عرب وعالم

الأزمة الإسرائيلية – الفلسطينية: الأسباب، والتداعيات والنُذُر

تم النشر في 16 أيار 2021 | 00:00

المواجهات الدائرة في سائر أنحاء إسرائيل – فلسطين على وشك أن تصبح إحدى أسوأ نوبات ‏العنف هناك في الذاكرة الحديثة. في هذه النسخة من "سؤال وجواب"، يشرح خبراء مجموعة ‏الأزمات ما يكمن وراء الأحداث الانفجارية وإلى أين يمكن أن تفضي.‏

ما مدى خطورة أحدث اشتعالات الصراع؟

إنه خطير للغاية، جزئياً لأنه يحدث على عدة جبهات في الوقت نفسه: إجراءات الشرطة ‏الإسرائيلية ضد الفلسطينيين المحتجين على عمليات الطرد من المنازل أو الصلاة في المسجد ‏الأقصى في القدس، والقتال عبر الحدود بين إسرائيل والمجموعات الفلسطينية المسلحة في قطاع ‏غزة، والمسيرات من الأردن باتجاه الضفة الغربية، والعنف في المدن الإسرائيلية المختلطة – ‏البلدات التي تحتوي أعداداً كبيرة من المواطنين اليهود والفلسطينيين. هذه المواجهات مجتمعة على ‏وشك أن تصبح إحدى أسوأ نوبات الاشتعال في التاريخ الحديث للصراع الإسرائيلي – ‏الفلسطيني. وما يزال يمكن لهذا الاشتعال أن يصبح أسوأ، أي إذا قررت إسرائيل شن هجوم بري ‏على قطاع غزة. يُذكر أن المسؤولين الإسرائيليين ما زالوا يدرسون هذا الخيار، مع وجود ‏الدبابات والمدفعية الثقيلة بالقرب من الحدود الشمالية للقطاع وهي منخرطة فعلاً في القتال، ولو ‏من الخارج؛ وقد بدأ السكان في الأجزاء الشمالية من القطاع بإخلاء منازلهم رداً على ذلك. ‏سيتعقد الوضع أكثر إذا أرسلت إسرائيل كتائبها العسكرية إلى المدن المختلطة، وهو خيار يبدو ‏أنها تدرسه أيضاً.‏

حتى لو تمكن الطرفان من وقف القتال من خلال وقف إطلاق النار في قطاع غزة، على سبيل ‏المثال، فإن جميع المشاكل الكامنة خلف الصراع تبقى ماثلة وقد ازداد لهيبها الآن، وستظل ‏تصرخ وتنادي ببذل جهد أكثر جدية بكثير للتوصل إلى حل دائم أكثر مما تم فعله حتى الآن.‏

الخسائر البشرية والمادية مروّعة أصلاً. فبحلول 10 أيار/مايو، كان نحو 250 فلسطيني قد ‏أصيبوا خلال عمليات الشرطة ضد ما بدأ بوصفه احتجاجات سلمية في القدس الشرقية. ومنذ ‏ذلك الحين، عندما بدأت حماس، الحركة الإسلامية الفلسطينية التي تحكم قطاع غزة، بإطلاق ‏الصواريخ على إسرائيل، وشنت إسرائيل ضربات جوية انتقامية، أصبح القتال أكثر دموية. لقد ‏سجلت وزارة الصحة في قطاع غزة إصابة 830 فلسطينياً ومقتل 119، بمن فيهم 31 طفلاً، ‏نتيجة الضربات الجوية والمدفعية الإسرائيلية. وخلال الفترة نفسها، قُتل تسعة إسرائيليين، بمن ‏فيهم طفل واحد، وجُرح أكثر من 400 في الضربات الصاروخية التي شنتها حماس.‏

في موجة غير مسبوقة من العنف، جُرح عشرات الأشخاص في سائر أنحاء المدن والأحياء ‏الإسرائيلية المختلطة وحدثت بعض أسوأ الهجمات في اللد. في 10 أيار/مايو أضرم فلسطينيون ‏النار في أحد الكُنس اليهودية وفي سيارات الشرطة، وأطلق يهودي مسلح النار على فلسطيني ‏فقتله خلال التبادلات، ففرضت الحكومة على المدينة حظر تجول ليلي، انتهكه اليهود المتشددون ‏لاحقاً. كما فرضت السلطات حالة الطوارئ – للمرة الأولى منذ فككت إسرائيل حكمها العسكري ‏للمواطنين الفلسطينيين في عام 1966 – وحرّكت وحدات شرطة الحدود إلى المدينة من منطقة ‏عملياتها الرئيسية في الضفة الغربية المحتلة. في 12 أيار/مايو، هاجم الإسرائيليون المتشددون ‏جامع العمري في اللد قبل سريان حظر التجول، ما دفع رئيس البلدية، يائيير رافيفو، إلى إعلان ‏حالة الحرب الأهلية.‏

