة تأليف الحكومة العتيدة من اجل ان يحفظ لنفسه الدور المقرر بالنسبة للحكومة اللبنانية وفي لبنان في الفترة القادمة، وذلك بما يتعلق باختيار رئيس الجمهورية الجديد بعد سنة ونصف. هذا هو حقيقة الوضع الذي يعاني منه لبنان الآن وهذه الزيارات تحصل اليوم ولا يزال رئيس الجمهورية على استعصائه.
س: في ظل استعصاء رئيس الجمهورية الى اين تتوقع ان تصل مبادرة الرئيس بري؟
ج: لا شكّ ان الرئيس بري قدم أفكاراً وهي منطلقة أساسا من فكرة الرئيس ماكرون في أن تكون حكومة من الاختصاصيين الكفوئين المستقلين، وأيضاً أن تكون الحكومة الجديدة قادرة على أن تتولى عملية الإصلاح المنشود وبكافة أشكاله. وهي التي من المفترض أكانت بعددها الذي لا يزيد عن ثمانية عشرة عضواً أو ما يقول الرئيس بري أن يصار الى زيادتها الى ان تكون 20 او 24.
الحقيقة في هذا الامر، أنه لا يمكن البت بأمر العدد إلاّ في ضوء التصور الكامل لتأليف الحكومة، وذلك أن لا يكون هناك محاصصة داخل مجلس الوزراء ولا أن
تبنى الحكومة على قاعدة الثلث المعطّل. إذا كانت المحاصصة سوف تسري في عملية التأليف فإنّ معنى ذلك ان هذه الحكومة سوف تولد ميتة لان ما يعانيه لبنان هو في استمرار المحاصصة.
الآن يجب ان يكون واضحاً أمام الجميع أنّ هناك انهياراً كبيراً وساحقاً في مستويات الثقة ما بين اللبنانيين من جهة، والدولة اللبنانية والمنظومة السياسية وأيضاً برئيس الجمهورية، وكذلك الامر ينطبق على المجتمعين العربي والدولي الذين فقدوا الثقة بهم. وإذا كان تأليف الحكومة سوف يستمر على ذات النمط الذي مارسه السياسيون اللبنانيون خلال السنوات الماضية، فسوف تولد الحكومة ميتة ولن تستطيع ان تقدم شيئا للبنانيين وسوف تزداد الأمور اهتراء. ما نراه اليوم أن هناك عمليات إلهاء للبنانيين ولحرف انتباههم عن المشكلات الأساس التي هي مشكلات تتعلق بممارسات رئيس الجمهورية المخالفة للدستور، والتسلط الذي يمارسه حزب الله والهدف منه إبقاء سلطتهما على الدولة اللبنانية وعلى قرارها الحر. ولذلك، فإنّ الرئيس وحزب الله يلهون اللبنانيين ساعة في موضوع التدقيق الجنائي وساعة في موضوع الدعم، بحيث حولوا اللبنانيين إلى متسولين للمواد المدعومة. هناك مزيد من الالهاء في مشكلات جانبية، وكذلك إن لم تعالج المشكلات الأساسية، إذ أنه لا تعالج الامراض بمظاهرها بل يجب أن تعالج في جوهرها.