واندلعت حوادث مماثلة في مناطق أخرى؛ حيث قامت مجموعات من الرعاع اليهود من إسرائيل ‏والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، نظموا أنفسهم عبر الهواتف الخليوية ووسائل ‏التواصل الاجتماعي بمطاردة ومهاجمة الفلسطينيين في عدة مدن، أحياناً تحت مرأى قوات الأمن ‏الإسرائيلية في مناطق مجاورة. في عكا، هاجم فلسطينيون رجلاً يهودياً، وتركوه في وضع ‏خطر. في بات يام، هاجم عشرات اليهود المتشددين يحملون العلم الإسرائيلي مواطناً فلسطينياً ‏نقل إلى المستشفى على إثر الهجوم. في القدس الغربية، طُعن فلسطيني في 12 أيار/مايو وما ‏يزال وضعه خطيراً. في قطاع غزة، أحدثت الغارات الإسرائيلية ضرراً هائلاً على الأبنية والبنية ‏التحتية المدنية، حيث دمرت عدة أبراج تحتوي شققاً سكنية ومكاتب وسوّت بالأرض عدة مبان ‏حكومية ومرافق خدمية، مثل المدارس، والمصارف، والمنازل والمجمعات الأمنية، بما في ذلك ‏عدد من مراكز الشرطة. بحلول 13 أيار/مايو، كانت حماس قد أطلقت أكثر من 2,000 ‏صاروخ وقذيفة هاون على إسرائيل (أخفق عدد منها في الانطلاق، واعترض معظمها نظام القبة ‏الحديدية للدفاع الجوي، لكن بعضها سقط على تل أبيب ومناطق حضرية أخرى)؛ وكانت ‏إسرائيل قد شنت مئات الضربات الجوية والمدفعية. قوة النيران التي استعملتها حماس، سواء من ‏حيث عدد الصواريخ أو من حيث مداها، تفوق بكثير التصعيدات السابقة؛ وقد كان الرد ‏الإسرائيلي سريعاً ومدمراً، ما يجعل الدمار الناجم عن هذه الحلقة من التصعيد أكبر مقارنة ‏بحروب غزة الأربعة السابقة – في أعوام 2006، و2008-2009، و2012 و2014 – من ‏أي من الاشتعالات السابقة التي حدثت فيما بينها.‏

وقد يكون الأمر الأكثر أهمية هو أن هذه المرة هي الأولى منذ انتفاضة أيلول/سبتمبر 2000 التي ‏يرد فيها الفلسطينيون في الوقت نفسه على هذا النطاق الهائل في جزء كبير من الأراضي ‏الإسرائيلية – الفلسطينية مجتمعة على الأثر المتراكم للاحتلال العسكري، والقمع، والاستلاب ‏والتمييز المنهجي.‏

ما الذي أشعل فتيل الأحداث؟

بدأ كل شيء بعدد من الحوادث المنفصلة لكن المترابطة في القدس الشرقية، والتي تصاعدت، ثم ‏اتخذت طابعاً عسكرياً ومن ثم انتشرت، وبنت على نقاط الصراع التي تعتمل تحت السطح منذ ‏سنوات والتقطت بسرعة جرعة من الأوكسجين.‏

حدث أحد مُشعلات الصراع على مدخل المدينة القديمة في القدس عند بوابة دمشق، أو باب ‏العامود، في مطلع شهر رمضان، 13 نيسان/أبريل، عندما حظرت السلطات الإسرائيلية على ‏سكان القدس الشرقية التجمع على درجات البوابة وعزلت المنطقة. يشكل باب العامود مركزاً ‏اجتماعياً لكثير من سكان المدينة القديمة من الفلسطينيين، ومنصة للفعاليات والتجمعات المدنية ‏والثقافية. ووجد الشباب الفلسطينيون في وضع الحواجز المعدنية استفزازاً فأطلقوا ما أصبح ‏احتجاجات تنطلق كل مساء؛ ولم تكن هذه مرتبطة بالفصائل السياسية أو أي أجندة أوسع. وخلال ‏أيام، رد اليهود المتشددون بالسير عبر وسط القدس نحو باب العامود، وهم يهتفون "الموت ‏للعرب". انتشر الغضب الذي أحدثته هذه المسيرات بين الفلسطينيين إلى الضفة الغربية القريبة ‏وإلى الأردن المجاور، في حين أطلقت المجموعات المسلحة في قطاع غزة عشرات الصواريخ ‏على إسرائيل. صوّر الفلسطينيون الهجمات على اليهود ونشروها على وسائط التواصل ‏الاجتماعي سعياً للحصول على التعاطف والدعم، في حين تجول اليهود الإسرائيليون المتشددون ‏في القدس الشرقية، وهاجموا العرب. بعد اثني عشر يوماً من المواجهات العنيفة في القدس ‏الشرقية، فككت السلطات الإسرائيلية الحواجز في 25 نيسان/أبريل.‏

حدث بعد ذلك المُشعل الثاني على شكل غضب شعبي متنامٍ حيال حكم للمحكمة العليا في إسرائيل ‏‏(تم تأجيله لاحقاً – يتعلق بمخطط لطرد أربع عائلات فلسطينية في الشيخ جراح، وهو الحي في ‏القدس الشرقية الذي يربط المدينة القديمة بالضفة الغربية. كانت القضية تأخذ مجراها في المحاكم ‏الإسرائيلية منذ سنوات قبل أن تصل إلى أعلى مستوياتها. نظم الفلسطينيون اعتصامات إفطار ‏يومية احتجاجاً على عمليات الطرد، التي كانت جزءاً من عملية أوسع تشمل 27 أسرة أخرى. ‏جذبت هذه الاعتصامات اهتمام اليهود المتشددين، الذين دخلوا حي الشيخ جراح بصحبة عضو ‏الكنيست المنتخب حديثاً إيتمار بن غفير في 10 أيار/مايو لمقاطعة الاحتجاجات وفي بعض ‏الأحيان مهاجمة أولئك الذين كانوا قد تجمعوا بشكل سلمي. أطلقت الشرطة الإسرائيلية الرصاص ‏الإسفنجي والمياه العادمة، ما تسبب بمئات الإصابات. تعرض عدد كبير من الفلسطينيين لاحقاً ‏للضرب من قبل الشرطة وهم في طريقهم إلى الاحتجاز. وتستمر التوترات والاعتقالات حتى ‏الآن. ما ألهب الوضع أكثر في هذا الوقت كان قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في ‏‏29 نيسان/أبريل، تأجيل الانتخابات التشريعية "إلى أمد غير محدد" في الأراضي الفلسطينية ‏المحتلة التي كان من المقرر أن تجرى في 22 أيار/مايو. من المرجح أن يكون عباس قد خشي ‏من أن حركة فتح المنقسمة التي ينتمي إليها ستحقق نتائج سيئة في الانتخابات، لكن السبب الذي ‏ذكره للتأجيل كان غياب التطمينات الإسرائيلية من أن سكان القدس الشرقية سيسمح لهم ‏بالمشاركة. في الواقع، فإن السلطات الإسرائيلية كانت قد عطلت الحملة الانتخابية في القدس ‏الشرقية طوال شهر نيسان/أبريل، واعتقلت سياسيين فلسطينيين وأنصارهم. أغضبت عمليات ‏الاحتجاز الفلسطينيين من سائر أجزاء الطيف السياسي، لأن هذه الأفعال هددت بتعطيل محاولتهم ‏تجديد مؤسساتهم الوطنية عبر العملية الديمقراطية، كما كانت الأطراف الدولية الفاعلة تشجعهم ‏على فعله.‏

أما المُشعل الرابع فكان الأكثر خطورة. ففي عشية 7 أيار/مايو، اصطدمت الشرطة الإسرائيلية ‏مع الشباب الفلسطينيين واستعملت القوة ضد المصلين في المسجد الأقصى داخل المدينة القديمة، ‏فجرحت العشرات. كما أغلقت الشرطة البوابات المفضية إلى المسجد، الذي يعد ثالث أقدس ‏المواقع الإسلامية بعد مكة والمدينة. وفرض مثل تلك القيود الصارمة على الوصول، حتى عندما ‏تكون رداً على احتجاجات عنيفة، يفضي دائماً إلى المزيد من التصعيد. فاقمت الشرطة الوضع ‏أكثر عندما منعت آلاف المواطنين الفلسطينيين من الدخول إلى القدس في 8 أيار/مايو، ومنعت ‏آلاف المسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى للصلاة في ليلة القدر، أقدس ليالي رمضان. ثم ‏هاجمت القوات الإسرائيلية المصلين المسلمين في الحرم الشريف في نفس ذلك المساء. في اليوم ‏التالي، انتهكت القوات الإسرائيلية المجمع، وأطلقت القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع على ‏المصلين، وشقت طريقها إلى المسجد وهاجمت الناس داخله. أصيب عشرات الفلسطينيين ‏واحتجز كثيرون. في 10 أيار/مايو، شن الجنود الإسرائيليون غارة أخرى وصادروا مفاتيح ‏البوابات الرئيسية للمسجد.‏

تزامنت أحداث يوم 10 أيار/مايو مع احتفالات الإسرائيليين بما يسمونه يوم القدس – الذي يرون ‏فيه يوم إعادة توحيد القدس الشرقية، بما فيها المدينة القديمة، مع القدس الغربية خلال حرب عام ‏‏1967. وفي اليوم نفسه، كان السكان الفلسطينيون في القدس الشرقية قد تظاهروا ضد خطط ‏اليهود المتشددين بالسير عبر المدينة القديمة نحو المسجد الأقصى. وفي أعقاب الضغوط الدولية، ‏بما فيها الأميركية، أعادت السلطات الإسرائيلية توجيه المسيرة لتحاشي المزيد من العنف، إلا أن ‏التوترات كانت قد ارتفعت أصلاً إلى مستويات خطيرة.‏