س: عند الحديث عن مأزق تشكيل الحكومة وعن اتفاق الطائف هل اتفاق الطائف في مأزق اليوم؟
ج: في هذا الشأن، هناك أيضاً عملية تجهيل وإلهاء. فالمشكلة ليست في اتفاق الطائف، بل في طريقة ممارسته وفي عدم استكمال تطبيقه. اتفاق الطائف أنهى الحرب، وهو أنهى مشكلة سياسية أساسية في لبنان. إذ أنه قدم الحل الصحيح لما يسمى المجتمعات المتنوعة بموضوع حسم هوية لبنان العربية وفي نهائية الكيان
اللبناني. وهذه جميعها تقوم على تثبيت فكرة العيش المشترك. وبالتالي الاعتراف والتأكيد على احترام الدولة اللبنانية وسلطتها واحترام الشرعيتين العربية والدولية. ولذلك، فإنّ ما يحاول البعض بأن يسلط الضوء على ان المشكلة هي في النظام اللبناني او في اتفاق الطائف هو غير صحيح. المشكلة ليست في اتفاق الطائف بل في تلك الممارسات التي لا تستند الى الدستور اللبناني. وبالتالي، تحاول هذه الأطراف أن تحرف نظر الناس عن جوهر المشكلات التي يعاني منها لبنان. المشكلة ليست في اتفاق الطائف وهذا ما عبر عنه غبطة البطريرك عندما قال ان المشكلة ليست في الدستور. المشكلة في من يطبق ويقوم بممارسات مخالفة للدستور. المشكلة في عملية الاستيلاء على لبنان ومنعه من ممارسة سيادته الكاملة على أرضه ومصادرة قراره الحر.
س: هل المساعي العربية اليوم فرصة لبنان الأخيرة؟
ج: لا شك اننا نقترب من الارتطام الكبير ولا شك ان هذا الاستعصاء الذي مارسته المنظومة السياسية في لبنان والمتمثل بالامتناع عن اجراء الإصلاحات، وهو الأمر الذي نتج عنه اهتراء وتدهور أكبر، وحيث بدأ اللبنانيون يعانون من ذلك من خلال انهيار الثقة وانهيار الاقتصاد وانهيار المؤسسات التي يقوم عليها لبنان على شكل انهيار المؤسسات المصرفية والاستشفائية والتعليمية وكل ما له علاقة بحياة الانسان، ولاسيما عندما انخفض سعر صرف العملة اللبنانية بنسبة 90% من قيمتها قبل بدء الانهيار في تشرين الأول 2019، ولاسيما خلال الأشهر القليلة الماضية. هنا يمكن أن تتصوري كيف سيكون عليه مستوى معيشة الناس. وبالتالي، فقد تحول قسم كبير جداً من اللبنانيين الذي أصبحوا تحت خط الفقر. وهذا يؤدي الى مزيد من المشكلات المعيشية من جهة كذلك المشكلات الأمنية. وبالتالي ها نحن نرى ما يعاني منه اللبنانيون وما يتألمون منه. في
المقابل، نجد أنّ رئيس الجمهورية يتحدث للبنانيين البارحة ويتناسى مشكلة الاستعصاء عن تأليف الحكومة ليحصر حديثه بالتأكيد على التدقيق الجنائي.
يا سيدتي، يؤسفني في هذا الامر أن أقول أنّ رئيس الجمهورية وجماعته، هم الذين كانوا يرفضون ما تقدمت به حكومتي منذ 14 عاماً بمشروع قنون من أجل إخضاع جميع ما يتعلق بمالية الدولة اللبنانية في إداراتها ومؤسساتها للتدقيق الخارجي الذي تجريه شركات عالمية مرموقة ولها الصدقية الدولية من أجل تعزيز مستويات الحوكمة لدى الدولة اللبنانية وفي أوضاعها المالية. هم الذين كانوا هم ضده ووقفوا ضده وفجأة نراهم يتحدثون الآن عن التدقيق الجنائي وفي مقدمهم رئيس الجمهورية.
الباب الصحيح الآن للولوج الى البدء باعتماد الحلول هو في البدء في استعادة الثقة. ويكون ذلك في تأليف الحكومة العتيدة على الأسس التي تحدثتا عنها. وعندما تتألف الحكومة أستطيع أن أراهن معك بأنه لن يستطيع أي مسؤول او أي سياسي لبناني أن يرفض مبدأ إخضاع المؤسسات اللبنانية الى التدقيق الجنائي والتدقيق العادي، وهو الذي جرى إقراره بقانون في مجلس النواب ووافقت عليه جميع الأطراف السياسية. يجب إعادة الاعتبار عندها لقاعدة أساسية وهي أنه لا يجوز أن يكون هناك أحد بمعزل عن المساءلة وعن المحاسبة. هذه قاعدة يجب ان تنطبق على الجميع من أجل حماية المال العام.