رداً على الأحداث في القدس في اليوم نفسه، حذر الجناح العسكري لحماس، كتائب عز الدين ‏القسام، إسرائيل وطلب منها وقف العنف ضد الفلسطينيين في المدينة. وكانت الفصائل المسلحة ‏الفلسطينية قد بدأت أصلاً بإصدار التحذيرات قبل ذلك بأسبوعين، قائلة إنها سترد على التصعيد ‏في القدس. في 10 أيار/مايو، أصدرت غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية في ‏قطاع غزة تحذيراً يمهل إسرائيل حتى الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي لسحب قواتها من ‏المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وإطلاق جميع أولئك الذين كانت قد احتجزتهم خلال هذه ‏الأحداث. وبعد انقضاء الموعد النهائي بوقت قصير، أطلقت حماس رشقة من الصواريخ باتجاه ‏القدس. ردت القوات الإسرائيلية بشن غارات جوية على قطاع غزة، فقتلت 28 شخصاً، بمن ‏فيهم تسعة أطفال، في الساعات القليلة الأولى، وهددت برد موسع يدوم أياماً، بما في ذلك توغل ‏بري.‏

كيف تختلف هذه المجموعة من الأحداث عن أحداث سابقة؟

من الناحية العسكرية، أُخذت إسرائيل على حين غرة بالقدرة العملياتية الموسعة لحماس على شن ‏هذا العدد الكبير من الصواريخ دفعة واحدة وعلى مثل هذه الأهداف البعيدة. في 13 أيار/مايو، ‏كشفت حماس عن صاروخ عياش الأبعد مدى، حيث أطلقت واحداً على مطار رامون الدولي ‏خارج إيلات عند رأس خليج العقبة. وسياسياً، شكلت هذه السلسلة من الأحداث جرس إنذار ‏بالنسبة لأولئك في إسرائيل الذي يأملون بأن الصراع "قابل للاحتواء" أو أنه انتهى إلى حد بعيد ‏‏– وأن بوسعهم تجاهل القضية الفلسطينية والتظاهر بأنها تمت تسويتها لصالح إسرائيل. لقد تعمق ‏هذا الشعور على مدى السنتين الماضيتين مع الاتفاقيات الإبراهيمية التي تطبع العلاقات بين ‏إسرائيل ودول مهمة في الخليج العربي واستمرار تحسن الاقتصاد والأحوال المعيشية في ‏إسرائيل. كما رأى القادة الإسرائيليون حماس تتحرر من القيود المفروضة عليها في غزة ‏باستخدام التصعيد مع إسرائيل لمحاولة التفاوض على تنازلات فيما يتعلق بالقدس، وليس فقط ‏رفع الحصار عن غزة، كما كانت قد فعلت في الماضي. وبفعل ذلك، بدا أن حماس تغتصب ‏قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية من الرئيس عباس والسلطة الوطنية التي تقودها حركة فتح.‏

في حين أن حروب أعوام 2006، و2008-2009، و2012 و2014 تركزت جميعها على ‏قطاع غزة، فإن الجولة الجديدة من القتال، بما في ذلك في غزة، أعادت التأكيد على مركزية ‏القدس في الصراع. لقد بات الوضع المتغير صعوداً في القدس الشرقية – في الحرم الشريف ‏وفي أحياء مثل الشيخ جراح – يرمز إلى عناصر جوهرية يتسم بها الصراع الفلسطيني – ‏الإسرائيلي الأوسع وتجارب الفلسطينيين الذين يعيشون هذا الصراع. وقد أوصلت التبادلات ‏الأخيرة في القدس هذه العناصر إلى ذروتها، ووجدت صدى مشتركاً لدى جميع التجمعات ‏الفلسطينية المتناثرة جغرافياً، بما في ذلك في الشتات. دأب الفلسطينيون، وبتواتر متزايد في هذه ‏الاحتجاجات، على دعوة حماس، التي تصف نفسها بأنها حركة تحرر وطني ومقاومة إسلامية، ‏إلى التدخل وفعل شيء ما، ما يجعل الحركة في أعين الفلسطينيين حصناً منيعاً ضد العدوان ‏الإسرائيلي، على عكس فتح في الضفة الغربية. وفي هذه الاحتجاجات نفسها، وجّه الفلسطينيون ‏إهانات إلى عباس والسلطة الفلسطينية بسبب عدم فعاليتهما في الدفاع عن القدس، خصوصاً بعد ‏أن كانوا استعملوا المدينة ذريعة لإلغاء الانتخابات التشريعية الفلسطينية. وبالفعل، فطوال ‏الأحداث التي جرت خلال الشهر الماضي، تعرضت السلطة الفلسطينية بشكل دائم للسخرية. ‏وبالمقابل، ظلت السلطة صامتة نسبياً حيال هذه التطورات، بينما قامت بقمع الاحتجاجات في ‏الضفة الغربية التي اندلعت تضامناً مع الفلسطينيين في القدس الشرقية.‏

الأمر الجديد هذه المرة، والذي سيحمل تداعيات أبعد مدى دون شك، كان الغضب الشعبي ‏للفلسطينيين في سائر أنحاء إسرائيل – فلسطين، كما لو أن الحدود – وخصوصاً الخط الأخضر، ‏وهو خط الهدنة الذي وُضع بعد حرب 1948 ويفصل اليوم بين إسرائيل والضفة الغربية – قد ‏تلاشى. انتشرت الاحتجاجات من الرملة واللد إلى يافا، وحيفا، وأم الفحم، والناصرة، ورهط، ‏والخليل، ونابلس، وترشيحا، وبيت لحم، وطولكرم، وجنين ومخيم قلنديا للاجئين في نوع من ‏التحرك غير المنظم الذي عم فلسطين بأكملها، ويواجه بوحشية الشرطة. حدثت التعبئة رغم عقود ‏من المحاولات الإسرائيلية لفصل القدس الشرقية فعلياً عن عمقها في الضفة الغربية، وهي جزء ‏لا يتجزأ منها، على مدى العقدين ونصف العقد الماضيين منذ توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993، ‏وفصلت المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام ‏‏1948.‏

إن الطبيعة واسعة الانتشار للقتال والاضطرابات يعني أن وقف إطلاق نار واحد لن يعيد الهدوء، ‏حتى لو خفف حدة العنف.‏

ما الذي يقوله القادة على جميع الأطراف؟

في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية في 23 آذار/مارس التي لم تنشأ عنها بعد حكومة ائتلافية ‏جديدة، يتبنى الساسة الإسرائيليون مواقف متشددة. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ‏بيني غانتس، إضافة إلى خصميهما الرئيسيين يائير لبيد ونفتالي بينيت، قالوا جميعاً إنهم يريدون ‏توجيه ضربة كبيرة لحماس. في 11 أيار/مايو، أعلن نتنياهو "لقد دفعت حماس والجهاد ‏الإسلامي – وأقول لكم هنا - وستدفعان ثمناً باهظاً جداً لعدوانهما. وأقول هنا هذا المساء – إنهم ‏يتحملون مسؤولية هدر دمائهم."‏

حذر غانتس في 12 أيار/مايو من أن "إسرائيل ليست مستعدة لوقف لإطلاق النار. وليس هناك ‏حالياً موعد لوقف العملية. فقط عندما نحقق الهدوء الكامل يمكن أن نتحدث عن تهدئة". المتحدث ‏العسكري الإسرائيلي هيداي زلبرمان قال في 13 أيار/مايو إن الجيش لم يستبعد شن غزو بري: ‏‏"قدمنا على دعسة البنزين". آخرون ينتقدون الحكومة لعدم امتلاكها استراتيجية بشأن غزة منذ ‏سحبت إسرائيل الجنود والمستوطنين اليهود من القطاع في عام 2005. غيورا إيلاند، وهو ميجر ‏جنرال متقاعد والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وبّخ القيادة في ملاحظات ‏لمجموعة الأزمات، لأنها "حافظت على الوضع الراهن منذ 15 عاماً. الدولة تتحاشى الخيارات ‏الأخرى، بل إنها لا تناقش استراتيجيات أخرى. إنهم يتركون الأمور تسير بقواها الذاتية".‏

تستفيد إسرائيل من قدرتها على خلط الكفاح الفلسطيني من أجل الحرية بأيديولوجيا حماس ‏الإسلامية والقصف الصاروخي العشوائي على المناطق السكنية. وتستطيع أن تستخدم ذريعة ‏القصف الصاروخي لتبرير ردها بقوة أكبر، وبشكل يبرز انعدام التوازن الحاد في القوى بين ‏الطرفين، وتفادي تحمل المسؤولية عن هجماتها التي تقتل المدنيين بالادعاء بأن حماس، المصنفة ‏‏"منظمة إرهابية"، تستعمل سكان غزة "كدروع بشرية".‏

لقد بدأ المعلقون والمحللون العسكريون الإسرائيليون بتجميع رواية انتصار، متحدثين عن شدة ‏الضربة التي تلقتها حماس، وإعطاء الانطباع أن الحرب قد تنتهي خلال أيام. في هذه الأثناء، ‏وعلى الجبهة المحلية، أوقف بينيت الجهود الرامية لتشكيل ائتلاف بديل مع لبيد قائلاً إنه سيعود ‏للتفاوض مع نتنياهو لتشكيل حكومة. البديل هو أن تمضي إسرائيل إلى انتخابات أخرى. وفي كلا ‏الحالتين، سينجح نتنياهو، في الوقت الراهن، في جهوده للبقاء في السلطة. لقد أصدرت حماس ‏قائمة بمطالبها، وجميعها، على عكس ما كان يحدث في حالات التصعيد في الماضي تركزت ‏على القدس. لقد أوضحت أنها لن تنظر في وقف لإطلاق النار إلى أن توقف إسرائيل عمليات ‏طرد المواطنين من منازلهم في الشيخ جراح، وتخرج قواتها من المسجد الأقصى، وتسمح بحرية ‏الوصول إلى المسجد والصلاة فيه. إضافة إلى هذين المطلبين المحوريين، دعت حماس أيضاً ‏لإطلاق سراح جميع السجناء الذين اعتقلتهم إسرائيل خلال هذه الأحداث الأخيرة وقبولها بإجراء ‏الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بما في ذلك في القدس الشرقية. وعلى عكس ما حدث في ‏حروب غزة السابقة، تعمدت حماس استبعاد قضية غزة وركزت مطالبها بشكل حصري على ‏القدس في إظهار واضح لعزمها على تقديم نفسها كمدافع عن جميع الفلسطينيين في سائر ‏الأراضي الفلسطينية المقسمة.‏

من غير المرجح أن تحقق حماس مطالبها فيما يتعلق بالقدس – إذ ما من حكومة إسرائيلية يمكن ‏أن تتحمل تقديم تنازلات في هذا الصدد. في غزة، سيترتب على الحركة الإسلامية النظر في ‏مدى الدمار الذي تستطيع أن تسمح به، بالنظر إلى أن مهمة إعادة البناء ستقع على عاتقها. ‏وبالتالي فإن هدفها النهائي سيظل غير واضح. لقد ظلت السلطة الفلسطينية صامتة إلى حد كبير، ‏ولم تقدم أكثر من تصريحات مقتضبة تدين العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في القدس وقطاع ‏غزة. وانتقد رئيس الوزراء محمد شتيا مجلس الأمن الدولي على عدم إصداره بياناً مشتركاً بشأن ‏الوضع في تغريدة له في 13 أيار/مايو – إلا أن المسؤولين الآخرين في السلطة الفلسطينية لم ‏يقولوا شيئاً آخر جديراً بالملاحظة.‏

دول الشرق الأوسط الأخرى عبرت عن أسفها لمآل الأحداث لكن دون أثر يذكر. وأصدرت ‏الجامعة العربية بياناً في 11 أيار/مايو، يدين الضربات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة ‏بوصفها "عشوائية وغير مسؤولة"، وقال إن إسرائيل كانت قد تسببت بالتصعيد بأفعالها في ‏القدس. وأعلنت مصر "رفضها الكامل وإدانتها لهذه الممارسات الإسرائيلية القمعية في القدس". ‏وقال وزير الخارجية سامح شكري إن القاهرة قد تواصلت مع إسرائيل في محاولة لتخفيف حدة ‏التوترات لكنها قوبلت باللامبالاة. الأردن تباطأ في رد فعله، لكنه أصدر بيانات داعمة ‏للفلسطينيين في القدس الشرقية وأدان الرد الإسرائيلي ثقيل الوطأة. وقد عبرت تركيا عن مشاعر ‏مماثلة.‏

كما كانت ردود الفعل الدولية الأوسع خافتة أيضاً، على الأقل على المستوى الحكومي، ما يعكس ‏مأزقاً سياسياً عميقاً فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. لقد امتنع مجلس الأمن الدولي ‏بشكل متكرر عن إصدار بيان يدعو فيه إلى التهدئة، بسبب المعارضة الأميركية. كما أعاقت ‏الولايات المتحدة عقد جلسة علنية لمجلس الأمن بشأن الأزمة في 14 أيار/مايو، رغم أنها وافقت ‏على أن هذا الاجتماع يمكن أن يعقد في 16 أيار/مايو. كما في كثير من المناسبات في الماضي ‏عندما أعاقت عمل الأمم المتحدة بشأن هذا الملف، قالت الولايات المتحدة إن تدخّل المنظمة ‏الدولية سيعقّد دون داعٍ جهودها التي تبذلها خلف الكواليس. هذا الموقف، الذي يعكس مواقف ‏الإدارات السابقة، يترك واشنطن معزولة دبلوماسياً. علاوة على ذلك فإن إعاقة البيانات والنقاش ‏بشأن غزة في مجلس الأمن سيعود بالفائدة على الصين (التي تعمل على مسودات بيانات المجلس ‏حول الأزمة مع تونس والنرويج) وروسيا، اللتان يمكن أن تستخدما ذلك عندما تريد الولايات ‏المتحدة طرح مسائل تتعلق بسورية أو شينجيانغ للنقاش والتصويت. ‏

بدأت إدارة بايدن عهدها وهي تأمل بأن لا تنفق الكثير من الوقت أو رأس المال السياسي على ‏الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ولم تُظهر، حتى الآن، علامة على درجة أكبر من الانخراط. ‏علنياً، تمسك المتحدثون باسم الولايات المتحدة بالخط الذي يوحد الإدارات الديمقراطية ‏والجمهورية خلال اشتعال الأحداث في إسرائيل – فلسطين في حقبة ما بعد أوسلو، داعين "كلا ‏الطرفين" إلى خفض التصعيد بينما يؤكدون على "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها". وأجرى كبار ‏المسؤولين، بمن فيهم الرئيس جو بايدن نفسه، وأيضاً مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ‏ووزير الخارجية توني بلينكن، مكالمات مع نظرائهم الإسرائيليين لحثهم، على ما ذكر، على ‏ضبط النفس؛ لكن كما هو الحال عادة، من غير الواضح ما هي الرسالة التي تلقوها. قال بايدن ‏إن نتنياهو أخبره بأن إسرائيل ستنهي العمليات العسكرية "عاجلاً لا آجلا". أما الخلاصة ‏الإسرائيلية لهذه المحادثة فتقول إن رئيس الوزراء أخبر بايدن بأن الضربات على غزة ستستمر. ‏لقد أرسل بايدن مبعوثاً خاصاً هو نائب مساعد وزير الخارجية هادي عمرو، إلى المنطقة لكن ‏دون تفويض واضح.‏

ودون قيادة الولايات المتحدة، من غير المرجح أن تتخذ الدول الأوروبية خطوات دراماتيكية ‏بمفردها. الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى فرنسا، وبولندا والسويد، أصدر بيانات تؤكد على ‏مسؤولية كلا الطرفين عن استعادة الهدوء. وقد أدان ممثلون لدول أخرى، بما فيها ألمانيا ‏وهولندا، الضربات الصاروخية التي شنتها حماس، لكنها امتنعت عن انتقاد الأفعال الإسرائيلية. ‏روسيا، من جهتها، اقترحت إعادة عقد اجتماعات الرباعية – الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، ‏والاتحاد الأوروبي وهي نفسها - لمناقشة ما يمكن فعله. لكن التدخلات السابقة للرباعية لم تكن ‏مؤثرة بشكل عام.‏

ما الذي سيحدث تالياً، وما الذي ينبغي أن يحدث كي تهدأ الأمور؟

أعلنت حماس مطالبها عندما أطلقت صواريخها في البداية على إسرائيل بشأن أزمة القدس. لكن ‏من غير الواضح ما الذي يمكن أن تأمل بتحقيقه غير وقف إطلاق النار والعودة إلى ما قبل ‏الوضع الراهن؛ وعندها ستواجه دماراً مادياً هائلاً في قطاع غزة، خصوصاً لمنشآتها وقدراتها، ‏وإلى حد ما لقدراتها العسكرية وبنيتها القيادية. يدعي الجيش الإسرائيلي أنه قتل ما لا يقل عن ‏مئة من مقاتلي حماس بمن فيهم قادة حتى الآن، إضافة إلى فريقها للأبحاث والتطوير. ويقول إن ‏هذه الخسائر إضافة إلى حقيقة أن حماس استخدمت معظم الصواريخ الموجودة في ترسانتها، ‏ستجبر المنظمة على السعي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار – وعندها سيترتب على إسرائيل أن ‏تقرر ما ستفعله تالياً. يمكن للقوى الخارجية أن تساعد في تهيئة الأرضية لوقف لإطلاق النار. ‏تتمتع تركيا وقطر بعلاقات وثيقة مع حماس، لكن مصر، وبسبب اهتمامها طويل الأمد بما يحدث ‏على حدودها الشمالية، في موقع مناسب على نحو خاص لهذه المهمة. عندما دارت آخر حرب ‏كبيرة بين إسرائيل وقطاع غزة في عام 2014، كان حكام القاهرة الجدد جديدون في مناصبهم، ‏مباشرة بعد انقلاب عام 2013 الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، العضو في حركة الإخوان ‏المسلمين. لم يكونوا في عجلة من أمرهم للضغط من أجل وقف لإطلاق النار، راضين على ما ‏يبدو بأن يتلقى حلفاء مرسي الأيديولوجيون في قطاع غزة الضربات. ومنذ ذلك الحين، أصبح ‏حكام القاهرة أكثر براغماتية، جزئياً بسبب الاتفاقيات الإبراهيمية التي تهدد مكانتهم المتميزة ‏بوصفهم الشريك الرئيسي لإسرائيل في العالم العربي. لقد ضغطوا من أجل التوصل إلى وقف ‏لإطلاق النار منذ بداية القتال، في محاولة لصرف الانتباه عن التحديات الداخلية التي يواجهونها ‏ولإظهار أهميتهم وقيمتهم الدبلوماسية، خصوصاً للإدارة الجديدة في واشنطن. لكن مع تركيز ‏حماس على القدس، وعزم إسرائيل على سحق حماس، فإن جهودهم حتى الآن كانت دون طائل. ‏في هذه اللحظة، لا تستطيع القاهرة أن تحقق لأي من الطرفين أقصى رغباته.‏

في حين أن الأمم المتحدة والأوروبيين، أيضاً، يمكن أن يلعبوا أدواراً مفيدة، فإن الولايات ‏المتحدة، الداعم الرئيسي لإسرائيل، وحدها قادرة اليوم على إحداث فرق حقيقي في حسابات ‏إسرائيل. حتى الآن، يبدو أن إدارة بايدن تكتفي بالسير خلف إسرائيل. وإسرائيل تريد أن تكون ‏قادرة على الادعاء أمام رأيها العام بأنها فرضت ثمناً باهظاً على حماس بسبب ضرباتها ‏الصاروخية، وأنها، على حد تعبير مؤسستها الأمنية،" استعادت الردع. لكن مع انعقاد مجلس ‏الأمن في 16 أيار/مايو، فإن الاعتبارات الدبلوماسية للبيت الأبيض قد تتغير. كما قد تتغير ‏اعتباراته الداخلية أيضاً. فكلما استمر القتال في إسرائيل – فلسطين لمدة أطول كلما ازدادت ‏المخاطرة بامتداد التداعيات إلى السياسة الداخلية الأميركية وتعطيل أجندة بايدن. لقد بدأ نزيف ‏الأزمة أصلاً بالتسرب إلى نقاشات الكونغرس.‏

وثمة متغير آخر يلعب دوراً في هذا التصعيد لم يكن موجوداً من قبل، أي العنف بين الفلسطينيين ‏والإسرائيليين على شوارع إسرائيل نفسها. ومن غير الواضح ما إذا كان وقف لإطلاق النار مع ‏قطاع غزة سينهي كل العنف. لكن الاستمرار بقصف القطاع الساحلي من المرجح أن يستمر في ‏تغذية التوترات الداخلية في البلاد. ينبغي على إسرائيل أن تختار: السعي إلى وقف إطلاق نار ‏أسرع مما قد تحب أو رؤية نسيجها الاجتماعي يتفكك بسرعة أكبر.‏

هذا الوضع الجديد يعطي حماس نفوذاً جديداً، لكنه يضع الحركة أيضاً في مأزق جديد. هل تستمر ‏بالضغط للحصول على تنازلات إسرائيلية كبيرة في القدس، وهو أمر يصعب تخيله، أم تدرس ‏ذلك النوع من الصفقات الذي لم يكن قابلاً للتحقيق في الحروب السابقة لكنه يبدو اليوم أكبر قابلية ‏للتحقق ويقع ضمن قدرة القاهرة أو حتى استعداد إسرائيل لتقديمه، كأن تحصل على تخفيف أكبر ‏للحصار المفروض عليها. اليوم، تقول حماس إن مثل هذه الخطوة إلى الوراء غير قابلة للبحث ‏‏– وإن أنظارها موجهة إلى القدس ولديها ما يكفي من الصواريخ لحرب تدوم شهرين. لكن ‏بمرور الوقت، واستنفاد ترسانتها، وتعاظم الدمار في قطاع غزة، والأكثر أهمية، ازدياد عدد ‏الضحايا الفلسطينيين، قد تتمنى لو أنها سعت إلى صفقة لم تتمكن من تحقيقها في أربعة حروب ‏سابقة. ‏

بالنسبة لخيار إسرائيل، إذا رغبت بمنع الانزلاق إلى صراع أهلي أعمق، ينبغي أن تنهي القيود ‏القطعية التي تفرضها على وصول الفلسطينيين إلى الحرم الشريف، وأن تسحب جنودها من ‏الموقع في جميع الظروف إلا أكثرها سوءاً، في حين تسيطر الأوقاف الإسلامية على رمي ‏الحجارة وغيرها من الأنشطة الاحتجاجية العنيفة هناك. كما ينبغي على إسرائيل أن تدعو فوراً ‏إلى وقف عمليات طرد الأسر في القدس الشرقية. أو على الأقل أن تبلغ مصر وأطراف أخرى ‏سراً بأنها ستؤجل أي إجراءات أخرى إلى ما لا نهاية.‏

بشكل عام، ينبغي على إسرائيل أن تدين العنف وخطاب الكراهية التحريضي، مهما كان مصدره ‏وأن تفرض العدالة غير المنحازة على الجميع. وتقع على المسؤولين الإسرائيليين مسؤولية خاصة ‏في محاربة الكراهية العنصرية الصادرة عن اليمين اليهودي المتطرف وأن تضمن حماية ‏المواطنين الفلسطينيين من الشرطة ومن العنف المدني على حد سواء بنفس الطريقة التي تحمي ‏فيها المواطنين اليهود. كما تقع على القادة الفلسطينيين في إسرائيل مسؤولية موازية في ‏مجتمعاتهم. كثيرون حول العالم، وخصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا، فوجئوا بصور العنف ‏الذي تمارسه جماعات الدهماء اليهودية، لكن المشاعر التي يجسدها هؤلاء لم تنشأ بين ليلة ‏وضحاها، بل إنها طالما حظيت بالرعاية والموافقة من أعلى مستويات الدولة. إن تخفيض حدة ‏التحريض الإثني مسألة محافظة على الذات بالنسبة للأغلبية اليهودية، لأن البديل المتمثل في ‏تصاعد الصراع الأهلي، يلوح أصلاً في الأفق.‏



للاطلاع على النحقيق باللغة الانكليزية


https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/israelpalestine/israel-palestine-crisis-causes-consequences-portents